الجمعة، 22 يوليو 2011

صنائعُ الفضائياتِ … 

الرجوعُ بالذاكرةِ والعقلِ لما قبل الخامسِ والعشرين من يناير وما بعده، حتى سقوط النظام، يظهرُ مشاهداً كانت وقتها جزءً أساسياً من الحوارات التي تبارَت الفضائيات فى عرضِها، بكثافةٍ وتكرارٍ، حواراتٌ مع وجوهٍ لم تكن جديدة، لكنها في صورةٍ مختلفةٍ ومغايرةٍ. وجوهٌ بدَت شديدةَ الثوريةِ والغضبَ والانفعالَ، أشخاصُها كانت إقامتهم بمصر أو خارجها لعقودٍ، لكنهم تمكنوا من ركوب القطار، في آخر عرباتِه، قطار النظام الذي رأوا فيه بديلاً عن قطارِِ نظامٍ هوى وسقطوا منه أو فاتَهم.

الفضائياتُ شأنُها شأن فيسبوك، تؤثرُ فيمن لا تُعتبرُ القراءةُ والتقصي ضالتَهم ومُبتغاهم، من يريدون من الآخر بمعنى آخرٍ. الفضائياتُ كفيسبوك، لا شفافيةَ فيها ولا صراحة، لا تُعرفُ فيها حقيقة المتحدث ولا هُويتُه ولا لونُه، هل يتحركُ من تلقاءِ ذاتِه أم أنه واجهةٌ، ليس إلا. فضائياتٌ مثل BBC و العربية والجزيرة أفاضَت في استضافةِ واكتشافِ شخصياتٍ وكأنها مُحركةٌ للأحداثِ ومشاركةٌ فيها، دَفَعَت بها للصفوفِ الأماميةِ من الإعلامِ، ونقلَت كل ما بداخلِها من غضبٍ حقيقي أو مصطنعٍ، على أشخاصِ النظامِ الهاوي، وغيرِهم على الماشي، ممن وجدوهم أعداءً ولو كانوا عن النظام بعيدين. الشاشاتُ الفضائيةُ الأجنبيةُ جعَلَت من استوديوهاتِها مقاراً لقيادةِ الغاضبين وتأجيجِ الغضبِ في صدورِهم. الفضائياتُ المصريةُ لا بد وأن تظهرَ أيضاً، لابدَ أن تقدمَ من وجوهِها من يثورون ويرفضون. امتلأ سوق الفضائياتِ، كله غضبان وزعلان ومنفعلٌ ومحللٌ ومتنبئ وفاهمٌٍ ودارسٌٍ وواعٍ.

وجوهٌ أكتشفتها الفضائيات، الأجنبية تحديداً، أو أعادَت اكتشافَها، سوق الفضائيات كسوق السينما تلزمه الوجوه الجديدة أو تلك التي تغير جلدَها. في السينما تظهرُ وجوهٌ وتستمرُ، أكثرُها ينطفئ، لقلةِ الموهبةِ والقبولِ والصراحةِ، أيضاً من صنعتهم الفضائياتُ. بعد أن انكسَرَ نظامٌ طالَ أمدُه بالمخالفةِ لمنطقِ التاريخِ وطبيعةِ الشرِ، سقطَت أيضاً وجوهٌ تبَنتها الفضائياتُ الأجنبيةُ، كانت مُجَلجِلةً بآرائها وتحليلاتِها وتعبيراتِها، أصابتَها اتهاماتٌ في أشخاصِها وما في أدمغتِها من آراءٍ ومعتقداتٍ، سقطَت بعد أن انتهى دورُها، برضاها أو بغيرِه.

الغربُ في منتهى السعادةِ، ما يحدثُ في الدول العربيةِ، هو المطلوبُ وزيادة، لا اتفاقَ ولا تفاهمَ، تعصبٌ في الرأى ، خلطٌ للباطلِ بالحقِ، تغليبٌ للباطلِ باسمِ الثورةِ والتغييرِ. الغربُ الذي تعاملَ مع الأنظمةِ الهاويةِ واستقبلَ أشخاصَها ووجلَهم واحترمَهم، انقلَبَ عليها ودبرَ وخططَ ضدها، وسينقلبُ على كلِ من يقفُ أمام مصالحِه. الفضائياتُ الأجنبيةُ لعِبَت في مصر، وفي الدول العربيةِ كافةٍ، دوراً ظاهرُه حريةُ الشعوبِ وحقوقُِ الإنسانِ، لكن واقعُه في أجندةٍ مختلفةٍ تماماً، لا تريدُ إلا إخراجَ شعوبِ هذه المنطقةِ من كلِ خريطةٍ، التدخلُ يكون عسكرياً، إعلامياً، فيسبوك، وغيره وغيرهم.

شعوبٌ ستظلُ مفعولٌ به، إلى متى، الله أعلم، هل سيتسعُ صدرُ التاريخِ والجغرافيا لها؟


نُشِرَت بجريدة الأهرام يوم السبت ٨ أكتوبر ٢٠١١


نُشِرَت بجريدة الوفد يوم الجمعة ١١ نوفمبر ٢٠١١

Twitter: @albahry

ليست هناك تعليقات: