الثلاثاء، 21 فبراير 2012

إعادةُ النقاط ِإلى حروفِها …


دعواتٌ للاعتصامِ المدني لم تلقْ تجاوباً من الشارعِ، خناقاتٌ في مجلسِ الشعبِ مُذاعةٌ ومُتلفزةٌ، تطاولاتٌ على رموزٍ لم تستثن كبيراً ولا صغيراً، كلُ صغيرٍ تصورَ نفسَه كبيراً وكلُ كبيرٍ اِنزوى، ما عادت هناك ثوابتٌ من أخلاقٍ أو تاريخٍ أو عاداتٍ أو تقاليدٍ، تاه الشارعُ المصري وغابَت عنه قيمٌ كثيرةٌ. لم يعدْ للكلامِ معنى، ما عادَت الآذانُ تسمعُه ولا العقولُ تَعيه. أي كلامٍ أولى؟ كلامُ أهلِ التسخين أم كلامُ الداعين للتهدئةِ؟ كلامٌُ باسم الدين أم كلامٌ باسم الدولة المدنية؟ كلامُ التحرير أم كلامُ العباسية؟ كلامُ التخوين أم كلامُ الوطنية؟ كلامُ التفرقةِ والتمييزِِ أم كلامُ المواطنةِ والمساواةِ؟

تاه الجميع، لم يعدْ الصديقُ صديقاً، الشكُ أصبحَ لغةً ومنهجاً، ومعه الأنانيةُ وتضخيمُ الذاتِ، لا غرابةَ في الاعتصامات والبلطجة والتطاول والتجاوز والسباب والتعدي. عندما هُزِمَت مصر في عام ١٩٦٧ رُفِعَ شعارُ اعرف عدوَك، لقد كانت الهزيمةُ نتيجةً طبيعيةً للانغلاقِ داخل الشعاراتِ والأوهامِ والخداعِ والزعيقِ وانكارِ قدرات الغيرِ وامكاناتِهم، لا يبدو مع كلِ الأسفِ أن للتاريخِ اعتباراً، قريبُه وأبعدُه. لغةُ العنفِ في الفعلِ واللفظِ، احتلَت أوفرَ مساحاتٍ في الفضائياتِ والصحفِ، أتقنَها الجميعُ. ما هي القدوةُ التي يقدمُها مجلس الشعبِ وهو علي الهواءِ ينشرُ الخناقاتِ وعدم تقبلِ واستيعابِ الآراءِ جميعِها؟ كيف يكونُ استيعابُ المنزلُ والعملُ والشارعِ للغةٍ التناطحِ التي سادَت حواراتِ السياسيين والدعويين؟ ما من رسالةٍ إلا أن الغلبةَ تدينُ للأعلى صوتاً أو الأكثرُ عدداً، غابةٌ بكلِ معناها، تأكيدٌ على ما يسودُ ُمن انفلاتٍ.

تغيرَ نظامٌ وطَفَت أخلاقياتٌ طالما كَمِنَت، الانتهازيةُ وتصيدُ السقطةِ واللقطةِ، بالذوقِ وبالعافيةِ، سيارةٌ أو قطعةُ أرضٍ، رصيفُ أو جزء من شارعِ، أرضٌ زراعيةٍ أو نيلٌ، موقفٌ يُرادُ أن يُصبغَ بالوطنيةِ أو يالثوريةِ، شعاراتٌ تُرفعُ بغرضٍ يخفي باطنَها؛ الكلُ سواء، ما من فارقٍ بين المثقف وغيره، بين السياسي وغيره، بين الدَعَوي وغيره،أوضحُهم البلطجي والسارقُ!! من المؤكدِ أن رفضَ العصيان المدني يُعطي رسالةً واضحةً، أن الشعبَ في غالبِه ليس بالسهلِ الانقيادِ، وأن الصوتَ العالي لا يُكسِبُ أنصاراً، لكن الأهم هل يوضعُ كلُ في إطارِه وداخل حدودِه، بنفسِه أولاً؟ هل يفهمُ الجميعُ أن الزمنَ تغيرَ وأن لصبرِ الشعبَ حدوداً؟

لن تستقيمُ الأمورُ إلا بفهمِ التاريخِ بأمانةٍ، بالبعدِ عن شهوةِ السلطةِ والانتقامِ، بدراسةِ السياسةِ الدوليةِ باحترافٍ، بالاتعاظِ من الأخطاء الشخصيةِ قبل أخطاءِ السابقين والغير، بوضعِ خطوطٍ حمراءٍ لا يجوزُ تخطيها في التعاملِ مع الحرياتِ والمعتقداتِ. في حالةِ التوهانِ تلك يبدو المشوارُ طويلاً غائماً، لكن يستحيلُ أن تنصلحَ الأحوالُ إلا عندما يَفهمُ كلٌ ما له وما عليه، إلا عندما يتيقنُ كلٌ من حجمِه فلا يتجبرُ غروراً أو يصرخُ عجزاً.

لن يكونُ لمصرِ شأنٌ إلا عندما تعودُ النِقاطُ إلى حروفِها ...


نُشِرَت بجريدة الأهرام يوم الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢

Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: