الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

ومالت الشجرتان..


أحرصُ منذ سنواتٍ علي صلاة الجمعةِ، نشاطٌ ديني وثقافي واجتماعي، أحسُ معه بأنني وسطُ البشرِ، أشعرُ بهم وأراهم، علي حقيقتِهم، ولو ادعي بعضُهم ورعاً ليس في طبعِه ولا في تصرفاتِه. أحياناً تكونُ الراحةُ النفسيةُ محصلةَ الجمعةِ، لكن ما أكثرَ ما خرجتُ منها بعدمِ سعادةٍ وبخجلٍ. أخجلُ من إمامٍ يجعلُ هدفَ الخطبةِ التهجمِ علي أبناءِ الدياناتِ الأخري وادعاءِ فهمِ معتقداتِهم أكثرَ منهم، كأن اللهَ أتي بها عبثاً ليُلهي بعضاً من الناسِ لا ليهديهم، ليلغيها ويغيرها بعد فترةٍ، ويزدادُ أسفي عندما يعلو صوتُ الميكروفون بالسبابِ والنعوتِ الحيوانيةِ المعروفةِ. هل خطبةُ الجمعةِ بهذا المفهومِ تحضُ علي الخيرِ والتآخي والتعايشِ؟ قطعاً لا، خاصةً وأن كلَ ما يُقالُ ينتشرُ، وتأتي ردودُ أفعالِه في صورةِ تنافرٍ وبغضاءٍ وإساءةٍ للخطيبِ من هذه الشاكلةِ ولمستمعيه تَلحقُ بديانتِهم بلا وجهِ حقٍ.
أما عدمُ السعادةِ فيأتي مما أسمعُ من أحاديثٍ لا تنضِبُ ولا يجِفُ مصدرُها، أواظبُ علي الجمعةِ منذُ سنواتٍ طوالٍ، ولا تكُفُ الأحاديثُ عن الظهورِ، لأولِ مرةٍ، مُستجدةٌ، مُستحدَثةٌ، كيف ومن أين؟ اللهُ والخطيبُ أعلمُ. أخرُ تلك الأحاديثِ ظلَ عالقاً بذهني ودفعني لكتابةِ هذا المقال الذي كان أسيرَ خاطري رافضاً الخروجِ، مفضلاً الصمتِ حتي تعذرَ واستحالَ. قال الخطيبُ أن النبي، صلي الله عليه وسلم، لما أرادَ قضاءَ حاجتِه في الصحراءِ اقتربَت منه شجرتان ومالتا حتي تُظللا عليه حتي قضي حاجتَه ثم استقامتا وتباعدتا. لم أفهم المغزي من الحديثِ، هل هو معجزةٌ؟ علي ما يحضُ؟ وهل تقتربُ منه شجرتان كلما أرادَ صلي اللهُ عليه وسلم قضاءَ حاجتِه؟ ذكرني هذا الحديثُ بأخرٍ لخطيب أخرٍ، إذ قالَ أن النبي صلي اللهُ عليه وسلمَ قالَ مِثلُ المؤمنين كشعرةٍ بيضاءٍ في ثورٍ أسودٍ أو كشعرةٍ سوداءٍ في ثورٍ أبيضٍ. لا تعليقَ مني، فكلٌ وما يأتي به خاطرُه.
مثلان لحديثين، غيرُها كثيرٌ، بعضُهما خطيرٌ فيما يدعو إليه من عنفٍ وتجاوزٍ لأعرافٍ اجتماعيةٍ مستقرةٍ، لن أرددُ ما وردَ بها، فهي مثارٌ للعديدِ والعديدِ من القضايا والفتاوي والبرامجِ الإعلاميةِ المتلهفةِ، ليس في عالمِنا بل في العالمِ كلِه، منها تخرجُ ردودُ الأفعالِ التي تحكمُ السياسةَ العالميةَ وبها تندفعُ تحركاتُ الجماعاتِ التي تعتبرُ الأحاديثَ َمن المسلماتِ واجبةِ الطاعةِ أياً كان مصدرُها.
الأمرُ جدٌ، الفضائياتُ أذاعَت ما كان مجهولاً منكوراً، ليس إماماً في جامعٍ أو زاويةٍ علي ملأٍ من عشراتٍ أو مئاتٍ، بل ملايينٌ من المصدقين ومثلهم من المتربصين. ومع غيابِ المرجعيةِ الإسلاميةِ الواحدةِ والتشتتِ المذهبي، ومع التلهفِ علي الشهرةِ والتربحِ علي مستوي الخطباءِ والإعلام بأنواعِه، أصبحَ من المستحيلِ وقفُ طوفانِ ما يُظهرُ بطنُ الغيبِ من أحاديثٍ.
لاغرابةَ فيما حلَ بالعالمِ الإسلامي من توهانٍ، فلا هو راغبٌ في تصحيحِ نفسِه، ولا هو بقادرٍ إن رغِبَ؛ أزمةُ فكرٍ وثقافةٍ، يشدهما الجمودُ بأقوي من مؤثراتِ عصرٍ لا مكانَ فيه لمن انغلقَ وتقوقعَ متصوراً أنه يملكُ مفاتيحَ الصوابِ والحقيقةِ وما عداه خارجَ الملةِ،،

ليست هناك تعليقات: