الخميس، 26 مايو 2016

فيسبوك وتعليقاتُ القرّاء .. نعم ولكن

سأبدأ بنموذجين تمهيدًا للموضوع. نُشِرٓ بإحدى الصحف الإلكترونية خبرٌ عن تحرش عميد كلية إقليمية بعضوة هيئة تدريس، فصرخت حتى تجمع خلق الله. هذا هو الخبر، فما هو تعليق القرّاء؟ كانت التعليقات ستة، إثنان منها تَهَكَما على الموضوع، وإثنان جاءا خارج الموضوع تمامًا وكانا عن ضرورة التخلص من الأساتذة المتفرغين لإتاحة الفرصة للشباب، وإثنان ردًّا عليهما ما دخل الأساتذة المتفرغين بحكاية التحرش وبالخبر؟! وأية فرص أخذوها من الشباب وهم أصلًا مُبعدون ولا يشغلون مناصبًا إدارية؟!! تعليقان فيهما حقدٌ مَرَضي كريه يُظهٓر نفسَه في أيةِ فرصةٍ ولو كانت عن موضوع كروي أو اقتصادي أو طبيخ. 

النموذج الثاني هو صديق لي يتندر على أداء إبنِه في الامتحانات، فهو دائمًا يَطمئن منه على ما أدى، ويكون ردُ الإبن "لبلب يا بابا لبلب"، وإذا به راسب جدًا!! هذا هو فعلًا حال معلقي المواقع الإلكترونية والمتلطعين على فيسبوك. يتصورون في أنفسهم الذكاء والألمعية والموسوعية، في كل شئ، في الدين يتكلمون فيُفتون ويُفسرون أو يُسفهون الديانات الأخرى، في السياسة والاقتصاد تحليلاتُهم مُنهمِرةً، لا يعترفون أبدًا بالتخصص، لبلب لبلب. هذا غير الأخبار الكاذبة والفبركة والتأويل والمؤامرات الكونية والسِباب بكل الأقارب والمعارف. 


في أحيان ليست بالقليلة، غَدَت تعليقات القرّاء في المواقع الإلكترونية مع التلطع على فيسبوك متنفسًا لكل تعبان نفسيًّا وموجوع اجتماعيًّا ومشتاق وظيفيًا. لم تعد تلك المواقع مكانًا آمنًا للنقاش وتبادل الرأي ومصدرًا للمعلومة الصحيحة، فكم أظهرت ما نفوسٍ عديدةٍ من حقد وكره وكذب وتناحر. معرفة البشر على حقيقتهم من ضمن ما يمكن الخروج به من فيسبوك ومن تعليقات القرّاء، فمن اختبأ خلف الأخلاق والتعقل انكشفت على تلك المواقع سوءات ما بداخله. 

دون أن نَغفَل عن عقلاء فيسبوك والمُعلقين المنطقيين المنصفين، هناك كثيرٌ من الحقائق تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي كاشفةً ما لم يظهرْه الإعلام كاملًا، مثل التعدي المشين بكل الهمجية والتعصب على سيدة قبطية في قرية بالمنيا على خلفية شائعات عن علاقة بين إبنها الشاب مسيحي وفتاة مسلمة. غاب القانون واختفت الداخلية، لكن المواقع الإلكترونية استيقظت، ولا عيب عليها إذا بالغت ردًّا على ما صمَتت عنه الدولة وعَجَزَت، وأحسنَت فعلًا لما تباعدت عن النغمة الكريهة المخادعة المراوغة التي وصفت هذا الفعل الهمجي بأنه فردي وليس طائفي.  


فيسبوك من علامات عصر المعلومات، إنه مُحرك الحكومات والمجتمعات، لكنه لم يعد وغيره دومًا للتواصل الاجتماعي، إنما فيه أيضًا الفُرقة والحِقد والتحريض وقِلة الأدب، مع الأسف. من الضروري التمييزُ بين الصالح والطالح من تلك المواقع، دون المساس بحرية الرأي البريئة،  ولو كان فيها طول لسان ومبالغات،،




نُشِرَت بجريدة الجمهورية يوم الاثنين ٢٣ مايو ٢٠١٦

نُشِرَت بجريدة الجمهورية يوم السبت ٢ يوليو ٢٠١٦





Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: