الخميس، 9 أكتوبر 2008

الغزوة المباركة بالكاسيت


الكاسيت والفيديو كانا من رموزِ الفسادِ ونشرِ الاِنحلالِ، لطالما تعرضَت محالُ بيعِها للحرقِ والإتلافِ ممن رأوا في أنفسِهم دعاةَ الفضيلةِ والأخلاقِ. مع تطورِ الزمنِ لم تَعُد شرائطُ الكاسيت والفيديو قاصرةٌ علي الغناءِ والأفلامِ، بل اِمتدت لتشملَ التعليمَ، أصبحت بديلاً رخيصاً سهلَ التناولِ للدروسِ الخصوصيةِ، دروسٌ في المنزلِ، في أي مكانِ، في أي وقتِ.سبحانَ مُغيرُ الأحوال، تحولَت شرائط الكاسيتِ والفيديو إلي مَهَمةِ جديدةِ، الدعوةُ والوعظُ، لم تعُد صورةً للحضارةِ الغربيةِ الفاسدةِ، إنها تهدي الناسَ إلي سواءِ السبيلِ. عشراتُ الآلافِ من شرائطِ الكاسيت تُوزَعُ بالمجانِ علي سائقي الميكروباس، علي الطلابِ، علي التجارِ في المحالِ وعلي الأرصفةِ. اِحتُلَت محطاتُ الترامِ والأوتوبيسِ والميادينُ بمحالٍ صارخةٍ تبيعُ شرائطَ الهدايةِ والتقوي. مع هذا التوزيعِ الكبيرِ لابدَ من ظهورِ طائفةٍ ممن اِعتُبِروا دعاةُ هذا الزمانِ، منهم المنتشرون في الإذاعة والتليفزيون والفضائيات، ومنهم من بزغوا ما بين عشيةٍ وضحاها دون سابقِ معرفةٍ. دعاةٌ صارخون مهددون متوعدون، موضوعاتُهم ما أنزل اللهُ بها من سلطانِ، بدءاً من الثعبانِ الأقرعِ مروراً بالسوطِ المُحَمي، مَراجعُهم لا يَعلمُ بها سواهم، لا رقيبَ عليهم، مدفوعون لغرضٍ أكبرَ منهم ولو دعوا إليه. الدعوةُ بالكاسيتِ، بابُ رزقٍ لمن اِمتهنوا الدعوةَ الجديدةَ، إن لم يمارسوها بأنفسِهم يوكلونَها لأبنائهم ولو كان عمرُهم خمسَ سنواتِ، وما الداعيةُ الطفلُ إلا صورةٌ لما آل إليه حالُ الدعوةِ والقائمين عليها. أيادي تلعبُ في الظلامِ لا يظهرُ منها إلا شرائطُ الكاسيتِ، أموالٌ تُنفقُ بالآلافِ والشرائطُ تُوزعُ بالمجانِ أو بأبخسِ الأسعارِ. ليست مجردَ تجارةٍ، إنها محاولة لتفتيتِ المجتمعِ، لزيادةِ ضعفِه حتي يسقطُ من تلقاءِ نفسِه، أمراضُ الظلمِ والجوعِ والفقرِ والمرضِ والجهلِ والبطالةِ، سريعةُ الاِشتعالِ، تنفجرُ لأوهنِ سببٍ، شرائطُ الكاسيتِ تُسخنُها، تُلهبُها.البلدُ أصبحَ مثالاً للفوضي والعشوائيةِ، الكلُ يلعبُ علي هذا الوترِ، يفعلُ ما يروقُه، لا رقابةَ ولا محاسبةَ، هُجِرَ كلُ ما يرتبطُ بالنظامِ، حتي وعاظِه، الساحةُ خاليةٌ للصارخين المتشنجين، علي المنابرِ، في الزوايا، وعلي شرائطِ الكاسيتِ، مجتمعٌ في غيبوبةِ، يُساقُ إلي تهلُكتِه مُغمَضُ الأعينِ. الغزواتُ المباركةُ مُتَعَدِدةُ الأشكالِِ والألوانِ، كلُها من صنعِ الغربِ الكافرِ، بالسياراتِ المفخخةِ، بالألغامِ، بالقنابلِ المزروعةِ في وسائلِ النقلِ العامِ، وبشرائطِ الكاسيتِ،،

ليست هناك تعليقات: