الخميس، 17 أكتوبر 2019

للكَذبِ أرجلٌ وأيادي ...


جِلسةٌ رسميةٌ أو غيرُ رسميةٍ، فإذا بمن ينبري للكلامِ عن نشرٍ علميِ في مجلةٍ دوليةٍ جيدةِ المستوى، له أو لأحدِ المسجلين معه للماجستير أو الدكتوراه. النشرُ العلمي في المجلاتِ الدوليةِ المرموقةِ شرفٌ كبيرٌ، لكنه ليس بالكلامِ والإدعاءِ، خاصةٍ وأن الغالبيةَ العظمى من الرسائلِ العلميةِ متواضعةِ المستوى لأسبابٍ عدةٍ، مثل عدمِ تفرغِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ والطلابِ. الأعجبُ عدمُ خجلِ البعضِ من الإعلانِ عن مجردِ تقديمِ بحثٍ لمجلةٍ علميةٍ وكأنه إنجازٌ قائمٌ بذاتِه!!  وماذا عن عدمِ قبولِ البحثِ لضعفِ مستواه؟! لايهمُ، المهمُ الكلامُ، الكَذبُ

هناك من يدعي تنظيمَ مؤتمرٍ علميٍ عالِ المستوى؛ كيف وهو بدون تحكيمِ حقيقي للأبحاثِ؟ كيف والمؤتمراتُ المحليةُ تغلُبُ عليها المنظرةُ والعلاقاتُ العامةُ والورنشةُ والولهُ بالظهورِ، لعل وعسى. حسنًا فعلت قواعدُ الترقياتِ بتقليلِ وزن أبحاثِ المؤتمراتِ المسماةِ تجاوزًا علميةً. الغريبُ أن إدعاءَ تميُّزِ المؤتمرِ يكون على الملأِ عيني عينك!!

الكَذبُ أفةٌ شاعَت، أصبحَ ملازمًا لحبِ الظهورِ بالأونطة، للتكويش، للصعودِ على كرسي بالخداعِ. لكن، هل العيبُ على الكذابِ؟ قطعًا، لا. من الضروري الحذرُ وإبعادُ كلِ كذابٍ، من الضروري مراجعةُ كلِ ما يُقالُ؛ تصريحاتٌ مثل تَقَدُمِ ترتيبِ الجامعاتِ ودورياتِها لابدَ أن تُراجعَ وتوضعَ في إطارِها الحقيقي. يجبُ عدمُ الارتكانِ على إدعاءاتِ الفتوحاتِ العلميةِ واختراعاتِ الطلابِ من أجهزةٍ وأدويةٍ؛ هناك من يُرَوِجون لها باعتبارِها تلميعًا لهم، وكأنهم يشجعون البحثَ العلمي والشبابِ!!



المجالُ العلمي كاشفٌ، لا يمكنُ فيه الكَذبُ، لكن عندنا من يفعلون وما أخطرَهم لما يُمَكَنون



الكَذبُ أصبحَ بلا خجلٍ، وأمامَ الجميعِ، وبيقينٍ غريبٍ بعدمِ القدرةِ على تبين الحقيقةِ!! 



الكَذبُ ببجاحةٍ وكلاحةٍ شاعَ، وفُتِحَت أمامَه طرقٌ وممراتٌ ودهاليزٌ. لذا، شخصيةُ الكَذابِ مثيرةٌ للاهتمامِ، فهي تعطي مثلًا، في أحيانٍ


نُشِرَت بجريدة الأخبار يوم الحمعة ٢٥ أكتوبر ٢٠١٩ 






Twitter: @albahary


الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

الشرشوحة ست جيرانها

"عند أم ترتر" مَثلٌ شعبيٌ، فما قصتُه؟ وراءَ هذا المثلِ الشعبي قصةٌ قد تكون حقيقيةً في أحدِ حواري الإسكندرية بمنطقة كرموزكانت أمُ ترتر سيدةً مشهورٌ عنها طولُ اللسانِ والقوةُ، وأطلقَ عليها أهالي المنطقة "الشرشوحة ست جيرانها" لأنها كانت تتسترُ على سوءِ أفعالِها بالصوت العالي والبذاءةِ والبلطجة. استخدامُ مَثل "عند أم ترتر" شاعَ عند فقدانِ شئٍ سرقَته أم ترتر من جيرانِها وأخفَته وأصبحَ الحصولُ عليه مستحيلًا لطولِ لسانِها وبجاحتَها وصوتِها العالي

مع الوقت أصبحَت الشرشحة، ولا مؤاخذة، مهنةً، إذ يتمُ تحريضُ بعضِ النسوةِ للتطاولِ على شخصٍ لأسبابٍ سياسيةٍ، أو اجتماعيةٍ، أو ماليةٍ. تقومُ النسوةُ بتجريسِ الشخصِ المستهدفِ أمام منزلِه ومكانٍ عملِه حتى يجدُ صعوبةً في رفعِ رأسِه من فظاعةِ ما نالَه من إهاناتٍ واتهاماتٍولما كانت المنافسةُ قائمةً، فقد التحقَ رجالٌ بهذه المهنةِ

في زمنِنا هذا شاعَت الشرشحةُ والسرسعة وأصبحَت أم ترتر ست جيرانها على مواقعِ التفسخِ الاجتماعي بالبذاءاتِ والإدعاءاتِ. أم ترتر موجودةٌ أيضًا في أشخاصٍ تنتسبُ للإعلامِ والرياضةِ ولا تجدُ مهارتَها إلا في التهديدِ والوعيدِ والتطاولِ وتوزيعِ الاتهاماتِ. فقدَت مؤسساتٌ وفضائياتٌ إعلاميةٌ ورياضيةٍ كلَ مصداقيةٍ باللجوءِ لتلاميذِ مدرسةِ أم ترتر واعتبارِهم واجهاتِها


حتى المؤسساتِِ الجامعيةِِ فيها أم ترتر!! هناك من لا يستحون من الإدعاءِ بالصوتِ العالي عن انجازاتِهم العلميةِ، يسطون على تعبِ غيرِهم وكأن الصوتَ العالي والبجاحةَ والأونطة لغةُ هذا الزمنِ

أم ترتر بالشرشحة أصبحت ست جيرانها لأنهم سكتوا؛ آثروا البعدَ عن المتاعبِ يأسًا، لغيابِ القانونِ واِنعدامِ تحَري الصوابِ فيما يُقالُ ويُفعلُ، فطفى على كلِ سطحٍ العديدُ من خريجي مدرسةِ أم ترتر






اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،


Twitter: @albahary

الأحد، 16 يونيو 2019

التسوُّلُ للجميعِ ...

التسوُّلُ هو مدُ اليدِ استجداءً. أبدعَ نجيب محفوظ في رائعتِه زقاقِ المدق في تصوير اللهفةِ على التسوُّلِ ولو بفقدانِ البصرِ. تطورَ التسوُّلُ وتحولَ من استجداءٍ سلبي بمدِ اليدِ إلى تناحةِ وغتاتةِ وقلةِ أخلاقِ. اتسعَ نطاقُ التسوُّلِ ليشملَ كلَ يومٍ، وكلَ أرضٍ فيها بشرٌ، وكلَ وسيلةِ مواصلاتٍ جماعيةٍ

ترام الإسكندرية بعد أن كان وسيلةَ مواصلاتٍ جميلةٍ أصبحَ وسيلةً للنكدِ بسبب المتسولين المشهورين  المتباكين بكل الوسائلِ المبتذلةِ لاستدرارِ  الشفقةِ، انتهاكٌ لخصوصيةِ الركابِ بأصواتٍ منفرةٍ وبمناديلٍ وأوراقٍ تُلقى في حجورِهم بدون استئذانٍ. في السكةِ الحديد، يركبُ مشاهيرُ المتسولين من القاهرةِ حتى طنطا أو الإسكندرية، والعكس، لا فرقَ بين قطارٍ فاخرٍ وقطارٍ عادي، القطاراتُ المباشرةُ هي الوحيدةُ التي ينجو ركابُها من هذا التعدي

كانَ للتسوُّلِ أيامٌ، مثلَ أيامِ الجمعةِ حول المساجدِ، توسعَ فأصبحَ في كلِ أوقاتِ الصلواتِ في كل الأيامِ. كان للتسوُّلِ ميادينٌ، فشملَ كلَ شارعٍ. كان المُتسوِّلُ فردًا، فأصبح أسَرًا بأكملِها. شارعُ الطاقة بجوارِ النادي الأهلي بالحي الثامن من مدينة نصر مسرحٌ لكلِ أنواع التسوُّلِ، أُسَرٌ تحتلُ جزُرَ الطريقِ وتقيمُ خيامًا تبيتُ بها طوال شهر رمضان والأعيادِ، عمالُ قمامةٍ ومتنكرون في زيِّهم يدورون بالمكانسِ، باعةُ جرجير وبقدونس وليمون يمِدون ما بأيديهِم داخل نوافذِ السياراتِ. خناقاتُ المُتسولين لا تنتهي على مناطقِ النفوذِ

تغلغلَ التسوُّلُ وما عادَ مقتصرًا على الشوارعِ لكنه امتدَ للمؤسساتِ المختلفةِ، عاملون بها يمِدون أيديهم صراحةً أو بحجةِ التشهيلِ

لا أنسى متسوِّلًا قالَ لي أن إمرأتَه أوصَته على كيلو لحمة، وأخرى مزنوقة في مصاريف المدرسةِ. المتسوِّلُ طماعٌ شأنه شأن منادي السيارات، يحددُ لنفسِه مكانًا ومبلغًا ماليًا، وإلا ...

هذا عن المتسوِّلِ الفردِ، لكن ماذا عن التسوُّلِ المؤسسي في التليفزيون والإذاعةِ، إعلاناتٌ على ألسنةِ مرضى، فيها كلُ صورِ استغلالِ الآلامِ. شفى اللهُ كلَ مريضٍ لكن أيكونُ توفيرُ الرعايةِ الصحيةِ بتكريسِ ثقافةِ الاستجداءِ؟ هل تتسولُ المدارسُ والجامعاتُ لتوفيرِ الميزانياتِ؟ هل تتسولُ أيةُ مؤسسةٍ وتستجدي مع كل زنقةٍ؟

هناك من يتباكون على وجودِ الكلابِ والقططِ في الشوارعِ، وماذا عن المتسولين؟ هل يليقُ بدولةٍ أن يكونَ التسوُّلُ صورتَها؟


اللهم اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،




Twitter: @albahary