الاثنين، 26 يناير 2009

طبولُ النصرِ..


انتهَت مؤقتاً حربُ غزة، لا بدَ وللهدوءِ من نهايةٍ، لماذا؟ المقدِماتُ واضحةٌ، هي ذاتُها، بصخبِها، بمنطقِها في فهمِ الأشياءِ وتبريرِ الأفعالِ، ولو كانت في غيرِ محلِها. بعد الحروبِ يكون كشفُ الحسابِ، حسابُ الأرباحِ والخسائرِ، حماس خرَجَت منتصرةً، هكذا تقولُ ويرددُ نافخو النارِ في إعلامِهم، بكلِ أنواعِه. للنصرِ العربي معنيً آخر، مختلفٌ، اِختُزِلَ في تحملِ كلِ أنواعِ الضربِ، في المخابئ، في المدارسِ، في المساجدِ، في المنازلِ، المهم البقاءُ ضمن الأحياءِ، لا تقديرَ للحياةِ الإنسانيةِ، ولا للبؤسِ الإنساني، الشعاراتُ أولي، ولو ولَت إلي غيرِ رجعةٍ.
طبولُ النصرِ علا ضجيجُها، العدو اندحرَ وخابَت مخططاتُه، هكذا تحولَت هزيمةُ 1967 إلي نكسةٍ، ولو استمرَت أثارُها حتي اليومِ، هكذا انكسرَ صدام حسين في الوقتِ الذي بشرَ فيه وزيرُ إعلامِه من إحدي الخراباتِ بطردِ العلوجِ، هكذا اُزيح حسن نصر الله من جنوب لبنانٍ تعرضَ للتدميرِ والتخريبِ، هكذا ظهرَت مصطلحاتُ التمثيلِ المشرفِ بمعني الهزيمةِ بأقلِ قدرٍ من الأهدافِ، هكذا أصبحَت الهزيمةُ مقبولةٌ مبررةٌ، هكذا أصبحَ الخداعُ ركنٌ أساسيٌ في معيشةٍ تقومُ عليه، وحدِه. الانجازاتُ العربيةُ، كلامٌ في كلامٍ، هَجسٌ وفَشرٌ ونَخعٌ، لا انجازاتٍ ولا نجاحاتٍ، تبارٍ في السبابِ والاتهاماتِ، غرقٌ في الأوهامِ، أوهامُ الأفضليةِ، وجوبِ النصرِ.
أكدَت حربُ غزة أن العربَ هم العربُ، منذ مئات السنين، لم يتغيروا، لم يتعظوا، برغمِ ما في تاريخِهم من عبرٍ وعظاتٍ، لا يعتبرون بها، يتناسنوها، يؤولونها، حتي يتوهوا عن الواقعِ، يغرقون في ظلماتٍ من نسجِ أوهامِهم وخُيالاتِهم. في حربِ غزة تقاتلَ العربُ بكلِ الشراسةِ الإعلاميةِ، حتي مواقعِ الانترنت أكدت ما في الشارعِ العربي من رفضٍ لتعددِ الآراءِ، من بذاءةِ ما في الألسنةِ، من عقولٍ تيبسَت من فَرطِ كُرهِ التفكيرِ. الفضائياتُ العربيةُ تمثلُ قمةَ الخداعِ والتضليلِ والتزييفِ، فيها فهلوةُ العرضِ وسطحيةُ الطرحِ، مع افتعالِ اللطافةِ والظرافةِ والخفافةِ، روحي روحي روحي. العربُ ظاهرةٌ منها عرِفَ العالمُ كيف يتجنبُ الفشلَ، كيف بالعلمِ يرتقي، كيف يتقبلُ التعددَ والاختلافَ حتي يُكتبُ له الاستمرارُ.
احتفالاتٌ بالنصرِ من علي الخرائبِ والأنقاضِ، لم يحاربوا، لم يقاوموا، الشعبُ هو الوقودُ، هو الذي يعاني ويئنُ ويتعذبُ، بلسانِه يتكلمون دون أن يسألونَه أو يُشاوروه، علي أشلائه يطبقون نظرياتِهم وخلفَه يختبئون من النيران. الإنسانُ العربي بلا كرامةٍ علي أرضِه، مستباحٌ مُهمشٌ مُكبلٌ، اعتادَ المعيشةَ علي الهامشِ، قَنِعَ بنصيبِه، من فرطِ يأسِه وقلةِ حيلتِه، من شدةِ قهرِه، من اعتيادِه علي الأغلالِ، ولو آلمتَه وأدمتَه، أغلي أمانيه أن يفوزَ فريقُه في مباراةِ كرةِ قدمٍ، فقط لا غير، قبلَ رغيفِ الخبزِ وأنبوبةِ البوتاجاز، والكرامةِ.
ستستمرُ احتفالاتُ النصرِ والعروضُ العسكريةُ بصيحاتِها وطبولِها، ضاعَت المعاني، الهزيمةُ هي النصرُ، التراجعُ هو التقدمُ، وعجبي،،

ليست هناك تعليقات: