الاثنين، 8 سبتمبر 2008

لا يا فضيلة المفتي..


أكتب تقديراً لجلال واحترام منصبك، لعلمك الغزير ولو لم أتفق مع بعض ما قد تنتهي إليه، لكن فضيلتك مفتي مصر، قبل أي اعتبار. الإعلانات ليست مجال عمل المفتي، خاصة في الفترة الإعلانية الرئيسية بالبرنامج العام قبل مدفع الإفطار، صوتك رخيم، لكن الأداء التمثيلي لا يتفق مع وقار منصبك، وسط طوفان إعلانات عن الأكل والشرب والسكن. قد تكون داعياً للخير، لكن من أدراك أنك لم تقع في شرك من يرجون لأنفسهم باسم منصبك؟ ألم يفعلونها مع غيرك عندما روجوا لتوظيف الأموال؟ ألم يكن الشيخ متولي الشعراوي أحد الداعين لهم؟
المناخ فاسد، لا تصلح معه النوايا الحسنة وحدها، لا بد من الحذر، من مقاومة إغراءاتهم، إغراءات من يحوزون المال والسلطة، من يريدون المزيد بأي أسلوب، من أي طريق. فضيلة المفتي الدعوة للخير ممكنة بدون إعلانات، البرامج مفتوحة أمامك في الإذاعة والتليفزيون والفضائيات والصحف بأنواعها، لن تعوزك الوسيلة ولن يقف أمام خيرك عائق.
كتبت ولن أطيل، فضيلتك أكبر من إغراءاتهم، موقعك أسمي من أن يكون مكانه فترة إعلانية،،

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

الكراسي عنوانُ النظامِ


اختارَ أوباما المرشحُ الديمقراطي للرئاسةِ الأمريكيةِ السيناتور بايدن المستقل نائباً ليكمل به النقصَ في خبرتِه، وانتقي ماكين المرشحُ الجمهوري سارة بالين نائبةً له لتضفي شباباً علي حملتِه ولتكون ممثلاً يؤكدُ علي دورِ المرأةِ في المجتمعِ؛ لم يكن أي من الاختيارين عشوائياً ولا لأهلِ الثقةِ والنفاقِ علي حسابِ الكفاءةِ الفكريةِ والوظيفيةِ. اختياراتٌ هدفُها الصالحُ العامُ، لا محسوبيةَ ولا استيفاءَ لشكلٍ ولاخداعاً للرأي العامِ بظاهرٍ يُخفي باطنُه من الشرورِ الشئَ الكثيرَ.
كراسي المسئوليةِ توضحُ كيف يختارُ النظامُ رجالَه، أو نساءه، هل يُعلي الكفاءةَ أم انهم مجردُ صورٍ بلا مضمونٍ، تارةً من صغارِ السنِ، وتارةً من المراةِ، وتارة من الأقباطِ؛ ليس المهم الآداء، الأولويةُ للولاءِ وللتنفيذِ الحرفي للتعليماتِ الفوقيةِ، ويأتي الشكلُ فيما بعد. الفكرُ والرؤيةُ في عدادِ المنسياتِ، لا حاجةَ لهم، ألم يقل أحدُ الرؤساءِ السابقين أنه في غيرِ حاجةٍ للدستورِ حتي يحكمُ، الحقيقةُ أنه لا يحتاجُ المسئولين أيضاً، فهو الكلُ في الكلِ.
الواقعُ يشهدُ أننا أمامَ توليفةٍ من الذين وُضعوا علي كراسي، يتفقون في شئٍ واحدٍ وإن اختلفوا في الصفاتِ الشخصيةِ، الهدفُ من تعيينهم ثابتٌ، بينما يختلفُ الأسلوبُ. كلُهم بلا استثناءِ مثيرون للجدلِ ولقلةِ الراحةِ وللقيلِ والقالِ، للفورانِ وللغضبِ، في التعليمِ، القضاءِ، الجامعاتِ، التموينِ، المواصلاتِ، العمالةِ، المياهِ، الاسكانِ، الزراعةِ، الماليةِ، في كلِ نفسٍ. اختيارُهم يبدو وكأن الهدفَ منه لا يعدو إثارةَ القلاقلِ ولفتَ الانتباهِ العامِ، التخلصُ منهم بعد ذلك يكونُ عند تصاعدِ الغضبِ منهم وخروجِه عن سيطرتِهم، ساعاتُها يكونُ قرارُ كنسِهم وكأنه بطلُ السيما وشجيعُها ومنقذُ الغلابةِ.
إذا تفحصنا الصفاتِ الشخصيةَ لمن أُجلِسوا علي الكراسي سنجد أن منهم من يحققُُ القلاقلَ والتوترَ بأسلوبٍ متعففٍ في الحوارِ والتصرفاتِ دون أن أن تبدرَ انفلاتاتٌ سلوكيةٌ أو إداريةٌ مع العاملين، الطامةُ الكبري فيمن يصدقون أنهم علي مستوي عالٍ من المقدرةِ والموهبةِ والتفردِ ويعيشون دورَ الأهميةِ، يتكبرون، يبطشون، يسيئون الكلامَ والتصرفاتِ، ينفلتون من كلِه، ينسون أنهم علي كفِ كَنسةٍ.
من الطبيعي وهذا هو الحالُ، أن يكونَ التوترُ سيدٌُ الموقفِ، أن تُرفضَ كلُ القراراتِ التي تصدرُ عن الحكومةِ ومن يمثلونها في أي مكانِ. من الطبيعي أن تتلاشي الانجازاتُ وتتراكمَ المشاكلُ، طوابيرٌ، انقطاعٌ للمياهِ، غلاءٌ، سرقةٌ، ظلمٌ، حوادثٌ لكلِ ما يتحركُ علي البر والبحرِ وربنا يستر في الجو. من الطبيعي أن يغيمَ المستقبلُ وأن تتبددَ الأمالُ، من الطبيعي أن ينتحرَ الشعبُ في حوادثِ الطرقِ وفي البحارِ، من الطبيعي أن ينتحرَ من تفشلُ قواربُهم في الهربِ بهم. أوضاعٌ لا أعرفُ منها خلاصٌ ولا حلٌ لها في مخيلتي، اتسعَ الثقبُ علي الرتقِ، من علي الكراسي فيها غاطسون، لا يستطيعون التفاتاً، في أي اتجاهٍ، أرجلُهم لا تلامسُ الأرضَ.
كراسي، مشغولةٌ خاويةٌ؛ آآآه، أنينٌ ارتفعَ صوتُه، طال أمدُه،،

شاهدت في السينما



مطلوب Wanted
فيلم آخر مستوحى من سلسلة كثب "كوميكس" (واضح اننا فى موسم الصيف).
الفيلم مثير و يتبع القواعد الاساسية فى مثل هذه النوعية و لكنه مختلف عن اقرانه بسبب مخرجه الروسى تيمور بيكمامبيتوف الذى اخرج من قبل فيلم حارس ليلى Night Watch . فقد اضفى على الفيلم جو خاص يداعب خيال المشاهد و يستهويه الى جانب بعض الابتكارات المميزة و الفريدة فى الخدع البصرية بحيث يجذب المشاهد و لا يتركه الا مع نهاية الفيلم. أما انجلينا جولى فتبدو بشكلها و أدائها كما لو أنها قفزت من صفحات الكتاب الى الشاشة الفضية.
درجة الفيلم : 7,5 من عشرة


فارس الظلام The Dark Knight
جزء جديد من سلسلة افلام الرجل الوطواط Batman و هو الثاني على التوالى لنفس المخرج و نفس بعض الممثلين و بمشاركة نفس المؤلف. تم صنع الفيلم على نحو يحقق نجاحآ تجاريآ كبيرآ و يثفوق على سابقه و بالفعل حطم الارقام القياسية للايرادات و لا يزال.
يعتمد الفيلم على الابهار البصرى و العصبى بواسطة خدع تؤثر على النظر و ايقاع سريع عن طريق المونتاج و لكنه تمادى فى ذلك فأفسد متعة المشاهدة و التركيز الى جانب سؤ المونتاج و التصوير فى بعض الأحيان مع تقديم أنماط رأيناها من قبل.
أميز ما فى الفيلم شخصية الجوكر التى أداها الممثل الأسترالى الراحل هيث ليدجر باقتدار ليكون اخر أدواره أفضلها.
درجة الفيلم : 6,5 من عشرة


آسف على الإزعاج Sorry 4 the disturbance
محاولة لا بأس بها لعمل نوعية جديدة من الأفلام مقتبسة كالعادة من أكثر من فيلم أجنبى مشهور و مقدمة بنكهة مصرية.
هذه النوعية تحتاج الى سيناريو مقنع و اخراج غير معتاد افتقدناهما فى هذا الفيلم.
لا شك أن هناك بعض الاايجابيات فى الفيلم و لكنها ليست كثيرة.
أحمد حلمى يتمتع بحضور جيد و أدى فى حدود خبرته بمثل هذه الأدوار المركبه الصعبة.
الفيلم لم يزعجنى و لكنه ايضآ لم يسعدنى.


مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى الرابع و العشرون
شهد مهرجان هذا العام تحسنآ طفيفآ من حيث اختيار اماكن العرض , من حيث المطبوعات (خاصة ما يخص اللغة الانجليزيه ) و من حيث كلمات و تصريحات المسؤلين عنه .
و لكنه ما زال يعانى من العيوب الأزلية مثل تغيير و الغاء العروض دون سابق انذار , عدم توافر البرنامج الشامل و النشرات والمطبوعات فى اماكن العرض , اصدار كتالوج لا يحتوى على كل الأفلام ( 50 فيلمآ فقط من اجمالى 80 ) , عدم وجود افلام هامة ذات شهرة عالمية فى البرنامج و أخيرآ و ليس اخرآ عدم الاهتمام بالمشاهد كأن المهرجان لا يعنيه ذلك.
المطلوب جهدآ أكبر من كتاب و نقاد السينما فى تنمية الثقافة السينمائية للمشاهد.
مع أطيب التمنيات للمهرجان فى عيده الفضى.

مهندس / دانيال تانيليان - سكندرى عاشق للسينما ومحب للفنون

الخميس، 28 أغسطس 2008

الدينُ للهِ


عناوينٌ ساخنةٌ لأيامٍ، فلانٌ أسلمَ، فلانٌ تنصرَ، تَبارٌ في إبرازِ الخبرِ، علي الصفحاتِ الورقيةِ والإلكترونيةِ، بهدفِ التوزيعِ، الإثارةِ، التشفي. فرصةٌ سانحةٌ لأقطابِ التعصبِ، إزكاءُ نيرانٍ جائعةٍ شرهةٍ، ما أحلي الصورِ العابثةِ المُكفهرةِ المُشوحةِ المُلوحةِ. مع شهوةِ التهييجِ يضيعُ أي منطقٍ، تتوه الحقيقةُ، تشيعُ الاتهاماتُ والتهديدُ، تُنثرُ الفتاوي أمطاراً.دياناتٌ مستقرةٌ منذ مئاتِ السنين ماذا يضيرُها لو خرجَ البعضُ منها؟ ماذا تكسِبُ ديانةٌ من منافقٍ منتسبٍ لها اسماً؟ ما الضيرُ لو كان الخروجُ من ديانةٍ سماويةٍ لأخري سماويةٍ؟ أوليست كلُها من عند ربٍ واحدٍ يستحيلُ أن يخطئ في أي منهما؟ ولو كان الخروجُ من ديانةٍ سماويةٍ إلي أي مذهبٍ آخر أليس اللهُ بقادرٍ علي الحسابِ؟ أهو بحاجةٍ لبشرٍ فانٍ كي يُنفِذُ إرادَته ومشيئتَه؟ الإبقاءُ علي مُكرهين في أيةِ ديانةٍ يُغَيبُ عنها صفةَ الإقناعِ والتعقلِ والحريةِ والمنطقِ، يَبني جيوشاً من المنافقين، العابثين باسمِ الدينِ، المُسيئين له بالفعلِ والقولِ. ليخرجُ من أيةِ ديانةٍ من يخرجُ، خيرٌ من أن يبقي وهو غائبٌ، من أن يُحسَبُ عدداً علي نقصانِه. تغيرَ الزمنُ، وسائلُ الاتصالِ الحديثةُ يَسرَت تناقلَ المعلوماتِ، طوفانٌ هائلٌ منها يُتناقلُ عبر الانترنت، مواقعٌ الكترونيةٌ وصحفٌ تمورُ بكل ما يملأ العقولَ، بلا حاجةٍ لرجالِ وعظٍ، ما أيسرُ الوصولِ لما يُغيرُ الفكرَ بدونِهم، بمجردِ القراءةِ الشخصيةِ. أهلُ كلِ ديانةٍ دُعاةٌ لها بما يحققونه من تفوقٍ، علمياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، بقدرِ تدهورِ حالِهم يكونُ التسربُ منها. في الماضي كانت الحقائقُ بلا شهودٍ، ما تطلبَ عقوداً لتَثبُت مجافاتُه للمنطقِ لم يعُد بحاجةٍ إلا لأيامِ أو شهورٍ. الخطبُ المرسلةُ والإحصاءاتُ المُفبركةُ عن الانجازاتِ التي ينسبُها كلٌ لديانتِه ما عادَ لها آذانٌ عاقلةٌ واعيةٌ، العبرةُ بالواقعِ المُعاشِ، بالنجاحِ في الحياةِ، لا بالفشلِ فيها انتظاراً لمستقبلٍ موعودٍ.تجاربُ الماضي أثبتت أن الفتنَ كانت في كثيرٍ منها بخبثِ المنافقين، افتعلوا أحداثاً وأقوالاً نشرَت البلبلةَ والفرقةَ، ليُترَك من يريدُ مفارقةَ ديانةٍ، مسئوليتُه أمامَ خالقِه، هو الأقدرُ علي حسابِه. لا تباهي و لا حزن بدخولِ فلانٍ وخروجِ عِلانٍ، البابُ واسعٌ، يمرُ منه بدلُ الجملِ فيلٌ وفيلٌ وفيلٌ،،

الجودة في التعليم .. الصراحة راحة وأمانة


تنشط منذ فترة "حركات" بمسمي تجويد التعليم، تُزود بالوسائل الإعلامية اللازمة لإظهارها، مرئية ومسموعة ومكتوبة. ولما كان التعليم جدٌ لا هزلَ فيه، فإنه من الضروري أن نتناول ما يثار عن تجويده ومدي إمكان ذلك، هذا علماً بأنني كنت أول من نشر ترتيب الجامعات الخمسمائة الأكثر كفاءة علي مستوي العالم، وذلك في مقالين أحدهما بصفحة الشباب والتعليم بأهرام 31/1/2005 والآخر بجريدة الوفد بتاريخ 11/12/2004، ولن أتعرض لطمس اسمي في النشر بالأهرام مع ما في ذلك من مدلولات.بداية، الجودة في التعليم الجامعي تحديداً تهدف إلي "إنتاج" خريج قادر بما تعلمه علي إفادة واقعه وعلي التأقلم مع متغيراته ومستجداته، الإفادة تكون بحسن أداء العمل وبالقدرة علي تطويره، والتأقلم يكون بالقابلية لتعلم المزيد والخروج من أُطر القوالب الجامدة والفهلوة. الجودة في "إنتاج" الخريج لا تأتي مصادفة، لكنها من صنع بيئة اجتماعية لاعوج فيها ومناخ علمي سوي وبالقطع واقع سياسي فيه الرؤية والإخلاص وصدق التوجه.البيئة الاجتماعية التي تقدر العلم وتحترمه ترفض الخرافات والخزعبلات، تهئ الطالب نفسياً لتلقي العلم. واقعنا الاجتماعي يستحيل أن يؤدي هذه المهمة، لانخفاض الدخول وتفشي البطالة، وهو ما يشتت الاهتمام بالعلم لصالح السعي للرزق، الطالب إما يعمل أو لا يجد ما يسد مصروفات تعليمه، وفي كلا الحالين يتعثر. ومع مأساة الثانوية العامة وحشر الطلاب في دراسات لا يرغبونها أو لا يقدرون عليها نشأت مشكلة الكراهية المتبادلة بين الطالب والمؤسسة التعليمية، تحولت بالتالي العملية التعليمية إلي مجرد شكل، طالب في مكان يُفترض فيه العلم، يدخله ويخرج منه بعد أعوام لا حدود لها بلا علم حقيقي. الطالب "الخامة" دُفِع لمؤسسة تعليمية دون أن يكون مستعداً لها أو راغباً فيها أو قادراً عليها، من المستحيل في أغلب الأحوال أن يُنتج أو يطمح في مستقبل تُعتمه أشباح البطالة وتدني الأجور.من الناحية العلمية، فإن المؤسسة التعليمية عليلة، أعضاء هيئات التدريس يكفون بالكاد معيشتهم، يتقلبون في كل مكان يزيد دخلهم، بالمخالفة للقوانين، بتراخي إدارات الكليات. الثوابت الإدارية انهارت، هناك من يجمع بين وظيفتين، هناك من يتغيب، هناك من يحضر ويؤدي بالحد الأدني، علي مرآي ومسمع من إدارات جامعية مشغولة بهموم المد لها أو تصعيدها. كيف تكون الجودة إذن والعنصر البشري المطلوب منه تنفيذها لا يعترف بها ولا يثق في صدقها؟ أعضاء هيئات التدريس بالجامعات عازفون عنها، متباعدون عن إدارات الكليات، عمداء الكليات ووكلاؤها مسيرون في "حركات" الجودة. أما المعامل والمكتبات، وهي من أركان العملية التعليمية والبحثية فلا وجود لها، قاعات جوفاء فارغة إلا من أجهزة تهالكت وكتب اصفرت بفعل الزمن. انحصرت الجودة في استيفاء أوراق واستمارات، لتلميع صورة العمداء ووكلائها ومن فوقهم وتصعيد من وجدوا فيها طريقاً لترقية فشلوا فيها علمياً، جودة ورقية ينقصها التعليم الذي أنشئت من أجله!!أما الواقع السياسي، فما أكثر ما طرح من شعارات مثل إعطاء الفرص للشباب، واختيار الوزراء ممن يجيدون اللغات، والنهوض بالمرأة والطفل، والحفاظ علي حقوق الطبقة الكادحة، وتطوير الصناعة والزراعة، ما أكثر ما أعلن عن افتتاح مشروعات وطرق وكباري، وغيره وغيره. العائد ظهرت فيه فائدة لأقلية مقصودة مع بطالة مستمرة للشباب والكبار وهروب جماعي عبر البحار والصحاري وارتفاع في الأسعار وبيع للأصول فكاً الديون وتعثر لمشاريع أُنفقت عليها ملايين الجنيهات. الشعارات لم تجد صدي لأنها لم تحقق ما وعدت به لعقود، لماذا إذن يُصدق شعار "حركة" الجودة؟ لماذا لا يكون موضة مثل ما سبقه؟ لماذا لا يكون وسيلة للإلهاء لا للتجويد؟ ما الذي يدفع أعضاء هيئات التدريس للتجاوب معه وهم مهمشون مبعدون محاربون؟تجويد التعليم هدفٌ عظيمٌ، لكن الفاصل بين تحقيقه والتغني به وملء استماراته واسع جداً. من الضروري البدء بتوفير مقومات الجودة من إصلاح أحوال البنية البشرية من أعضاء هيئات تدريس ومعاونيهم وتوفير المكتبات والمعامل بما تفرضه من ميزانيات بدلاً من تبديد القليل المتاح منها علي "حركات" الجودة ومهرجاناتها وشعاراتها. يستحيل أن تكون الجودة بالمجان، وحتي لو توفر المال فإنه لن يحققها إلا بتضافر كل العناصر من بيئة بشرية راضية مقتنعة ومعامل ومكتبات ومناخ يحترم العلم ويقدره. الصراحة واجب ديني واجتماعي وعلمي، لا يعترف بها مثيروا الشعارات، ينسون ما سبق وأطلقوه، وحدهم ينسون، ويتناسون، الواقع شديد الوضوح، ابحثوا فيه عن الجودة، لعلكم تجدوها، في أي مجال، بعد عقد، بعد قرن، العالم لن ينتظر، لقد حققها ويجودها،،

أخفض رأسك يا ...


ارفع رأسك يا أخي، شعارٌ رفعته الثورةُ وأفردت له مساحات واسعة من المقالات والمؤتمرات والمسلسلات والأفلام علي مدار عقود؛ واقعاً لم ير منه المصريون إلا قمعاً وقهراً ومذلة، كشف عنها بوضوح ردود أفعالهم الشامتة في حريق مجلس الشوري وتندرهم بأن أعضاءه لم يكونوا بالداخل في أحضان النيران. رسالةٌ شديدةُ الإيحاء تجاهلها كالمعتاد الإعلامُ الحكومي المشغولُ بالتعمية علي كل المآسى وتحويل الأنظار عنها إلي أي شئ آخر، تافه كان أو ملفق؛ إعلامٌ عمي عن اعتصامات المعلمين وتذمرهم وهتافاتهم وصورهم تلاميذاً في قاعات الامتحان.
معلمون متذمرون، أساتذة جامعات غاضبون، قضاة ساخطون، عمال ثائرون، شعبٌ في حالة من الفوران الشديد، بفعل تصرفات من يوضعون علي كراسي السلطة ليس إلا للإلهاء العام؛ شُغلت الكراسي بمن لا يتمتعون إلا بعشقها، لا مقدرة حقيقية ولا رؤية إلا في كيفية الولاء والاستمرار، لا مانع من جموح ألسنتهم وفلتان تصرفاتهم، طالما أن الكل في حالة توهان وانشغال وقلق وتوتر. الإعلام المستقل والمعارض يتعرض لاتهامات الخيانة وقلة النظر والتآمر علي الإنجازات من شاكلة بكين.
كيف ترفع رأسك وعليها من سُلطوا عمداً لإسكاتك وإخراسك؟ كيف ترفع رأسك وأنت خاو البطن وبلا عمل؟ كيف ترفع رأسك وأنت في طوابير وطوابير؟ كيف ترفع رأسك وأنت مكتوم الأنفاس مُكمم مُكبل؟ كيف ترفع رأسك وموتاك في أعماق البحار التهمتهم الأسماك بأكثر مما كانت تحلم أو تتمني؟ إعلام الحكومة ينشر مطالبات وزارة الخارجية للسفراء الأجانب بضرورة الرفق بالمصريين، أولا يكونُ الرفق بهم في الداخل سابقاً؟
علمنا التاريخ أن الشعوب المقهورة لا تنتصر، تسقط من الداخل أولاً، ينخر فيها الفساد حتي تتهاوي. القهرُ لا يورثُ إلا النقمة والغضب، دعاء المقهورين يتلخصُ في الانتقام الإلهي من الذين أحبطوا أحلامهم ووأدوا حياتهم، يتشفون في فشلهم ومرضهم، الوطن يفقد عندهم معناه، ليس إلا جحراً، خرابة، لا انتماءَ له ولا حب. من علي الكراسي يتصورن في غيهم أنهم مؤبدون، ينسون من غفلتهم السقوط، لكنه يضعهم في أولوياته.
لو رفعت راسك ستفقدها أو ستلتهمك بلاعة، خليها تحت، لسلامتك، تروح البلد في داهية، هكذا يقولون،،

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

مصر في بكين..


حياة مُغمي عليها، مُمدةٌ علي الأرض، شخصٌ يحاولُ إفاقتها، صورةٌ تصدرت صحفاً عدة، قيل أنها لاعبةُ مصارعة مصرية، ترتدي مثل المصارعين، من الواضح أنها أُدخلت مسابقةً لم يُعملْ حسابُها كما ينبغي، لم تُعرف قيمةُ المنافسين، خرجت من المنافسة بعد دقيقتين، صوروا لها أن المكسبَ يكون بالسبعة آلاف سنة حضارة وبالريادة وبالمصريين أهمة!! حياة هي مصر، "مسخسخة" "مسورقة" ، لكن في لحظات الفوقان تتصور أنها الكل في الكل وأنها فوق الكل، هلوسةٌ.
مصر في محنة، بمن يحكموها وبمن يُحكمون، سقوط حياة بين الحياة والموت يلخص الحال، يشخصه، بصراحة غائبة عن الجميع، بوضوح غام تحت خزعبلات من تصريحات مخادعة وأوهام عن انتصارات وتفوق، بلا اساس من علم أو واقع. من يتولون المسئولية من علي كراسي السلطة لا يبتكرون إلا في اختراع شعارات ومفردات لامعة، أيسرُ لاستمرارهم فوق، لا تخطيط ولا إعداد، الفشلُ يُنسي بعد حين، يُعتادُ عليه باعتباره أساسُ حياة، ركنٌ أساسيٌ فيها، ليس بمستغرب أن تكون الاخفاقات يومية، سياسة واقتصاد واجتماع، صناعة وزراعة، تعليم وصحة، من كل لون ونوع، قبل بكين وبعدها، العضويةُ الدائمةُ بمجلس الأمن قادمةٌ متوعدةٌ. في ظل غياب نظام يقوم علي محاسبة من يحكمون تسير الأمور في اتجاه واحد، كيف يكون الاستمرار في السلطة. المحاكمة الشعبية والإعلامية غير مطروحة، غير واردة، السياسات الوحيدة تدور حول التأكيد علي البقاء، لأطول مدة. من يُعينون لا يُشترط فيهم سوي عشق الكرسي، الكفاءةُ والرؤيةُ والأخلاقيات لا محل لها في مسوغات التعيين، لا غرابة في الخناقات علي الأسفار والبدلات وترتيب الجلوس علي الموائد وفي القاعات، لا عجب من التصرفات العنترية وفلتان اللسان، كله حلو طالما انشغل الجميع، طالما اتسعت قاعدةُ الانشغال، الإلهاءُ العامُ.
المحكومون ليسوا بأفضل حال، شركاءٌ هم في مُعاناة مصر، يستأهلون ما يتعرضون له، يُلدغون من نفس الجحر مرة بعد المرة، لا يتعظون ولا يتعقلون، شركات توظيف الأموال بمسميات دينية تناوبت عليهم، امتصتهم وعصرتهم، تماماً مثل حكومات سُلطت عليهم. إنهم يحصرون أملهم في الخلاص، أي خلاص، في الدعاء واللعنات، لا عمل ولا جهد ولا مشقة، قيمُ العمل واتقانُه من النوادر، حلت الفهلوة محل التفكير واعمال العقل، أزاح الغشُ الأمانة في سائر التعاملات، اللبانُ أصبح من العملات، صورةٌ من صور الاستغلال اليومي؛ لقد غلبهم اليأسُ، دفعهم إلي الانتحار غرقاً، إلي الانجراف خلف شعارات تعود بهم إلي كهوف تطرف لا يرحم ولا يتسامح، فيه هلاكهم، دمار مصر. لو كان في العمل اتقانٌ وتفان وعرقٌ ما سخسخت حياة من أول مسكة، ما كانت نكتة مبكية في عالم الكبار. شعبٌ يستخف به حاكموه، يرون أنه سببُ كل اخفاق، أنه يتوالدُ بلا وعي، أنه غير واع، لا يدركُ صالحه، يستهترون به، يستحقُ ما يتعرض له، طالما لم يسع لتغيير واقعه المر.
بكين، عالمُ اليوم، واسعٌ، طاحنٌ، لا مكان فيه لضعيف، فهلوي، فتك، متواكل، مُغيب، لحياة نزلت في مضمار ليس لها، لمن ألقوها في التهلكة بجهل وأنانية، للأسف ورطة حياة فضحت ورطة أكبر، بكثير، جداً جداً جداً،،