الثلاثاء، 17 أبريل 2012

انبطح.. ينبطح .. منبطحون


تُفرز هذه الأيام نوعيةً غريبةً من البشرِ القادرين على التحولِ في أقل من فيمتو ثانية، ولو على حساب الأخلاقيات والسلوكيات، وما يؤكدُ ذلك ما نشهدُ من تطاولاتٍ لا استثناءَ فيها لسنٍ أو علمٍ، تلاعبٌ بالقانونِ من أجل أعلى كراسي الدولةِ، تهديدٌ بالقضاء على الأخضر واليابسِ إذا لم تكنْ الانتخاباتُ إلا مجردَ شكلٍ للاستحواز ِوالهيمنةِ. والعجبُ العجاب تبارى وزراءٍ وغيرهم من المسؤولين في الرضوخِ ولو على حسابِ الحقيقةِ والواجبِ، وكأن الانبطاحَ لزومُ المنصب، قبل ٢٥ يناير وبعده.

وما أرى في حدوتةِ الجودةِ والاعتمادِ التي طُرحَت بغير حسنِ نيةٍ منذ قرابة الأربع سنوات إلا استمرارًا لمسلسلِ الخداعِ رغم استنكارِ عقولِ الأمةِ من أعضاء هيئاتِ التدريسِ، لكن لكلِ مهمةٍ ناسُها، وللقائمين على الجودةِ بالفعلِ مواصفاتٌ ليس من السهلِ توفرُها في النفوسِ الَحيِية. الجودةُ كمفهوم لا يمكن الاعتراضُ عليها أو رفضُها، لكن ما لازمَ طرحَها من اتجاهٍ سادَ في الدولةِ لشغلِ الشعبِ بمختلفِ فئاتِه الدينيةِ والاجتماعيةِ والوظيفيةِ عن الالتفاتِ لما يُدبرُ سياسياً،  صَبغَها بنفورٍ شديدٍ من أعضاءِ هيئة التدريسِ، خاصة مع تردي أحوالِهم الماديةِ وإبعادِهم عن مناقشةِ متاعبِهم ومشكلاتِهم المزمنةِ واغفالِ آرائهم حتى المتخصصِ منها.

وفي ظلِ تدهورٍ مستمرٍ في الحالِ العامِ واسنادِ مناصبٍ لمن تعوزُهم الكفاءةُ، استخدِمَت الجودةُ سلماً لتصعيدِ البعضِ وتَزَيا بها آخرون حتى تصعدَ بهم، فازدادَت تنفيراً وكان لها من عداء أعضاءِ هيئات التدريسِ النصيبُ الأوفرُ ففشلَت فشلاً مونديالياً. 

الجودةُ مفهومٌ متكاملٌ يضمُ كلَ عناصرِ العمليةِ التعليميةِ دون أغفالٍ لأيٍ منها، سواء من باب الاستسهالِ، أو السهو، أو الممالأةِ وهو أسوأها. وقد كان ولايزالُ رفضُ أعضاء هيئاتِ التدريسِ للجودةِ متُمَحوراً حول سؤالٍ رئيسى، بأمارة إيه؟! الجودةُ هي تقديمُ خدمةٍ تعليميةٍ متميزةٍ تحققُ النفعَ العام للمجتمعِ، لكنها اِختُزِلَت الآن بتسطيحٍ مُخلٍ في كيف يشتكي الطالب، وكيف يطالبُ بإحالةِ أعضاء هيئةِ التدريسِ لمجالسِ تأديبِ، وكيف تكون الانترنت وسيلةَ سَبٍ ونشرِ أكاذيبٍ!! وكأن مبدأَ شغلِ أعضاءِ هيئاتِ التدريس قبل 25 يناير اِستُعيضَ عنه بعد 25 يناير بكيف يكونُ نفاقُ الطلابِ وإسكاتهم، على حسابِ العمليةِ التربويةِ والتعليميةِ.

العمليةُ التعليميةُ في حدوتةِ الجودةِ بصورتِها الحاليةِ أفرَدَت صفحاتٍ ولجانٍاً لوضعِ ألياتِ الشكوى، شكوى الطلاب!! لكن، أين رضاء أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟! أين المعاملُ والمكتباتُ والمدرجاتُ؟! أين دورِ المياه، بدون مؤاخذة؟! أين النظافة؟! وأين المياه والكهرباء في أحيانٍ كثيرةٍ؟!

 مع كلِ الاشمئناط فإن مبدأَ نفاقِ الشوارع والحارات المزدحمة هو لافتةُ هذه المرحلةِ، الصوابُ ليس الهدفَ، ولا الحقَ؛ لا غرابةَ في أن يُرفعَ شعارُ "تأديب وتهذيبَ وإصلاحَ  أعضاءِ هيئات التدريسِ"، ولا غرابةَ أن من القياداتِ الحاليةِ من لا يستحى من مراضاةِ الطلابِ على حسابِ الأدبِ والاحترامِ.

الجودةُ المعطوبةُ والانبطاحيةُ تلك لن يكون وراءها إلا التخريبُ الممنهجُ للمجتمعِ، يستحيلُ أن ينصلحَ مجتمعٌ وجامعاتُه يُعاملُ فيها أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ كمُدانون ومُذنبون ومُتَهمون، بلا خطأ ولا أمارةٍٍ، وكأن قدرَهم أن يُعاديهم نظامٌ سقَطَ وأن يتاجرُ على حسابِهم نظامٌ لم يأت بعد. ما نرى من انفلاتٍ وخلطٍ للأوراقِ نتيجةٌ حتميةٌ لتعليمٍ بائسٍ ومسؤولين تصوروا أن انبطاحَهم أضمنُ طرقِ البقاءِ، على الخرابات طبعاً،،

Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: