الجمعة، 11 فبراير 2011

مصر الجديدة ...

أعلنَ الرئيسُ حسنى مبارك تنحيَه فى السابعة من مساء يوم الجمعة الموافق 11 فبراير 2011، صفحةٌ طُوِيَت وفُتِحَت أخرى جديدة تماماً بدأت بالأفراحِ والصياحِ فى كلِ شارعِ من كلِ مدينةٍ، الفرَحُ الغامرُ حقٌ بعد طولِ معاناةٍ وحزنٍ وقلقٍ وسهرٍ. ليرقصُ المُحتفلون وللننظرُ إلى المستقبلِ، أشعرُ بالراحةِ لانتهاءِ حالةِ التوترِ الذى حَرَمنى كغيرى النومَ الحقيقى، لكننى أشعرُ فى جزءٍ من فكرى بالتوجسِ، بخوفٍ خفى لم يفصحُ عن هُويتِه، أريدُ أن أتبينَه فى هذه السطورِ.

مصر سَتُحكَمُ من خلالِ مجلسٍ عسكرىٍ، وَضعٌ كان مُتَوقعاً فى أيةِ لحظةٍ، وقد حَدَثَ. على من سيتولون الأمرَ الاتعاظُ من تجاربِ التاريخ، تاريخُ الديمقراطيةِ، كيف تمَ بناؤها، كيف تنشأ الديكتاتوريةُ؟ أية ديكتاتورية، فردية، طبقية، دينية. الديكتاتوريةُ واحدةٌ أياً كان مُسماها، موجودةٌ فى يومنا هذا فى دولٍ كثيرةٍ، صاخبةٌ، عاليةُ الصوتِ، مرفوعةُ الشعاراتِ الزائفةِ الخادعةِ، شعاراتٌ كالنارِ تلتفُ حولها الفراشاتُ حتى تسقطُ فيها محترقةً. الوضعُ وصلَ فى مصر إلى الفوضى، انتشرَ اللصوصُ فى كلِ مكانٍ، بالليل وبالنهارِ، بُوِرَت الأراضى الزراعية ومصرُ جائعةٌ، القصورُ الأثريةُ هّدِمَت لتعلو أبراجاً بلا أصلٍ ولا فصلٍ، حتى من امتهنوا السياسة اختلفوا بكلِ ما فى قوتِهم. اِنتُهِكَت مصرُ من كلِ من هَبَ ودَبَ، تَدَخلَ الكلُ فى شئونِها، أشخاصٌ ودولٌ وفضائياتٌ.

أمام من سيتولون الأمرَ مهاماً جِساماً، استعادةُ النظامِ وإيقافُ الفوضى، بدءُ خطواتِ بناءِ الثقةِ بين المختلفين سياسياً وعقائدياًٍ، إقامةُ مصر الديمقراطية المدنية، الحفاظُ على أراضيها كاملةٍ محميةٍ من أيةِ مؤامراتٍ تبغى التعدى عليها. مصرُ تدخلُ التاريخَ من بابٍ واسعٍ، بأحدثِ وسائلِ العصرِ، بتكنولوجيا الإنترنت، بالاتصالاتِ، اخترَقَت حوائطَ سجونِ المنعِ والحَجبِ؛ عالمُ اليومِ بلا حدودٍ، الفكرُ لا جنسيةَ له ولا دين، هذا ما حَرَك ثورةِ مصر. قَدَرُ مصر أن تكتبَ التاريخَ، لتستمِر مصر فى كتابةِ تاريخٍ سيُدَرَسُ بعد أن تصورَ الجميعُ أن تاريخَها انتهى عند ماضيها.

حفِظَ الله مصرَ من أية ديكتاتورية، تحت أى مسمى،،

الاثنين، 7 فبراير 2011

كلنا عملاءٌ ...


عميل، خائن، مصطلحاتٌ شائعةٌ منذ عقودٍ، اِنقرَضَت مفرداتٌ وتغيرَت اللغةُ، وماتزال تلك المصطلحاتُ الأثريةُ صامدةً. ليست مجردُ مصطلحاتٍ لكنها تعبيرٌ عن إتجاهٍ مُسيطرٍ فى الفكرِ، رفضُ الاختلافِ ومحاربتُه بكلِ وسيلةٍ، احتكارُ الصوابِ والحقيقةِ والفهمِ والمعرفةِ. المشهدُ المصرى الحزينُ تائهٌ بين ميدان التحرير وجامع مصطفى محمود والبعيدين عنهما وهم كُثرٌ لكن بأسفٍ لا يُسمعون.

 

بدأت مظاهراتُ ميدانِ التحرير بهدفِ العدالة والديمقراطية وانتهت بشعاراتٍ أوسع، لكنها فى صَخبِها تصورَت أنها وحدُها، استمرأ متحدثوها، من كل تيارٍ ولونٍ، ضعفَ النظامِ وقلةَ حيلتِه فانكروا ما حلَ بمصر من خراب قد لا تَشفى منه، غَفَلوا أن هناك من تضرروا من قطعِ الأرزاقِ ووقفِ الحالِ، نَسوا الديمقراطيةَ التى لا تزالُ شعارتُها فى أياديهم، اتهموا من خالفَهم فى الفيسبوك وتويتر وفى أى إعلام بأنهم من أدواتِ النظامِ وأنهم مجردُ مندسون!! بمنتهى البساطة احتكروا لأنفسِهم حريةَ الرأى وسلبوها غيرَهم، كيف يؤتمنُ إذن من يطالبُ بثورةٍ عليها؟ كيف يمكن تصورُ أن تؤول إليهم سُلطةٌ وهم يفرضون ديكتاتوريةَ الضوضاءِ؟!
 


اتهاماتُ العمالةِ أطلقَها النظامُ أيضاً على المُقيمين بميدان التحرير، هى لُغتُه ما من جديدٍ، لكن من الضرورى أن يَتحاشاها من يطلبُ إصلاحاً وإلا ما تغيرَ الحالُ، ستتوالى السلسلةُ الناريةُ من استقرارٍ وهمىٍ ثم فَورةٍ مُدمرةٍ، سلسلةٌ لن تُبقى والعياذ بالله على بلدٍ ودولةٍ. التغييرُ لا يكونُ بتكرارِ أخطاءِ الماضى إنما بالإتعاظِ والتدَبُرِ، بفهمِ حقيقةِ الاختلافِ، فى الرأى والعقيدةِ والدينِ والمذهبِ واللون، بإدراكِ أن للكلِ حقوقاً متساويةً، فإذا كان هناك من يرفضون النظامَ فهو حقُهم، وإذا كان هناك من يحزنون على ما آلت إليه مصرُهم فهو حقُهم، وإذا كان هناك من يؤيدون النظامَ الحالى فهو أيضاً حَقُهم.

 


الثوراتُ تأكلُ شعوبَها، حقيقةٌ قبل أن يُدَونَ التاريخُ، قبل أن يُدْرَسُ، قبل أن تَستقرَ مفاهيمُ حقوقِ الإنسانِ، الآن التاريخُ كتابٌ مفتوحٌ، المتعلمون والمثقفون يتصدرون التغييرَ، من المفترضِ أنهم قد فهموا دروسَ الماضى، تعَلَموا من التاريخِ واتعظوا من حاضرٍ حولهم فى الصومال ولبنان والعراق، بالماضى والحاضرِ عليهم أن يحافظوا على المستقبلِ، لا يهدمون، لا ينسفون، لا يكررون أخطاءَ نظامٍ رفضوه، وأولُها الاعترافُ بالآخرين، بالمخالفين.

 

إذا كان من فى ميدان التحرير عملاءً، وإذا كان المؤيدون للنظامِ عملاءً، وإذا كان الحزانى على مصرِهم عملاءً، فنحن جميعاً شعبٌ من العملاءِ والخونةِ، ثمانون مليوناً من العملاءِ، كان الله فى عونِك يا مصر،،



السبت، 5 فبراير 2011

لا تَكسِروا أُنوفَهم ...

اِنتفاضةُ الثلاثاء 25 يناير مَرَت بسلام لكنها اِنقَلَبَت بغَمٍ يوم الأربعاء وصولاً ليوم الجمعة، حيث أدَت الاشتباكاتُ التى جَرَت بين المتظاهرين والشرطةِ إلى خروجِ الشرطةِ تماماً من الساحةِ، خروجٌ يبدو طبيعياً نتيجة لتصادمِ الشرطةِ مع شعبٍ كبير العدد، لكنه من المؤكدِ مُدَبَرٌ حتى يتمُ القضاءُ على جهازِ الشرطةِ بغَرَضِ فرضِ واقعٍ على الأرضِ تَختفى فيه سلطةُ الدولةِ. الشارعُ المصرى أصبحَ مُباحاً لتيارٍ دينى يريدُ أن يُضبَغَُ المجتمعُ بما يراه لازماً لدولةٍ لا بدَ من فرضِها بالقوةِ، هناك مخالفاتٌ فى البناءِ والمنشآت والمقاهى والورش والعشوائيات يَبغى كلُ انتهازىٌ إعمالَها فى لحظةِ انعدامِ الأمنِ. تحَولَ المجتمعَ المصرى إلى البدائيةِ القانونيةِ وأصبحَت الأسلحةُ البيضاءُ وسيلةَ الحوارِ والإقناعِ بدلاً من المنطقِ والنقاشِ.



الشرطةُ المصريةُ فقدَت الأقسامَ ومديرياتِ الأمنِ وكثيراً من السجونِ بحيث لم يعدْ لها نقاطُ تمركزٍ، وخسرَت أيضاً هيبتَها وسطوتَها بحيث اِنعَدَمَت قدرتُها على الحركة الفعالةِ فى الشارعِ المصرى. ارتبَطت الشرطةُ بالقمعِ واستغلالِ النفوذِ والفسادِ وحمايةِ النظامِ لا المواطن وهو ما أخفى جهوداً كثيرةً بذلَتها وأحَسَ بها المواطنُ المصرى لما غابَت. المجتمعاتُ الحديثةُ لا تعيشُ بدون شرطةً تحميها، وهو ما عادَ بالمجتمعِ المصرى لحالةٍ تقتربُ من المأساةِ الصومالية وكذلك اللبنانية فى أوقاتِ الصراعاتِ. الشرطةُ تحفظُ مفهومَ الدولةِ على الأرضِ وهى رمزُها وهو ما لا يريده فى المقامِ الأولِ تيارٌ دينى لا يرتضى إلا أجندَته ومافيا مصالحٍ لا تزدهرُ إلا مع الفوضى.



من الضرورى فى المرحلةِ الحاليةِ أن تقفَ الشرطةُ المصريةُ على قدميها وأن تتعافى فى أسرعِ وقتٍ من كَسرٍ أصابَ يدَها اليمنى ورجلَها اليسرى بحيث لم تعدْ قادرةً على التَعَكُزِ والسيرِ ولو جزئياً، من الضرورى أن يُعادَ تأهيلُها نفسياً من شرخٍ عظيمٍ ضرَبَها، من الضرورى أن تُطَهرُ فى أسرعِ وقتٍ من قياداتٍ طَغَت أو أخطأت فى هذه الأزمةِ وقبلِها. يستحيلُ تحميلُ القواتِ المسلحةِ عبءَ الأمنِ الداخلى والخارجى، ما لهذا أُنشئت، من الضرورى معرفةُ أبعادِ مؤامرةٍ خُطِطَت بعنايةٍ لمهاجمةِ سجونٍ وتحريرِ مساجينٍ وتهريبِهم عبرَ مسالكٍ ودروبٍ وأنفاقٍ مُحددة مُسبقاً.



نظريةُ المؤامرةِ حيلةُ العاجزِ، لكنها فى هذه الأزمةِ مؤكدةٌ، اِستُبيحَت مصر، أرضاً وحدوداً، ووضحَ تماماً أعداؤها الذين إدعوا دوماً أنهم أشقاءٌ، تأكدَت أجندةُ المذهبياتِ الدينيةِ على حسابِ الوطنِ والجنسيةِ. النظامُ المصرى أخطأ لما تجاهلَ دعواتِ التغييرِ وانغلَقَ على نفسِه بينما الدنيا حولَه فى فورانٍ شديدٍ، وها هى النتيجةُ المنطقيةُ، لكنها مع كلِ الحزنِ مأساويةٌ قد تخسرُ فيها مصرُ أرضاً طالما قاتلَت من أجلِها وتفقدُ فيها استقراراً نسبياً غدا بعيداً فى المستقبلِ المنظورِ.



لا بدَ أن تعودَ الشرطةُ، لا تجلدوها، لا تلقوا الطينَ عليها، هى منكم، لا تكسروا أنفها،،



الجمعة، 4 فبراير 2011

كل من هَبَ ودَبَ يا مصر!!

مشهدُ الانتفاضةِ فى مصر أصبحَ مزدحماً، إناسٌ تدخل وإناسٌ تخرج، عالمٌ تصيحُ وعالمٌ تصرخُ، بشرٌ فى الشوارع وأضعافُهم فى البيوت، شعاراتٌ من كل شكل، لافتات حمراء وخضراء وصفراء، بهلوانات بالمُخَطَط بالطول والمُخَطَط بالعرض، فوضى بأكثر من معنى الكلمة، الآراء تَضارَبَت، لا أحد يسمعُ سوى نفسَه، من ضرَبَ من؟ من قتلَ من؟ أنضحك؟ أنبكى؟ ما من إجابة!!



الفضائياتُ جَعلَت من شاشاتِها مُحَرِكاً للمشهد فى مصر، جَلَبت من لم نكن نعرفهم أو نسمعهم أو من طالما تجاهلناهم ونَفَرْنا منهم، كثيرون أصبحوا أبطالاً ومُحللين ومُعلقين، بوضع اليد!! إيه الحكاية؟! يأتون من الخارج لينصبوا أنفسَهم قادة، يحتلون الإنترنت من خارج مصر ليصورا أنفسهم نشطاء، فضائياتٌ تُحرِضُ بكل قوة، جماعاتٌ من الظلامِ آتت لتنقَضَ على ما ليس لها فيه من فضلٍ، أنظمةٌ قمعيةٌ قهرَت شوارعَها بالجيشِ وبالشعاراتِ المذهبيةِ لا تخجلُ من تحريضِ الشارعِ فى مصر، حتى من ينادون بالحرية فى الشارعِ يرفضون آراءَ غيرِهم، يتضاربون بالطوبِ وبالاتهاماتِ وبالسِبابِ!!



إيه الحكاية؟ الدنيا فى مصر شُلَت، لمصلحةِ من الخراب ووَقف الحال؟ أهو هدفٌ فى حدِ ذاته لتنقض خفافيش الظلام على مصر؟ أين العقل؟ هل يَحكُمُ الشارعُ مصر؟ هل تُحركُه الفضائياتُ وتُحدِدُ اتجاهاتِه؟ هل تُسَيرُه؟ لماذا غَفَلَت الإنترنت عن التعدديةِ التى تُميزها؟ لماذا أصبَحَت أحاديةَ النظرَ؟ هل أصبحَ الهدوءُ عورةً؟ هل غدا التزامُ المنازلِ سبباً للتجاهلِ؟ هل ضاعَت الحقيقةُ؟ كلُهم يتحركون وكأنهم على المسرحِ وحدِهم. النظامُ عملياً انتهى، ما تبقى إلا شكلُه، كل ما فى الساحةِ الآن لا يعبرُ إلا عن مصالحٍ خاصةٍ، لجماعاتٍ وأحزابٍ وأشخاصٍ ما تُريدُها إلا فوضى.



هل أصبَحَت مصر ملطشة الكلِ؟ لمن الكلمة فى مصر الآن؟ للشارع؟ للجالسين فى بيوتهم؟ للفضائيات؟ للإنترنت؟ لراكبى الموجة من رافعى الشعارات الدينية والسياسية؟ المشهدُ امتلأ بالكومبارس الذين صوروا أنفسهم أبطالاً، مسرحيةٌ باخَت، وعجبى وأسفى وحزنى،،



الأربعاء، 2 فبراير 2011

آوان التعقل ...

بعد صبرٍ طالَ هَبَ الشارعُ المصرى احتجاجاً على تدهورِ الأحوالِ، مظالمٌ حقيقيةٌ رُفِعَت لافتاتُها وعَلَت صرخاتُها. أخيراً، استجابَ الرئيسُ مبارك، تفاوتت ردودِ الأفعالِ ما بين رفضٍ وتشككٍ وقبولٍ. انتفاضةٌ مصريةٌ بدأت على الإنترنت واِمتدَت نداءتُها إلى الشارعِ، لم تُعرَفْ لها قيادةٌ واضحةٌ وصَعُبَ التحاورُ معها، فى ذاتِ الوقتِ ركبَت موجتَها تياراتٌ معارضةٌ تبارَت قياداتُها فى ظهورٍ على الشاشاتِ طالما تمنوه واشتاقوا له. شُلَت الحياةُ فى مصر، عَمَت الفوضى، اِزدادَت معاناةُ المرضى، قَلَ الطعامُ، تضاءلَت السيولةُ الماليةُ فى الجيوبِ، حالٌ يستحيلُ استمرارُه. بعد خطابِ الرئيسِ لا بدَ أن يهدأَ الإيقاعُ، أن ننظرُ جميعاً فى كل الاتجاهاتِ، أن نرى ونتدبرَ، لست من أعضاءِ أى حزبٍ، أنا مواطنٌ مصرىٌ، وهو الأهم، أكره التخبطَ والفوضى والضبابيةَ وانتهازيى المعاناة.



الإنترنت عالمٌ قائمٌ بذاتِه، له أولوياتُه واهتماماتُه وقضاياه، لكنه عالمٌ يستحوذُ على أثنين مليار مستخدم وهم 30%من تعدادِ سكانِ الكرةِ الأرضيةِ، بينما يبلغُ عددُهم فى مصر 17 مليوناً بنسبة 21%. شبكة الإنترنت أصبحَت مهيمنةٌ على الاتجاهاتِ الفكريةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ بصورةٍ يستحيلُ تجاهلُها وانكارُها. وقد أصبحَت شبكاتُ التواصلُ الاجتماعى مثل فيسبوك تضمُ 450 مليون مشتركٌ على مستوى الكرة الأرضيةِ من ضمنهم 3,5 مليون مصرى وهو ما يجعلُ تأثيرُها شديدُ الأهميةِ. الإنترنت لغةُ عصرٍ، لا هى مفسدةٌ ولا مضيعةٌ للوقتِ، وهو ما روجَت له كثيراً شعاراتُ الإنغلاقُ التى سرعان ما ركبَت موجة انتفاضة مصر ورحَبَت به نفاقاً واسترزاقاً حتى لا يستمرُ تأخرُها عن الزمانِ.



كثيرون من المعارضين للنظامِ فى مصر جاءوا من الخارجِ، بحسنِ نيةٍ أو بدونِه، لكنهم معروفون بالإسمِ، لذا من السهلِ التعرفِ على دوافعِهم ونواياهم، لكن ما يجبُ أن نتنبه له أن الإنترنت عالمٌ لا أرضَ له ولا جنسية ولا دين، وأن من يتخفون تحته أخطرُ من المعارضين الذين نعرفهم. وما يلفتُ النظرَ ويجبُ أن نراه بمنتهى الوضوح أن من يصنفون أنفسَهم نَشِطوا انترنت مقيمون خارج مصر يتلهفون على الفضائيات الأجنبية بقدرِ تلهفِها عليهم. على كلِ من يقيمُ فى ميدان التحرير وفى أى ميدانٍ آخر أن يقفَ ويفهمَ ويتحَسبَ لخطواتِه وألا يصيحَ إلا بما يشعرُ لا بما يشعرُ به آخرون، وألا يتحرك إلا فى إطارِ مصلحةِ بلدٍ كبيرٍ عليه إلتزاماتٌ محليةٌ ودوليةٌ.



وختاماً، إذا كان الشبابُ هم الحركةُ والنشاطُ، فإن العقلَ الأرجحَ موجودُ أيضاً فى غيرِهم، وهم أيضاً بالملايين، لكنهم لا يتظاهرون، لنقفَ إذن ونتعقلَ ويحترمُ بعضُنا بعضاً، كفانا فوضى وميليشيات تبحث لنفسها عن متنفسٍ وشخصيةٍ، كفانا بهلونات سياسة، كفانا افتعال ثورية، كفانا تَشَفٍ،،

المُكابرةُ ...


فى هذه الأزمة لا بدَ أن نتصارحَ، بلا منعٍ ولا حجبٍ، كما جَرَت العادة، لا بدَ أن تكون فى الأزمات التجربةُ والعظةُ. بدايةً، المُكابرةُ، هى الصفةُ الأساسيةُ لنظامِ الحكمِ فى مصر لسنواتٍ طالَت بأكبرِ من المحتملِ بشرياً، سنواتٌ اُغلِقَت فيها كلُ الآذانِ، وانسَدَت خلالَها كلُ وسائلِ النفاذِ لعقلِ القابعين على كراسى السلطةِ بكلِ مستوياتِها، سنواتُ تصورَ فيها الرابضون على مفاتيحِ السلطةِ بالمالِ والنفوذِ أنهم الأذكى والأقوى والأكثرُ فهماً. وهو مع كلِ الأسفِ مُنتَهى القصورِ فى الفهمِ مع غيابٍ مؤكدٍ للتصَوُرِ والقُدرةِ على تحليلِ الأمورِ.



تصورَ القابعون على السلطةِ فى مصر أنهم مبعوثو العنايةِ الإلهيةِ لإنقاذِ مصر، أنكروا شعباً بأكملِه، بمثقفيه وشبابِه وكادحيه، انعزلوا داخلَ أنفسِهم لدرجةِ العجزِ التامِ عن رُؤية دنيا من حولِهم تفورُ باستمرارِ وهم فى دواخلِهم قابعون، أنكروا أن الشعبَ كَرِهَهم وفقدَ أى أملٍ فيهم وأن الفورانَ آتٍ لا محالةً وأن لصبرٍ طالَ حدودٌ يستحيلُ بعدَها أى تحَمُلٍ. خرَجَت الأمورُ عن سيطرتِهم قبل انتفاضةِ الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير، بفعلِ التزويرِ، تزويرُ رغباتِ الشعبِ قبل تزويرِ الانتخاباتِ. تصوَرَ القابعون فى السلطةِ أن قوتَهم فى تعيينِ المنافقين والإمعاتِ فى كلِ مكانٍ، خابَ ظنُهم وازادَدَ انعزالُهم وترسَخَت فى شعبٍ يئسَ منهم أعلى درجاتِ الكراهيةِ والنفورِ.
سياساتٌ خاطئةٌ فى كلِ المجالاتِ وجدَت من يدافعُ عنها كذباً، جامعاتٌ خاصةٌ أفسَدَت مفهومَ التعليمِ فى مصر، جودةٌ كاذبةٌ استنفذَت جَهداً ومالاً فقط لشغلِ العقولِ، مُمتلكاتٌ عامةٌ بأبخسِ الأسعارِ بيعَت، أراضِ الدولةِ وُزِعَت على المقربين من أهلِ المالِ، قوانينٌ سيئةٌ سُنَت لمصالحٍ ضَيقةٍ، شخصياتٌ مكروهةٌ عُينَت فى مراكزٍ حيويةٍ، فسادٌ استشرى وتُرِكَ له الحبلِ على الغاربِ. الإعلامُ غابَت عنه المصالحُ العامةُ واقتَصَرَ على ما يُرَوجُ لمن قبعَ فى السلطةِ ويبعدُ عنه ما يُعكرُ مزاجَه، غَيَبَ عنه تماماً صورةَ مجتمعٍ يغلى بكافةِ طوائفِه.



نظامُ حكمِ مصر تَخيلَ أنه سيحكمُ بالإعلامِ الخادعِ وبالعصا الغليظةِ وبالمنافقين والإمعاتِ، لكن انتفاضةَ الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير أثبتَت أن الشعبَ إذا أرادَ يوماً الحياة لا بدَ أن ينحنى القدَرَ. ما يحدثُ فى مصر الآن كان متوقعاً إلا فى دائرةِ من حَكَمَ بمَعزلٍ عن الشعبِ، بفعلِه، بسوءِ اختيارتِه وسياساتِه، حتى لما خرَجَت الأمورُ عن السيطرةِ يوم الجمعة الثامن والعشرين من يناير اقتصَرَ تصورُ الحلِ على إقالةِ حكومةٍ طالَت الشكوى منها ومن سياساتِها المُستفزِةِ المُتعاليةِ، حكومةٌ اِختيرَت عمداً لأنها بلا حولٍ ولا قوةٍ ولا فكرٍ، ما لها إلا مُجَرَدُ تعالٍ أجوفٍ. وإذا كان الحلُ فى تغييرِ الحكومةِ فماذا عن ما اقتَرَفَت من خطايا ومن عينَت من فاشلين فى مختلفِ المؤسساتِ والجامعاتِ والصحفِ؟ ماذا عن مجلسى الشعبِ والشورى وقد شُكِلا بعيداً عن الحكومةِ؟ وماذا عن حكومةٍ جديدةٍ تضمُ نفسَ الوجوه الكريهة؟



ما وصَلَت إليه مصر الآن نتيجةٌ حتميةٌ لحكمِ المكابرةِ، لا بدَ أن نتعلمَ الحوارَ فى صحفِ الحكومةِ، وفى كلِ مكانٍ، هل نتعظُ؟ هل نفتحُ؟ مع أسفى وحزنى،،

الاثنين، 24 يناير 2011

ماذا جري للأسكندرية؟!

بدأ محافظ الأسكندرية عمله مشدودأ، حققَ الانضباط في الأسواقِ والشوارعِ، تصدي لمخالفاتِ البناء. لكن، يبدو أنه تعبِ وأصبحت الفوضي والعشوائية أكبر من سيطرتِه بتحالفاتٍ مؤكدة مع الأحياء وشرطة المرافق وسكوت عن أيادى الظلام.


 

لنبدأ من شوارع سعد زغلول وصفية زغلول والسلطان حسين، أهم شوارع وسط البلد، فقد تحولت إلي أبعاديات للباعة الجائلين، المشاه انسدَت أمامهم الأرصفة ولم يعدْ مسموحاً إلا السير في عرض الطريق، مع السيارت!! طبعاً الإبراهيمية تعرضت لذات الاحتلال.


 

محطات ترام محطة الرمل والإبراهيمية وبولكلي تم تأجيرها لبعض الباعة ومن منطق التناكة والنطوعية استولوا علي المحطات بالكامل وحَرَموا الركاب التند التي تقيهم الشمس اللاسعة والأمطار ومنعوا عنهم الدكك التي تريحهم، ثم وسعوا غزوتهم من بيع الصحف إلي نشر شرائط الوعظ الذي يحض علي الكراهية عيني عينك، هذا مع بيع الطرح والجلاليب والبخور. من حَرَك هؤلاء الباعة ومولهم بما يتجاوز امكاناتهم؟!

 

أما عن الميكروفونات الممتدة من المساجد والزوايا غير المرئية فقد تجاوز أمرها حدود الآذان معقول الصوت إلي الاستفزاز والتحدي المتعمد، فمثلاً في المنطقة بين رشدي وبولكلي يتحول وقت الصلاة إلي خناقة ميكروفونات صادمة للسكينة ولخصوصية نفوسٍ تنشدُ الراحة في بيوتِها. حتي صلاة التراويح فى رمضان مدوا لها علي محطة ترام بولكلي أحد مكبرات الدي جي!! أما إغلاق الشوارعِ، ولو كانت رئيسية، فى أوقاتِ الصلاةِ فتعدى حدودِ المعقولِ وما عادَ قاصراً على صلاة الجمعة وما استثنى منطقةً بدءاً من وسط البلد حيث المنشية وصولاً إلى منطقة الرمل بعد سيدى جابر.
 
مناديو السيارات لهم صولاتهم وغزواتهم على أراضى الدولة ولما كانت الأسكندرية موضوعنا فلنر كيف احتلوا كل وسط البلد وفرضوا ما يريدون من عشوائية وإتاوات، وبالمرة المنطقة بين بولكلى ورشدى حيث لَبَدَ أحدُهم أمام محل أحذية مُضيقاً طريقاً أصلاً مختنقاً بسياراتٍ يركنها فى دولته، أقصد منطقة نفوذِه بوضعِ اليدِ.

 

الأسواق مثل الإبراهيمية وكليوباترا انتظمت لوهلة وعادَِت لما اعتادَته من اعتداءٍ على حَرَمِ الطريقِ، أما سوق رشدى فقد منعت مافيا السوق بعض الباعة من فرشِ عشوائياتهم ففرشوها خارجه، على الطريقِ العام، أمام دورة مياه عمومية.

 
هل انهدَ حيلُ المحافظ، ممثل الدولة، أمام هذا الكم من الانفلاتات المتعمدة المتجاوِزةِ؟! هل لم يجدْ المُساندةَ؟ هل خرجَت الأسكندرية عن طوعِ الدولةِ؟ هل تنفصلُ؟! لمصلحة من؟!