الجمعة، 25 فبراير 2011

لنا وعلينا ... فى الجامعاتِ

الجو فى مصر مُلبدٌ بالزعابيبِ والرياحِ والتقلباتِ، ليس بسبب أمشير، إنما من كثرةِ الوقفاتِ الاحتجاجيةِ والتجمعاتِ المُطالبةِ بما يُرى أنه تحسينٌ لأجواءِ العملِ. لا اعتراضَ على أيةِ مطالبٍ تُقللُ من التفاوتِ الشديدِ بين الدخولِ فى نفسِ مكانِ العملِ على الرغمِ من التساوى فى المؤهلِ، وأيضاً وهو المهم فى الكفاءةِ. وإذا كان من الضرورى التروى حتى تهدأُ الأوضاعُ بعد توقفٍ طالَ ويبدأُ الاقتصادُ فى شدِ مصر الدولة حتى تقفُ لمكانةٍ هى بها جديرةٌ، فإنه من الواجبِ أيضاً التجردُ عند أية مطالباتٍ ماليةٍ أو غيرِها. وإذا كان الشبابُ قد غيروا وجهَ مصر اعتباراُ من الخامسِ والعشرين من يناير واستمروا على عطائهم حتى هذه اللحظةِ بتجميلِ الشوارعَ فإن اللافتَ للانتباهِ من يستغلون فترةَ الفورةِ بما لا يتلاءمَ وجلالها.

لن أتعرضَ للانفلاتِ الأمنى والبلطجةِ وتعطيلِ العملِ، لكنى سأعرضُ وجهةَ نظرى الشخصيةِ فى بعضِ ما يُطلَبُ فى الجامعاتِ، بعد أن دخلَت الأسلاكُ بعضُها فى بعضٍ وبدا التباينُ واضحاً وكذلك التعارضُ فى المصالحِ والمرامى، بدايةً من المُطالباتِ الماليةِ إلى الدعوةِ لانتخاباتِ رؤساءِ الجامعاتِ وعمداءِ ووكلاءِ الكلياتِ وصولاً لرؤساءِ الأقسامِ. الغريبُ أن هناك من طلبوا برفعِ مرتبِ أستاذ الجامعةِ فى جامعاتِ الحكومةِ إلى أربعة وعشرين ألف جنيه شهرياً، رقمٌ لا يُسمعُ عنه أصلاً فى الجامعاتِ الخاصةِ!! كيف يُقبلُ من أساتذةِ الجامعاتِ أن تُنسبَ لهم مطالباتٌ كتلك فى زمنٍ تشحُ فيه مواردُ الدولةِ ويقلُ متوسط الدخلُ السنوى فيها عن ثلاثة ألاف جنيه؟

 
أما ما يُطالبُ به من انتخاباتٍ للإداراتِ الجامعيةِ فإنى أراهُ كلمةَ حقٍ لا يُرادُ بها حقٌ، فجميعُ جامعاتِ العالمِ لا تعرفُ إلا التعيينَ بمعرفةِ لجانٍ متخصصةٍ تنأى بهذه المناصبِ عن السياسةِ وعن الانتماءاتِ المذهبيةِ. الانتخاباتُ كما عرفَها عالمُ السياسةِ هى وسيلةٌ لتداولِ السلطةِ، أما فى عالمِ الإدارةِ فكيف يُديرُ من يُدينُ بكرسيه لمن انتخبوه؟ كيف سيُحاسِبُ مُخطئيهم ومُنفلتيهم؟! لستُ من أهلِ السياسةِ ولا كنت فى الحزبِ الوطنى وما أكثرُ ما كَتَبتُ عن أوضاعٍ خاطئةٍ دفعتُ ثمنَها استبعاداتٍ بلا أخرِ، لكن الحقَ أحقُ أن يُتبَعَ حتى لو علا الضجيجُ. كيف يُمكن انتخابُ رئيسِ الجامعةِ وأعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ يكادُ يعرفُ بعضُهم بعضاً؟! أما انتخاباتُ العمادةِ فلم تكن معروفةٌ فى الجامعاتِ لفترةٍ طويلةٍ وأُلغيَت فى ظروفٍ غامضةٍ بفعلِ ترزيةِ القوانين، لكن من الممكنِ الوصولُ إلى صيغةٍ متوسطةٍ تُحققُ التوائمَ بين حقِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ فى اختيارِ من يمثلُهم وحقُ جهةِ الإدارةِ فى من تتعاملُ معه. أما وقد وصلنا لانتخاباتِ رؤساءِ الأقسامِ، فهى واقعاً غيرُ عمليةٍ لقلةِ عددِ الأساتذةِ بالأقسامِ ولما تُخَلِفه انتخاباتُ كتلك من حَزازاتٍ وحساسياتٍ تنعكسُ سلباً على العملِ. وإذا كانت الممارساتُ الفَظَةُ والفَجةُ للجنةِ السياساتِ بالحزبِ الوطنى قد وضَعَت، فى العامين الأخيرين تحديداً، أعضاءً منها فوق كلِ الكراسى الجامعيةِ، فإنه من الضرورى أن يكونَ قانونُ الجامعاتِ مانعاً لأوضاعٍ كتلك لا موجداً لأخطاءٍ جديدةٍ. الغريبُ أن من يطالبون بالانتخاباتِ فى الكراسى الجامعيةِ قضوا صامتين ساكنين بالخليج سنواتٍ حيث لا انتخاباتَ ولا غيره!!

لم يَتَعرضْ أساتذةُ الجامعاتِ المطالبون لواجبِهم فى التواجدِ الحقيقى بكلياتِهم وهم يقيناً يعلمون أنهم أو كثيرٌ منهم يعملون معظم الوقتِ فى شركاتٍ ومكاتبٍ استشاريةٍ قضَت تماماً على التزامِهم الوظيفى لدرجةِ أن وصلَ الأمرُ بهم إلى التفضلِ على العملِ وفرضِ سلوكياتٍ غيرِ جامعيةٍ مَرفوضةٍ مَمجوجةٍ.

طلبةُ أساتذةِ الجامعاتِ كانوا قدوةً من الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، ليتَ أساتذةُ الجامعاتِ منهم يتعلمون. الكلام  مع الزحمة سهل، الكلام بهدوء صعب وثقيل بس لازم ومفيش زعل،،

Twitter: @albahary

الخميس، 17 فبراير 2011

كلُ هذه الفوضى فى مصر؟

أعلنَ الرئيسُ حسنى مبارك تنحيَه فى السابعة من مساء يوم الجمعة الموافق 11 فبراير 2011، صفحةٌ طُوِيَت وفُتِحَت أخرى جديدة تماماً بدأت بالأفراحِ والصياحِ فى كلِ شارعِ من كلِ مدينةٍ، وفى حينه اِنطلَقَ سيلٌ منهمرٌ من كلِ أنواعِ المخالفاتِ والتجاوزاتِ والانتهاكاتِ، عيبٌ وعيبٌ وألفُ عيبٍ، لمن يقدرُ معنى العيب.

هل يُعقلُ أن يتواكبَ ميلادُ مصرِ جديدةٍ مع عشرات الآلاف من التعدياتِ على الأراضى الزراعيةِ تبويراً وبناءاً فى الممنوعِ؟! من أين يأكلُ ثمانون مليوناً بعد أن تحوَلَت تلك الأراضى إلى عشوائياتِ بناءٍ؟! الأدهى أنهم بمنتهى الجرأة يقفون طوابيراً لتوصيل الكهرباء والمياه؟! أضفُ إلى ذلك الارتفاعُ غيرُ المسموحِ به فى المدنِ والتعدى على الشوارع بامتداداتٍ لا تمُتُ للعمارةِ ولا للذوقِ بأيةِ صلةٍ.

المقاهى ومحالُ العصيرِ والملابسِ ومعارضُ السياراتِ أُقيمَت فى الطوابقِ الأولى من العقاراتِ، لننظرُ فى شارعِ حسن المأمون بمدينة نصر كى نتعلمُ ونفهمُ معنى التحَسُرِ والأسى والحزنِ على اِنفلاتٍ سلوكىٍ وأخلاقىٍ يستحيلُ أن تكونَ له علاقةٌ بثورةٍ هدفُها الأولُ القضاءُ على الفسادِ.

لنر كيف نُسِيَت كلُ قوانين المرورِ وكيف تسيرُ سياراتُ السيرفيس فى الممنوعِ بدون لوحاتٍ، من يرتدى حزامَ الأمانِ الآن؟ لنُلق نظرةً كَسيرةً على شوارعٍ رئيسيةٍ وقد بَرَكت فيها سياراتُ نقلٍ، تبيعُ الفاكهةِ والخضرِ، غيرُ عابئةٍ بتوقفِ المرورِ، شارعُ الطاقةِ بجوارِ النادى الأهلى بمدينة نصر شاهدٌ.

أما عن الاعتصاماتِ والإضراباتِ المُطالِبةِ بالفلوسِ، على بلاطة كده، ألآ يوجدُ تعبيرٌ أكثرُ عِفةٍ عن تلك المطالبِ الحقيقيةِ؟! هل من يقفون مُتَصورين فى أنفسِهم قدرةً على مكافحةِ الفسادِ والمُفسدين فى أماكِنِ عملِهم، قد غَفِلوا أنهم أيضاً يَضُرون بلداً عليه يعيشون وأنهم قد يخسرونه إلى الأبدِ بأفعالِهم تلك؟! هل يقفون فى إضراباتٍ واعتصاماتٍ وينتظرون راتباً آخر الشهرِ؟! بأى منطقٍ، إلا البلطجةِ والبجاحةِ، بصراحة كدة. المطالبةُ برفعِ مستوى المعيشةِ حقٌ مؤكدٌ، لكن الخوفُ على هذا البلدِ أيضاً واجبٌ. كلُ واحد أضرَبَ فى مصر، ولو كان عايز يهرش أو يدخلُ الحمامِ أو يختم شهادة مضروبة!! وأيضاً كلُ مكانٍ، البنوكُ، شركاتُ النقلِ العامِ، شركاتُ الغزلِ، شركات البترولِ، السككُ الحديديةُ، الشرطةُ، لم يتبق إلا الجيش!!

الانفلاتُ سادَ وأصبحَت السرقةُ والبلطجةُ عينى عينك، هو فى إيه؟! تقفيلُ شوارعٍ وحصارُها لسرقةِ المحالِ، بلطجيةٌ يحتلون شوارعاً فى صورةِ باعةٍ جائلين، محالٌ تدَعى عدمَ وجودِ فكةٍ لتصريفِ سلعٍ مضروبةٍ، احتلالُ شققٍ سكنيةٍ ومدنٍ جامعيةٍ والإقامةُ فيها!! فرصةٌ للتهليبِ الأعظم، أقول إيه وإيه وإيه؟! فى سيناء حُرِقَت المدارسُ، بعد أن حرقوا مراكزَ الشرطةِ، مش فاهم، حتى التعليم رفضوه؟!!

هل سيحتاجُ المُقيمون على أرضِ مصرِ إلى إعادةِ تأهيلٍ إذا قُدِرَ لها أن تقفَ على قدميها مرةً أخرى؟! هل أهلُ تونس أحسن منا؟! هل شعبُ مصر لا يسيرُ إلا بالعصى؟! أهو انتحارٌ جماعىٌ؟ أهو غيابٌ عن الوعى لشعبٍ بأكملِه؟ كلام ثقيل، لكن النكبةَ أكبرُ، مصيبة وألف مصيبة. هل تعودُ مصرُ لعصرِ ما قبلِ التاريخ الحديث؟! هل ستولدُ مصرٌ جديدةٌ كما كنا نتمنى ونأملُ؟ ألله أعلَم.


Twitter: @albahary

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

To Prevent Egypt from the Hellish Circle

President Hosni Mubarak stepped down at 7 pm of Friday, February 11, 2011. A page is turned over, another one is opened on a totally new regime, a regime expected from the unseen. Hope all hope, that Egypt emerges anew, powerful, holding over the future where there is no place for the weak, divided and hatred driven. Future Egypt must know the differences in religion, sect, gender, opinion, it should be a melting pot for everyone, without conflicts, suspicions and accusations.

Hoped Egypt is no place for dictatorship, autocracy dictatorship, ruling family dictatorship, inflamed slogans dictatorship; dictatorships that carry the causes of their crash in time of their establishment; dictatorships are outdated and replaced by nowadays modern democracies that ensure the devolution of power after free and fair elections. Democracies where accountable rulers have specific power for limited duration, parliaments truly represent the people and only speak on his behalf.

Desired Egypt should not be built upon classes where exceptions from law under immunity, any immunity, bar a citizen from exercising his rights in face of an immunity protected being. It is not acceptable in modern Egypt to imprison a citizen after a road incident with an immunity shielded individual. Immunity as manifestation of inequality before the law is wiped out from societies that respect human rights and should vanish from should be modern Egypt.

In tomorrow Egypt, corruption is to be forbidden and accountable, making money at the expense of the country is not to be compromised or concealed, no for the corruption of municipalities, no to the abuse of power, no to profiting from public jobs, no to bribes, no to the hiring of relatives and non competent. As Egypt is responsible from the rulers, it should also be from the ruled, they are to be respectful of the laws, no for the slums they enforce, no to damaging fertile lands for constructions, no for building violations, no for parking in the forbidden, no for slowing down at work and lazing on it. With work only will Egypt prevail.

In future Egypt, public service is a mandate, no to those who see it as a means of arrogance and a way to get rich, it is only giving and innovating. Before taking a public job resignation must be ready in case of inability to continue, or in case of dissatisfaction with the announced policy. Public service requires thought, vision and moral courage, it is not docility and abolition of mind.

In Egypt of hope, media is reality, not a regime parrot for policies and personnel, it explains, directs, sees, reveals defects and never justifies errors, it does not incite divisions and hating others, it is diverse, for all colors, intellectuals, big NO for prevention and exclusion.

In Egypt, the progress of science is a value, universities lead and discern, university professors are leaders of thought and approach, they should not be fought or marginalized, they also have the duty to focus on their job without mix with extraneous jobs. In the modern world there is no place for the ruthless and intruder on humanity, for the ignorant and poor and violator of human rights.

The devolution of power is the basis of governance, the key to stability, length of stay on the chair is evil. Egypt has known fictitious stability for thirty years, with the lack of the basis of a modern state it collapsed, it lost a lot, men, money and resources of lands, stores, tourism, investments and antiquities. It is impossible to repeat the hellish circle of false stability, and then collapse after a long or short time. There must be a basis for modern Egypt with a new constitution and laws that apply on everyone, without exceptions or immunities, with a respect for the human being, ethics, science, work and behavior.

After a long troubled patience, Internet has changed Egypt, no turning back, the tools of the future will never stop, will penetrate the walls. God save Egypt from any dictatorship, under any tag, enough lagging behind, divisions and retreat.

Twitter: @albahary

الأحد، 13 فبراير 2011

حتى لا تَسقطُ مصر فى الدائرةُ الجُهنميةُ

أعلنَ الرئيسُ حسنى مبارك تنحيَه فى السابعة من مساء يوم الجمعة الموافق 11 فبراير 2011، صفحةٌ طُوِيَت وفُتِحَت أخرى جديدة تماماً، نظامٌ سَقَطَ ونظامٌ جديدٌ يُرتَجى من الغيبِ. الأملُ كلُ الأملِ أن تقومَ مصرٌ جديدةٌ قويةٌ صامدةٌ بنظامِها عبر مستقبلٍ لا مكانَ فيه للضعفاءِ المُنقَسمين والمُتكارهين، لا بُدَ من مصرٍ تَعرِفُ الاختلافَ فى الدين والمذهبِ والجنسِ والرأىِ، يختلطُ الجميعُ فيها دون أن يتصارعوا ويتنابذوا.

 
مصرُ المأمولةُ لا مكانَ فيها للديكتاتوريةِ، ديكتاتوريةُ حُكمِ الفردِ وأسرتِه، ديكتاتوريةُ الحكمِ باسمِ الدين، ديكتاتوريةِ الحكمِ بالشعاراتِ الملتهبةِ، ديكتاتورياتٌ تحملُ أسبابَ سقوطِها وقتُ قيامِها، ديكتاتورياتٌ تخطاها الزمنُ وحلَت مكانَها ديمقراطياتٌ حديثةٌ تضمنُ تداولَ السلطةِ بعد انتخاباتٍ حرةٍ نزيهةٍ، الحكمُ فيها غيرُ مُنزَهٍ عن المحاسبةِ، مُحَدَدُ السُلطةِ، مَحدودُ المُدةِ، المجالسُ النيابيةُ تمثلُ الشعبَ حقاً، تتحدثُ باسمِه لا باسمِ الحاكمِ.

مصرُ المَرجوةُ لا تقوم على الطبقيةِ، الاستثناءاتُ من القانونِ تحت مُسمَى الحصانةِ، أيةُ حصانةٍ، لا يُقبلُ فى مجتمعٍ سَوى ألا يتمكنُ مواطنٌ من الحصولِ على حقِه لحصانةٍ تحمى من يُواجِهُه، لا يُرتَجى لمجتمعٍ سَوىٍ مستقبلٌ إذا حُبِسَ مواطنٌ إثرَ حادثةِ طريقٍ مع صاحبِ حصانةٍ، أياً كانت. الحضانةُ المانعةُ من المساواةِ أمامَ القانونِ مظهرٌ لا مكانَ له فى الدولِ التى تُصانُ فيها حقوقُ الإنسانِ، طَبقيةٌ ولى زمانُها ويجبُ أن تُمحى من مصر الجديدةِ.

 
فى مصرِ الغدِ الفسادُ ممنوعٌ، مُحاسَبٌ عليه، الارتزاقُ على حسابِ الوطنِ جريمةٌ لا تهاونَ فى مواجهتِها ولا مُدارةَ على مُرتَكبيها، لا لفسادِ المحلياتِ، لا لاستغلالِ السلطةِ، لا للترَبُحِ من الوظيفةِ العامةِ، لا للرشوةِ، لا للواسطةِ. كما أن الوطنَ مسؤؤليةُ الحاكمِ فهو ايضاً أمانةٌ فى عُنُقِ المحكومِ، عليه أن يحترمَ أيضاً القوانينَ، لا للعشوائياتِ، لا للتعدى على أراضى الدولةِ، لا لمُخالفاتِ البناءِ، لا للوقوفِ فى الممنوعِ، لا للتباطؤ فى العملِ والتكاسلُ فيه، بالعملِ وحدِه سوف تَعلو مصر.

 
فى مصرِ المستقبلِ الوظيفةُ العامةُ تَكليفٌ، ليست لمن يَرَونها وسيلةَ تعالٍ أجوفٍ وطريقاً للثراءِ، هى مسؤؤليةٌ بالعطاءِ والإنجازِ، قبل توليها لا بدَ أن تكونَ الاستقالةُ مكتوبةٌ جاهزةٌ فى حالةِ العجزِ عن الاستمرارِ وفى حالةِ عدمِ الاقتناعِ بالسياساتِ. الوظيفةُ العامةُ فكرٌ ورؤيةٌ وشجاعةٌ أدبيةٌ، ليست انقياداً وإلغاءً للعقلِ.

 
فى مصرِ الأملِ الإعلامُ هو الحقيقةُ، ليس بغبغاءً لنظامِ الحكمِ، سياساتُه وأشخاصُه، هو الذى يُوَضِحُ ويُوَجِه ويُبَصرُ، يَكشفُ العيوبَ ولا يُبرِرُ الأخطاءَ، ليس إعلاماً مُتطرفاً يَحُضُ على الفُرقَةِ وكُرهِ الآخرِ، مُتَنوِعٌ، للجميعِ حقٌ متساو فيه، بكلِ ألوانِهم الفكريةِ، لا مَنعَ فيه ولا إقصاءً.
 

فى مصرِ التَقَدُمِ العلمُ قيمةٌ، الجامعاتُ تقودُ وتبحثُ وتُعلمُ، أساتذةُ الجامعاتِ قادةٌ للفكرِ والنَهجِ، لا يُحَارَبون أو يُهَمَشون، لا يَجمَعون مع العملِ فى جامعاتِهم وظيفةً وأكثر، لا يُصَنَفون أعداءً يَجِبُ تَحجيمُهم وإفقارُهم؛ بلا جامعاتٍ لا مكانةَ فى عالمٍ حديثٍ لا يَرحَمُ مُتَطفِلاً على الإنسانيةِ، جاهلاً وفقيراً وديكتاتورياً ومُنتهِكاً لحقوقِ الإنسانِ.



تداولُ السلطةِ أساسُ الحُكمِ، مفتاحُ الاستقرارِ، طولُ البقاءِ على الكرسى مَفَسدةٌ، مصرُ عَرِفَت استقراراً وهمياً لثلاثين عاماً، مع اِنعدامِ مُقَوِماتِ الدولةِ الحديثةِ اِنهارَت، خَسِرَت كثيراً، بشراً وأموالاً وثرواتٍ من أراضٍ بُوِرِت وأثارٍ نُهِبَت. يَستَحيلُ تكرارُ الدائرةِ الجهنميةِ من استقرارٍ زائفٍ ثم اِنهيارٍ بعد فترةٍ طالُت أو قَصُرَت، لا بدَ من وضعِ أساسٍ لمصرِ الجديدةِ بدستورٍ حديثٍ وقوانينٍ تُطَبقُ على الجميعِ، بلا استثناءاتٍ ولا حَصاناتٍ، باحترامٍ للإنسانِ وللأخلاقِ وللعلمِ وللعملِ وللسلوكياتِ.
 
الإنترنت غيرَت مصرَ بعد صبرٍ طالَ، لا عودةَ للوراءِ، أدواتُ المُستقبلِ لن تتوقفُ، تخترقُ الأسوارَ. حفِظَ الله مصرَ من أيةِ ديكتاتوريةٍ، تحت أى مسمى، كَفى تخلفاً وانقساماً وتراجعاً،،

الجمعة، 11 فبراير 2011

مصر الجديدة ...

أعلنَ الرئيسُ حسنى مبارك تنحيَه فى السابعة من مساء يوم الجمعة الموافق 11 فبراير 2011، صفحةٌ طُوِيَت وفُتِحَت أخرى جديدة تماماً بدأت بالأفراحِ والصياحِ فى كلِ شارعِ من كلِ مدينةٍ، الفرَحُ الغامرُ حقٌ بعد طولِ معاناةٍ وحزنٍ وقلقٍ وسهرٍ. ليرقصُ المُحتفلون وللننظرُ إلى المستقبلِ، أشعرُ بالراحةِ لانتهاءِ حالةِ التوترِ الذى حَرَمنى كغيرى النومَ الحقيقى، لكننى أشعرُ فى جزءٍ من فكرى بالتوجسِ، بخوفٍ خفى لم يفصحُ عن هُويتِه، أريدُ أن أتبينَه فى هذه السطورِ.

مصر سَتُحكَمُ من خلالِ مجلسٍ عسكرىٍ، وَضعٌ كان مُتَوقعاً فى أيةِ لحظةٍ، وقد حَدَثَ. على من سيتولون الأمرَ الاتعاظُ من تجاربِ التاريخ، تاريخُ الديمقراطيةِ، كيف تمَ بناؤها، كيف تنشأ الديكتاتوريةُ؟ أية ديكتاتورية، فردية، طبقية، دينية. الديكتاتوريةُ واحدةٌ أياً كان مُسماها، موجودةٌ فى يومنا هذا فى دولٍ كثيرةٍ، صاخبةٌ، عاليةُ الصوتِ، مرفوعةُ الشعاراتِ الزائفةِ الخادعةِ، شعاراتٌ كالنارِ تلتفُ حولها الفراشاتُ حتى تسقطُ فيها محترقةً. الوضعُ وصلَ فى مصر إلى الفوضى، انتشرَ اللصوصُ فى كلِ مكانٍ، بالليل وبالنهارِ، بُوِرَت الأراضى الزراعية ومصرُ جائعةٌ، القصورُ الأثريةُ هّدِمَت لتعلو أبراجاً بلا أصلٍ ولا فصلٍ، حتى من امتهنوا السياسة اختلفوا بكلِ ما فى قوتِهم. اِنتُهِكَت مصرُ من كلِ من هَبَ ودَبَ، تَدَخلَ الكلُ فى شئونِها، أشخاصٌ ودولٌ وفضائياتٌ.

أمام من سيتولون الأمرَ مهاماً جِساماً، استعادةُ النظامِ وإيقافُ الفوضى، بدءُ خطواتِ بناءِ الثقةِ بين المختلفين سياسياً وعقائدياًٍ، إقامةُ مصر الديمقراطية المدنية، الحفاظُ على أراضيها كاملةٍ محميةٍ من أيةِ مؤامراتٍ تبغى التعدى عليها. مصرُ تدخلُ التاريخَ من بابٍ واسعٍ، بأحدثِ وسائلِ العصرِ، بتكنولوجيا الإنترنت، بالاتصالاتِ، اخترَقَت حوائطَ سجونِ المنعِ والحَجبِ؛ عالمُ اليومِ بلا حدودٍ، الفكرُ لا جنسيةَ له ولا دين، هذا ما حَرَك ثورةِ مصر. قَدَرُ مصر أن تكتبَ التاريخَ، لتستمِر مصر فى كتابةِ تاريخٍ سيُدَرَسُ بعد أن تصورَ الجميعُ أن تاريخَها انتهى عند ماضيها.

حفِظَ الله مصرَ من أية ديكتاتورية، تحت أى مسمى،،

الاثنين، 7 فبراير 2011

كلنا عملاءٌ ...


عميل، خائن، مصطلحاتٌ شائعةٌ منذ عقودٍ، اِنقرَضَت مفرداتٌ وتغيرَت اللغةُ، وماتزال تلك المصطلحاتُ الأثريةُ صامدةً. ليست مجردُ مصطلحاتٍ لكنها تعبيرٌ عن إتجاهٍ مُسيطرٍ فى الفكرِ، رفضُ الاختلافِ ومحاربتُه بكلِ وسيلةٍ، احتكارُ الصوابِ والحقيقةِ والفهمِ والمعرفةِ. المشهدُ المصرى الحزينُ تائهٌ بين ميدان التحرير وجامع مصطفى محمود والبعيدين عنهما وهم كُثرٌ لكن بأسفٍ لا يُسمعون.

 

بدأت مظاهراتُ ميدانِ التحرير بهدفِ العدالة والديمقراطية وانتهت بشعاراتٍ أوسع، لكنها فى صَخبِها تصورَت أنها وحدُها، استمرأ متحدثوها، من كل تيارٍ ولونٍ، ضعفَ النظامِ وقلةَ حيلتِه فانكروا ما حلَ بمصر من خراب قد لا تَشفى منه، غَفَلوا أن هناك من تضرروا من قطعِ الأرزاقِ ووقفِ الحالِ، نَسوا الديمقراطيةَ التى لا تزالُ شعارتُها فى أياديهم، اتهموا من خالفَهم فى الفيسبوك وتويتر وفى أى إعلام بأنهم من أدواتِ النظامِ وأنهم مجردُ مندسون!! بمنتهى البساطة احتكروا لأنفسِهم حريةَ الرأى وسلبوها غيرَهم، كيف يؤتمنُ إذن من يطالبُ بثورةٍ عليها؟ كيف يمكن تصورُ أن تؤول إليهم سُلطةٌ وهم يفرضون ديكتاتوريةَ الضوضاءِ؟!
 


اتهاماتُ العمالةِ أطلقَها النظامُ أيضاً على المُقيمين بميدان التحرير، هى لُغتُه ما من جديدٍ، لكن من الضرورى أن يَتحاشاها من يطلبُ إصلاحاً وإلا ما تغيرَ الحالُ، ستتوالى السلسلةُ الناريةُ من استقرارٍ وهمىٍ ثم فَورةٍ مُدمرةٍ، سلسلةٌ لن تُبقى والعياذ بالله على بلدٍ ودولةٍ. التغييرُ لا يكونُ بتكرارِ أخطاءِ الماضى إنما بالإتعاظِ والتدَبُرِ، بفهمِ حقيقةِ الاختلافِ، فى الرأى والعقيدةِ والدينِ والمذهبِ واللون، بإدراكِ أن للكلِ حقوقاً متساويةً، فإذا كان هناك من يرفضون النظامَ فهو حقُهم، وإذا كان هناك من يحزنون على ما آلت إليه مصرُهم فهو حقُهم، وإذا كان هناك من يؤيدون النظامَ الحالى فهو أيضاً حَقُهم.

 


الثوراتُ تأكلُ شعوبَها، حقيقةٌ قبل أن يُدَونَ التاريخُ، قبل أن يُدْرَسُ، قبل أن تَستقرَ مفاهيمُ حقوقِ الإنسانِ، الآن التاريخُ كتابٌ مفتوحٌ، المتعلمون والمثقفون يتصدرون التغييرَ، من المفترضِ أنهم قد فهموا دروسَ الماضى، تعَلَموا من التاريخِ واتعظوا من حاضرٍ حولهم فى الصومال ولبنان والعراق، بالماضى والحاضرِ عليهم أن يحافظوا على المستقبلِ، لا يهدمون، لا ينسفون، لا يكررون أخطاءَ نظامٍ رفضوه، وأولُها الاعترافُ بالآخرين، بالمخالفين.

 

إذا كان من فى ميدان التحرير عملاءً، وإذا كان المؤيدون للنظامِ عملاءً، وإذا كان الحزانى على مصرِهم عملاءً، فنحن جميعاً شعبٌ من العملاءِ والخونةِ، ثمانون مليوناً من العملاءِ، كان الله فى عونِك يا مصر،،



السبت، 5 فبراير 2011

لا تَكسِروا أُنوفَهم ...

اِنتفاضةُ الثلاثاء 25 يناير مَرَت بسلام لكنها اِنقَلَبَت بغَمٍ يوم الأربعاء وصولاً ليوم الجمعة، حيث أدَت الاشتباكاتُ التى جَرَت بين المتظاهرين والشرطةِ إلى خروجِ الشرطةِ تماماً من الساحةِ، خروجٌ يبدو طبيعياً نتيجة لتصادمِ الشرطةِ مع شعبٍ كبير العدد، لكنه من المؤكدِ مُدَبَرٌ حتى يتمُ القضاءُ على جهازِ الشرطةِ بغَرَضِ فرضِ واقعٍ على الأرضِ تَختفى فيه سلطةُ الدولةِ. الشارعُ المصرى أصبحَ مُباحاً لتيارٍ دينى يريدُ أن يُضبَغَُ المجتمعُ بما يراه لازماً لدولةٍ لا بدَ من فرضِها بالقوةِ، هناك مخالفاتٌ فى البناءِ والمنشآت والمقاهى والورش والعشوائيات يَبغى كلُ انتهازىٌ إعمالَها فى لحظةِ انعدامِ الأمنِ. تحَولَ المجتمعَ المصرى إلى البدائيةِ القانونيةِ وأصبحَت الأسلحةُ البيضاءُ وسيلةَ الحوارِ والإقناعِ بدلاً من المنطقِ والنقاشِ.



الشرطةُ المصريةُ فقدَت الأقسامَ ومديرياتِ الأمنِ وكثيراً من السجونِ بحيث لم يعدْ لها نقاطُ تمركزٍ، وخسرَت أيضاً هيبتَها وسطوتَها بحيث اِنعَدَمَت قدرتُها على الحركة الفعالةِ فى الشارعِ المصرى. ارتبَطت الشرطةُ بالقمعِ واستغلالِ النفوذِ والفسادِ وحمايةِ النظامِ لا المواطن وهو ما أخفى جهوداً كثيرةً بذلَتها وأحَسَ بها المواطنُ المصرى لما غابَت. المجتمعاتُ الحديثةُ لا تعيشُ بدون شرطةً تحميها، وهو ما عادَ بالمجتمعِ المصرى لحالةٍ تقتربُ من المأساةِ الصومالية وكذلك اللبنانية فى أوقاتِ الصراعاتِ. الشرطةُ تحفظُ مفهومَ الدولةِ على الأرضِ وهى رمزُها وهو ما لا يريده فى المقامِ الأولِ تيارٌ دينى لا يرتضى إلا أجندَته ومافيا مصالحٍ لا تزدهرُ إلا مع الفوضى.



من الضرورى فى المرحلةِ الحاليةِ أن تقفَ الشرطةُ المصريةُ على قدميها وأن تتعافى فى أسرعِ وقتٍ من كَسرٍ أصابَ يدَها اليمنى ورجلَها اليسرى بحيث لم تعدْ قادرةً على التَعَكُزِ والسيرِ ولو جزئياً، من الضرورى أن يُعادَ تأهيلُها نفسياً من شرخٍ عظيمٍ ضرَبَها، من الضرورى أن تُطَهرُ فى أسرعِ وقتٍ من قياداتٍ طَغَت أو أخطأت فى هذه الأزمةِ وقبلِها. يستحيلُ تحميلُ القواتِ المسلحةِ عبءَ الأمنِ الداخلى والخارجى، ما لهذا أُنشئت، من الضرورى معرفةُ أبعادِ مؤامرةٍ خُطِطَت بعنايةٍ لمهاجمةِ سجونٍ وتحريرِ مساجينٍ وتهريبِهم عبرَ مسالكٍ ودروبٍ وأنفاقٍ مُحددة مُسبقاً.



نظريةُ المؤامرةِ حيلةُ العاجزِ، لكنها فى هذه الأزمةِ مؤكدةٌ، اِستُبيحَت مصر، أرضاً وحدوداً، ووضحَ تماماً أعداؤها الذين إدعوا دوماً أنهم أشقاءٌ، تأكدَت أجندةُ المذهبياتِ الدينيةِ على حسابِ الوطنِ والجنسيةِ. النظامُ المصرى أخطأ لما تجاهلَ دعواتِ التغييرِ وانغلَقَ على نفسِه بينما الدنيا حولَه فى فورانٍ شديدٍ، وها هى النتيجةُ المنطقيةُ، لكنها مع كلِ الحزنِ مأساويةٌ قد تخسرُ فيها مصرُ أرضاً طالما قاتلَت من أجلِها وتفقدُ فيها استقراراً نسبياً غدا بعيداً فى المستقبلِ المنظورِ.



لا بدَ أن تعودَ الشرطةُ، لا تجلدوها، لا تلقوا الطينَ عليها، هى منكم، لا تكسروا أنفها،،