الأحد، 30 يونيو 2013

التعليمُ الخاصُ في جامعاتِ الحكومةِ ...



تبذلُ الدولةُ جهوداً لتطوير العمليةِ التعليميةِ والإداريةِ في الجامعاتِ والمعاهدِ الخاصةِ، لكن في غَمرةِ  الإنشغالِ بما هو خاص سقَطَ من الحسابِ التعليمِ بمقابلِ في جامعاتِ الحكومةِ. التعليمُ بمقابلِ له مسمياتٌ عدةٌ، فهو التعليمُ المميزُ، وهو التعليمُ بالساعاتِ المعتمدةِ، وهو أيضًا البرامجُ الجديدةُ. وقد بدأ هذا التعليمُ الخاصُ في جامعاتِ الحكومةِ وسط معارضةٍ شديدةٍ لأنه يتعارضُ مع مبدأ المجانيةِ من ناحيةٍ ويؤدي إلى ازدواجيةٍ غيرِ مرغوبةٍ في جامعاتِ الحكومةِ، إزدواجيةٌ في التعليمِ وشئون الطلاب، وفي القواعدِ المنظمةِ لعملِ ومكافآت أعضاء هيئاتِ التدريسِ. تجربةُ التعليمِ الحكومي الخاصِ أظهرَت مشاكلًا عِدةً لعدمِ وجودِ لوائحٍ منظمةٍ فتُرِكَ أمرُها  لاجتهادِ الإداراتِ الجامعيةِ، مع ما في الاجتهادِ من صوابٍ وخطأٍ وهوى ومصالحٍ. لذا من الضروري أن نعرضَ ما آلَت إليه هذه التجربةُ لعل أنظارَ الدولةِ تلتفتُ إليها بعد طولِ نسيانٍ. 

عندما نبدأُ بتناولِ القواعدِ المتعلقةِ بطلابِ التعليمِ الحكومي الخاص، دون أن تكونَ حقيقةً مُنظمةً له، لتبينَ كم هي مختلفةٌ عن تلك الساريةِ في التعليمِ المجاني.  أولًا توزيعُ درجاتِ كلِ مادةٍ يُخصصُ نسبةَ ٣٠٪-٤٠٪ للامتحان النهائي، وهو ما يتركُ النسبةَ الأكبرَ لأعمالِ الفصلِ الدراسي، وبالتالي  فالنجاحُ مضمونٌ قبل دخولِ الامتحانِ، كما أن نسبةَ النجاحِ والدرجاتِ تكونُ لزومًا أعلى في كلِ مادةٍ. الحالُ في التعليمِ الحكومي المجاني جدُ مختلفٍ، فالنسبةُ الأكبرُ من درجاتِ كلِ مادةٍ تُخصصُ للامتحانِ النهائي، وهي تتراوحُ بين ٥٠٪ -٧٠٪، وبالتالي فالنجاحُ أصعبُ والتقديرُ العامُ أقلُ وكذلك نسبةُ النجاحِ في كلِ مادةٍ. قد يُقالُ أن التعليمَ الحكومي الخاص لا يمنحُ الطلابَ درجاتِ رأفةٍ، لكنه مردودٌ عليه، القواعدُ أيسرُ، وكذلك الامتحاناتُ. الغريبُ أن الجوَ السائدَ في هذا التعليمِ الخاصِ يعطي الانطباعَ العامَ بأن الأمورَ مُريحةٌ، مُستريحةٌ، مُرَحرَحةٌ، وهو ما يكُرسُ في الطلابِ الإحساسَ بأنهم مُدللون، وأيضًا تحاكيهم فيه إداراتُ الكلياتِ، حتى لو ادعَت غَيرَ ذلك،  وكذلك البعضُ من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ. 

ولما كانَ التعليمُ الحكومي الخاصُ بلا قواعدٍ ثابتةٍ لغيابِ اللوائحِ الحاكمةِ له، فإن التعاملَ معه يختلفُ باختلافِ إداراتِ الكلياتِ في المقامِ الأول. فهناك إداراتٌ تعتبرُه من أمورِ السيادةِ التي لا يجوزُ التدخلُ فيها، ومن ثَم لا تُعرضُ أمورُه على مجالس الكلياتِ ولجانِها، ولما تتغيرُ الإداراتُ قد تنفتحُ الأمورُ شيئًا وتُطلِعُ عليها مجالسُ الكلياتِ دون أن يكون لها قرارًا حقيقيًا فيما تتخذه "مجالس إدارات" التعليم الخاص؛ حتى تعبيرُ مجلس إدارة لا يتفقُ والمفرداتُ الجامعيةُ إلا في حالةِ الوحداتِ الجامعيةِ الخاصةِ التي تستهدفُ الربحَ. وإذا كانت الوحداتُ الخاصةُ تُعَيِّن مراقبَ حساباتٍ لأمورِها الماليةِ وميزانياتِها، فإن البرامجَ الجامعيةَ الخاصةَ تُبقي ميزانياتِها من الأسرارِ العليا وهو ما يتعارضُ مع أيةِ قوانينٍ تتصلُ بالمالِ العامِ.

وقد أدى وجودُ التعليمِ الخاصِ بالجامعاتِ الحكوميةِ  إلى نشوءِ معاملاتٍ ماليةٍ جديدةٍ ومختلفةٍ للعاملين به من أعضاء هيئاتِ التدريسِ؛ فإداراتِ الكلياتِ لا بدَ أن يكونَ لها من المكافآتِ نصيبٌ، كما ظهرَت مسمياتٌ وظيفيةٌ مثل مديرِ البرامجِ الذي يتحصلُ في المتوسطِ على عشرة آلاف جنيه إضافية شهريًا، وكذلك مُنسِقُ البرامجِ الذي يتحصلُ على ما متوسطِه ثلاثة آلاف جنيه إضافية شهريًا. أما أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ فيحصلون في المادةِ الواحدةِ على ما متوسطِه ألفين حتى خمسة آلاف جنيه شهريًا حسبُ عددِ ساعاتِ المادةِ والدرجةِ الوظيفيةِ. ولما كان المقابلُ المادي أعلى، فإن التدريسَ بهذا التعليمِ الخاصِ  يكونُ من صورِ المكافآتِ التي قد تمنحُها إداراتُ الكلياتِ لنفسِها وللموالين . وطبعًا، كالعادةِ في أي خاصٍ، فإن من أعضاءِ هيئةِ التدريسِ من يُغيرُ وجهَه الخشب أمام الطلابِ حتى يستمرُ فيه. إلا أنه لا يجبُ أن نغفلَ أن هناك من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ من يرفضَ التعليمَ الخاصَ على إطلاقِه وكذلك الحكومي منه، فيمتنعُ عن التدريسِ فيه أو حتى الإعترافِ به واحترامِه. 

وللتدريسِ في البرامجِ الحكوميةِ الخاصةِ متطلباتٌ مثل تقديمِ السيرةِ الذاتيةِ، وكأن التعليمَ الحكومي المجاني في نفسِ الكليةًِ يشربُ وغصبًا يبلعُ عضوَ هيئةِ التدريسِ على عيوبِه، بينما ينتَقيه على الفرازةِ التعليمُ الحكومي الخاصُ!! ومع غيابِ التنظيمِ القانوني واللائحي الحقيقي، فإن عضوَ هيئةِ التدريسِ يستطيعُ الجمعَ بين التدريسِ في البرامجِ الحكوميةِ الخاصةِ، والانتدابِ خارج الكليةِ، وكلُه على حسابِ التعليمِ الحكومي المجاني الذي يتبقى له عضوُ هيئةِ تدريسِ غير قادرٍ على العطاءِ لهَدِ حيلِه هنا وهناك، أو عضوُ هيئةِ تدريسِ نُص نُص لا مكانَ له في التعليمِ الحكومي الخاصِ!!  الجامعةُ الحكوميةُ في نهايةِ المطافِ يتجاذبُها تعليمان، تتفاوتُ مشاركةُ أعضاءِ التدريسِ فيهما، ويكونُ الخاسرُ التعليمُ الحكومي المجاني لهروبِ بعضِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ منه إلى عَزولِه الخاصِ، ولاحتلالِ معاملِ ومدرجاتِ الكلياتِ بتعليمٍ خاصٍ طفا على سطحٍ تحته قرارٌ سَحيقٌ. 

وتتواصلُ معاناةُ التعليمُ الحكومي المجاني مع تخريجِ دفعاتٍ من خريجي التعليمِ الخاصِ، إذ أنه مع التسليمِ بحقِهم في التعيين معيدين، فإن المنطقَ أن يُعَيَنوا في البرامجِ الخاصةِ التي درَسوا بها وتخرجوا منها، لكن العجبَ كلَه تعيينُهم بأقسامِ التعليمِ الحكومي المجاني!! لقد شُكِلَت لجانٌ وأوصَت بتعيينِهم في البرامجِ الخاصةِ على أن يسجلوا للدراساتِ العليا في الأقسامِ المناظرةِ بالتعليم الحكومي، لكن التوصياتِ التي يتمُ تبنيها في مجالسِ الكلياتِ، تُهجرُ بعد فترةٍ لأسبابٍ لا يعلمُها إلا القلةُ.  لقد أوصَت اللجانُ أيضًا باعتبارِ البرامجِ الجديدةِ المتناظرةِ أقسامًا بها شُعبٌ، وأوصَت بوجوبِ التدخلِ التشريعي لتقنينِ أحوالِها بدلًا من تركِها للاجتهاداتِ والأهواءِ والمصالحِ. ما يثيرُ الاستغراب أن موظفي الجامعاتِ يتظاهرون ويعتصمون طلبًا لبعض الزياداتِ الماليةِ المُستحقةِ فتضيقُ عنهم الموازنات الماليةُ بينما تَتَسعُ لتعيينِ معيدين من البرامجِ الخاصةِ وتحميلِهم على أقسامِ التعليمِ المجاني!!

عندما إبتُدِعَ التعليمُ الحكومي الخاصُ قيلَ أنه لفتحِ تخصصاتٍ جديدةٍ غيرِ تقليديةٍ، لكن ما حدَثَ فعلًا أن الجديدَ الوحيدَ هو كَمُ المشاكلِ التي انهالَت على دماغِ التعليمِ الحكومي المجاني. على الدولةِ أن تضعَ التعليمَ الحكومي الخاصَ في اعتبارِها، فهو ليس بأقلِ من اهتمامِها بالجامعاتِ والمعاهدِ الخاصةِ. التعليمُ الحكومي الخاصُ بصورتِه تلك يشبه نظامَ الفصلِ العنصري، أعضاءُ هيئةِ تدريسٍ هنا وأعضاءُ هيئةِ تدريسٍ هناك؛ طلابٌ هنا وطلابٌ هناك، يتبادلون المدرجاتِ والمعاملَ والمكتباتِ، ولكن أبو فلوس يكسب ويتدلع، أمام الكلِ.

غَلَط غَلَط غَلَط،، 

Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: