الأحد، 21 سبتمبر 2008

الحكومةُ الإلكترونيةُ


القريةُ الذكيةُ، مركزُ نشاطِ الحكومةِ، حكومةٌ إلكترونيةٌ نسبةٌ لمن يترأسُها. الذكاءُ الإلكتروني هو اِنجازُ الأعمالِ باستخدامِ تكنولوجيا الحاسباتِ الإلكترونيةِ من خلالِ البطاقاتِ الذكيةِ، ومن أمثلتِها بطاقاتُ السحبِ الآلي بالبنوكِ. من سِماتِ نظمِ التعاملِ الذكي التقليلُ إلي أبعد حدٍ من الاعتمادِ علي موظفين، فالمعاملاتُ تتمُ بين طالبِ الخدمةِ والحاسبِ الإلكتروني، سواء كان ألةَ حجزِ تذاكرِ أو استخراجِ شهاداتٍ وغيره وغيره. يوجدُ أيضاً المكتبُ الذكي والمنزل الذكي، حيث تُضاءُ الأضواءُ في أوقاتٍ محددةٍ ويتمُ تشغيلُ الأجهزةَ المنزليةَ بنظامٍ مُعينٍ وفقاً لبرامجٍ يُغذي بها الحاسبُ اللإلكتروني القائمُ علي إدارةِ منظومةِ العملِ. من الطبيعي أن يكون العملُ في المصانعِ كافة قائماً علي الإنسانِ الآلي الذي لا يكلُ ولا يملُ ولا يعرفُ وردياتٍ ولا حوافزاً ولا اعتصاماتٍ ولا اضراباتٍ.
كلامٌ جميلٌ فخيمٌ، أين حكومتُنا الإلكترونيةُ منه؟ سمِعنا عن بطاقاتِ التموينِ الذكيةِ، عن توزيعِ الخبزِ إلكترونياً، عن الحجزِ منزلياً في السككِ الحديديةِ والطيرانِ؛ حلو، لم نرْ شيئاً حقيقياً سوي طوابيرِ عيشٍ، قطارتٍ تتعطلُ ومحطاتِ سككٍ حديديةٍٍ لا تصلحُ للاستخدامِ الأدمي، طائراتٍ لا تقومُ في مواعيدِها، انتاجٍ بالحدِ الأدني. هل تجارةُ الأراضي التي تُمارسُها الدولةُ قبل الأفرادِ تدخلُ في بندِ النشاطِ المُستجدِ للحكومةِ الإلكترونيةِ؟ مستحيلٌ، فهي تجارةٌ قديمةٌ تقومُ علي الفتاكةِ والفهلوةِ.
أين إذاً الحكومةُ الإلكترونيةُ؟ الإجابةُ سهلةٌ واضحةٌ، لننظرُ إلي المواقعِ الإلكترونيةِ التي تُقدمُ الآراءَ ووجهاتِ النظرِ التي تحجبُها صحافةُ الحكومةِ الإلكترونيةِ، التعليقاتُ علي المقالاتِ الناقدةِ لها تكونُ بأقلامِ مرتزقتِها الذين يتعيشون علي فُتاتِها، مدفوعين للتعليقِ بالسبابِ تبريراً لخطاياها. الحكومةُ الإلكترونيةُ حلَت مشكلةَ بطالةِ الشبابِ بإجلاسِهم علي مقاهي الإنترنت لمتابعةِ ما يُكتبُ في مواقعِ الرأي الإلكترونيةِ، مدوناتٌ كانت أو صحفٌ، وظيفتُهم الردُ بأكلاشيهاتٍ ثابتةٍ علي ما يُنشرُ، ومع ضحالةِ ردودِهم وبغبغتِهم في كلِ المواقعِ ومع سوءِ سلوكٍ تدربوا عليه أصبحَ ما يرصون محفوظاً ممجوجاً مستهجناً فاضحاً للحكومةِ الإلكترونيةِ التي فشلَت في كل ما هو إلكتروني بحق، لم تُحدِثْ، لم تُطورْ، لم تُنظِفْ، لم تُخطِطْ، فقط أجلسَت شباباً بائساً علي مقاهي الإنترنت، كفاية عليها.
نموذجٌ لإدارةِ شئون الحكمِ يقومُ علي استخدامِ ألفاظٍ فخمةٍ لانجازاتٍ عدميةٍ، حكومةٌ إلكترونيةٌ أصبحَت مثارَ تندرٍ بكل من يمثلونها من أشخاصٍ وما يخرجُ عنهم من شطحاتٍ في المسلكِ والعملِ. إذا كانت هذه الحكومةُ إلكترونيةً، فماذا تكون الحكومةُ الأمريكيةُ واليابانيةُ والاسرائيليةُ والتايوانيةُ والماليزيةُ؟ لا أجدُ وصفاً غير الألبنديةِ نسبةً إلي الألبندا، الإلكترونيةُ واسعة زيادة، تُذكِرُ بأبهي العصورِ، بالشفافيةِ، سيادةِ القانونِ، الفرصِ للشبابِ،...، كفاية، مش ناقصة،،

الخميس، 18 سبتمبر 2008

الكذبُ والإدارةُ


الإدارةُ، فنُ تسييرِ العملِ في إطارِ القوانينِ واللوائحِ وأيضاً في حدودِ القواعدِ السلوكيةِ والأخلاقيةِ، بمعني أنه عند تطبيقِ القوانينِ واللوائحِ فمن الضروري أن يكونَ الهدفُ منها صالحَ العملِ، لا إضرارَ باشخاصٍ بعينهم أو تقريبَ البعضِ علي حسابِ زملائهم مع تفادي المكائدِ والدسائسِ والإيقاعِ بين زملاءِ العملِ. العملُ الإداري متعددُ المستوياتِ بدءاً من رئيسِ الوزراءِ مروراً بالوزراءِ وغيرِهم وغيرِهم.
مع شيوعِ مبدأ اسنادِ الكراسي الإداريةِ لأشخاصٍ تتوفرُ فيهم صفاتٌ شخصيةٌ أكثرُ منها إداريةٍ، سادَت في العملِ الإداري سلوكياتُ لا تقيمُ اعتباراً لأخلاقياتِ الزمالةِ ولوجوبِ اكتسابِ احترامِ المرؤوسين والزملاءِ، من الطبيعي أن يكذبَ رئيسُ العملِ، أن يدعي فعلَه كذا وكذا لمصلحةِ موظفٍ أو جهةِ عملٍ، وهو واقعاً لم يفعلْ أو فعلَ العكسَ تماماً. من المعتادِ في رئيسِ العملِ أن يسبَ وينضحَ لسانُه بكلِ ما بداخلِه من مثالبِ سلوكيةٍ ونفسية. النفاقُ وانعدامُ الرأي الذي يبديه رئيسُ العملِ لمن بيدِه المدُ له أو ترقيتُه يتناقضُ تماماً مع ما يبديه من فظاظاتٍ مع المحيطين به.
الوزراءُ علي سبيلِ المثالِ، لا يعنيهم إلا رضاءَ من عينهم، يُسرفون في التصريحاتِ التي لا يساندُها واقعٌ، منهم من يُثيرُ السخطَ العامَ باعتبارِه أحدِ مسبباتِ إبقائه، علي الأقلِ من وجهةِ نظرِه. لم يُنسْ بعد هتافُ فاشل، فاشل الذي ردَدَه المعلمون في وجهِ الوزيرِ، هتافٌ لا يتعلقُ بالوزيرِ وحدِه لكنه ضد نظامٍ كاملٍ يقومُ علي اختيارِ عناصرٍ يستحيلُ أن تؤدي في ظلِ مناخٍ عامٍ من الاحباطِ والفسادِ وقلةِ الحيلةِ علي مستوي الدولةِ والشعبِ، إضافةً إلي صفاتِها الشخصيةِ التي تجعلُ قبولَها علي مستوي العلاقاتِ الاجتماعيةِ مستحيلاً فما بالك علي مستوي العملِ.
للأسفِ، يتربعُ الكذبُ علي قائمةِ السلوكياتِ المرزولةِ التي اجتاحَت العملَ الإداري علي كافةِ مستوياتِه، يتناقلُه الإعلامُ وجهاتُ العملِ والمجتمعُ كلُه. مجتمعٌ اعتادَ الكذبَ فصارَ سلوكاً مألوفاً، لا يثيرُ الغضبَ، بل يجدُ التفهمَ، يمارسُه ببراعةٍ من غزا الشيبُ مفرِقَهم ومن المؤكدِ أن يورثونَه ولو حضوا علي الصراحةِ وادعوا غرسَها. عندما يُقابلك رئيسك أنا أرسلت لك الدعوةَ الفلانيةَ ولم تجدْها، فاعرف أنه يكذب عليك وأنه سبقَك بالكلامِ حتي لا تحرِجُه بعتابِك له علي تخطيك، هو لا يجدُ في الكذبِ غضاضةً بل يعتبرُه مهارةً ونصاحةً وسرعةِ بديهةٍ، الكذبُ أصبحَ مرادفاً لها. عندما يدعي رئيسك أن سمعَ عن رئيسِه كذا وكذا وكذا فاعلم أنه كاذبٌ وأنه يريدُ إضفاءَ مصداقيةٍ يفتقدُها في شخصِه وأقوالِه.
كارثةٌ والله، نظامٌ إداري تاجُه الكذبُ، الدويقة وقبلُها العبارةُ أبسطُ نتائجِه،،

الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

ومالت الشجرتان..


أحرصُ منذ سنواتٍ علي صلاة الجمعةِ، نشاطٌ ديني وثقافي واجتماعي، أحسُ معه بأنني وسطُ البشرِ، أشعرُ بهم وأراهم، علي حقيقتِهم، ولو ادعي بعضُهم ورعاً ليس في طبعِه ولا في تصرفاتِه. أحياناً تكونُ الراحةُ النفسيةُ محصلةَ الجمعةِ، لكن ما أكثرَ ما خرجتُ منها بعدمِ سعادةٍ وبخجلٍ. أخجلُ من إمامٍ يجعلُ هدفَ الخطبةِ التهجمِ علي أبناءِ الدياناتِ الأخري وادعاءِ فهمِ معتقداتِهم أكثرَ منهم، كأن اللهَ أتي بها عبثاً ليُلهي بعضاً من الناسِ لا ليهديهم، ليلغيها ويغيرها بعد فترةٍ، ويزدادُ أسفي عندما يعلو صوتُ الميكروفون بالسبابِ والنعوتِ الحيوانيةِ المعروفةِ. هل خطبةُ الجمعةِ بهذا المفهومِ تحضُ علي الخيرِ والتآخي والتعايشِ؟ قطعاً لا، خاصةً وأن كلَ ما يُقالُ ينتشرُ، وتأتي ردودُ أفعالِه في صورةِ تنافرٍ وبغضاءٍ وإساءةٍ للخطيبِ من هذه الشاكلةِ ولمستمعيه تَلحقُ بديانتِهم بلا وجهِ حقٍ.
أما عدمُ السعادةِ فيأتي مما أسمعُ من أحاديثٍ لا تنضِبُ ولا يجِفُ مصدرُها، أواظبُ علي الجمعةِ منذُ سنواتٍ طوالٍ، ولا تكُفُ الأحاديثُ عن الظهورِ، لأولِ مرةٍ، مُستجدةٌ، مُستحدَثةٌ، كيف ومن أين؟ اللهُ والخطيبُ أعلمُ. أخرُ تلك الأحاديثِ ظلَ عالقاً بذهني ودفعني لكتابةِ هذا المقال الذي كان أسيرَ خاطري رافضاً الخروجِ، مفضلاً الصمتِ حتي تعذرَ واستحالَ. قال الخطيبُ أن النبي، صلي الله عليه وسلم، لما أرادَ قضاءَ حاجتِه في الصحراءِ اقتربَت منه شجرتان ومالتا حتي تُظللا عليه حتي قضي حاجتَه ثم استقامتا وتباعدتا. لم أفهم المغزي من الحديثِ، هل هو معجزةٌ؟ علي ما يحضُ؟ وهل تقتربُ منه شجرتان كلما أرادَ صلي اللهُ عليه وسلم قضاءَ حاجتِه؟ ذكرني هذا الحديثُ بأخرٍ لخطيب أخرٍ، إذ قالَ أن النبي صلي اللهُ عليه وسلمَ قالَ مِثلُ المؤمنين كشعرةٍ بيضاءٍ في ثورٍ أسودٍ أو كشعرةٍ سوداءٍ في ثورٍ أبيضٍ. لا تعليقَ مني، فكلٌ وما يأتي به خاطرُه.
مثلان لحديثين، غيرُها كثيرٌ، بعضُهما خطيرٌ فيما يدعو إليه من عنفٍ وتجاوزٍ لأعرافٍ اجتماعيةٍ مستقرةٍ، لن أرددُ ما وردَ بها، فهي مثارٌ للعديدِ والعديدِ من القضايا والفتاوي والبرامجِ الإعلاميةِ المتلهفةِ، ليس في عالمِنا بل في العالمِ كلِه، منها تخرجُ ردودُ الأفعالِ التي تحكمُ السياسةَ العالميةَ وبها تندفعُ تحركاتُ الجماعاتِ التي تعتبرُ الأحاديثَ َمن المسلماتِ واجبةِ الطاعةِ أياً كان مصدرُها.
الأمرُ جدٌ، الفضائياتُ أذاعَت ما كان مجهولاً منكوراً، ليس إماماً في جامعٍ أو زاويةٍ علي ملأٍ من عشراتٍ أو مئاتٍ، بل ملايينٌ من المصدقين ومثلهم من المتربصين. ومع غيابِ المرجعيةِ الإسلاميةِ الواحدةِ والتشتتِ المذهبي، ومع التلهفِ علي الشهرةِ والتربحِ علي مستوي الخطباءِ والإعلام بأنواعِه، أصبحَ من المستحيلِ وقفُ طوفانِ ما يُظهرُ بطنُ الغيبِ من أحاديثٍ.
لاغرابةَ فيما حلَ بالعالمِ الإسلامي من توهانٍ، فلا هو راغبٌ في تصحيحِ نفسِه، ولا هو بقادرٍ إن رغِبَ؛ أزمةُ فكرٍ وثقافةٍ، يشدهما الجمودُ بأقوي من مؤثراتِ عصرٍ لا مكانَ فيه لمن انغلقَ وتقوقعَ متصوراً أنه يملكُ مفاتيحَ الصوابِ والحقيقةِ وما عداه خارجَ الملةِ،،

كياناتٌ هشةٌ


استولَت حماسُ علي غزةِ، دبرَت بليلٍ، اتفقَت علي التآخي نهاراً، ألقَت الأشقاءَ من أسطحِ المنازلِ لما حانَت ساعةُ الانقضاضِ والاستيلاءِ. غزةُ ليسَت مجردَ قطاعٍ صغيرٍ، إنها الواقعُ العربي والإسلامي، دولٌ علي الورقِ، حكوماتٌ، وزراءٌ ومسئولون، مجالسٌ، استيفاءٌ لشكلٍ، السيطرةُ ليست لهم، ليست لمفهومِ الدولةِ. تجمعاتٌ تحتَ الأرضِ، تخططُ وتدبرُ وسطَ خيوطِ العناكبِ ومغاراتِ الثعابينِ، في اليمن، السعودية، لبنان، مصر، الجزائر، دول الخليجِ، الصومال، باكستان، إن لم يكن التدبيرُ علي مستوي الدولةِ فهو مُركزٌ في مدينةٍ تُختارُ مركزاً، حدَثَ في غزةِ، يحدُثُ في الإسكندريةِ بمصر. الكياناتُ العربيةُ والإسلاميةُ المنتسبةُ لعالمِ الدولِ تفتقرُ إلي مقوماتِ وجودِها واستمرارِها. مرافقُها من مياهٍ وكهرباءٍ ومواصلاتٍ متهالكةٌ، متقطعةٌ، عتيقةٌ. قوانينُها في أجازةٍ لصالحِ أهلِ السلطةِ والحظوةِ. الفرصُ كلُها لدائرةٍ ضيقةٍ من المنتفعين بالأنظمةِ العاملين علي خدمتِها. الجيوشُ لخدمةِ استمرارِ الحكمِ، لا الوطنَ. لا صناعةَ بمفهومِها الصحيحِ ولا زراعةَ تسدُ الرمقَ، اقتصاداتٌ طفيليةٌ، عالةٌ علي عالمٍ لا يحترمُ إلا من يبتكرُ وينتجُ. مفهومُ الوطنِ ضاعَ، بين جماعاتٍ لا تعترفُ إلا بالانتماءِ الديني وأنظمةٍ لا تستهدفٌ إلا بقاءَها ولو علي الخرائبِ. لم تصمدُ هذه الكياناتُ الهشةُ لأي اختبارٍ، علي مدارِ تاريخٍ طويلٍ من الانكساراتِ والهزائمِ، مؤخراً سقطَ العراقُ، تفتَت في الصراعاتِ المذهبيةِ والعرقيةِ، كأنها الفرصةُ المنشودةُ للتآكلِ. في لبنان رُحِلَ من سَموا أنفسَهم المناضلين المحررين، اِختفوا وظلَت الدولةُ ضعيفةً رخوةً. الدولُ العربيةُ والإسلاميةُ، كلُها نفس الحالةِ، تجمعاتٌ علي مساحاتٍ جغرافيةٍ، لا سيطرةَ للدولةِ إلا علي أجزاءٍ منها، الباقي تحكُمُه القبائلُ والعصبياتُ بالأمرِ الواقعِ ووضعِ اليدِ، العشائرُ في العراقِ، البدو في سيناء والصحراءِ الغربيةِ بمصر وأيضاً العصبياتٌ في الوجهِ القبلي. الاِسمُ لقانونِ الدولةِ، بغيرِ مسمي، السيطرةُ الفعليةُ للأعرافِ القبليةِ والمذهبيةِ والطائفيةِ. كياناتٌ تفتقدُ التجانسَ الثقافي والاجتماعي، متنافرةٌ متكارهةٌ.لم يعملُ أي نظامِ حكمٍ علي إذابةِ كياناتِ المجتمعِ في بعضِها، علي توحيدِها، الاهتمامُ الوحيدُ لكيفيةِ البقاءِ والاستحواذِ والاستمرارِ. كذلك المعارضون، يرفعون شعاراتِ الجهادِ والقتالِ، أبداً، يزايدون بضربِ الفسادِ وهم جزءٌ منه، يتفننون في جرِ المهاوويسِ.ضعفُ الكياناتِ العربيةِ والإسلاميةِ بادٍ واضحٍ، مهما صرَخَت وتشنجت، في إيران وغيرِها، مهما افتعلَت الكرامةَ والعزةَ، مهما ادعَت الحكمةَ ورجاحةَ العقلِ؛ من فرطِ تغفيلِها تصورَت أنها قويةٌ، قادرةٌ، مهما جمَعت من جيوشٍ وأسلحةٍ وشعاراتٍ، فهي هشةٌ، هشةٌ، هشةٌ،،

الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

المالُ والسلطةُ .. والطبقةُ المتوسطةُ


رجالُ ما تُسمي أعمالٌ، متهمون بما تصلُ عقوبتُه إلي الإعدام، تاهوا فخراً بسلطانهم وسطوتهم، حازوا كل ما طالته أعينهم، تخطوا كل الخطوط الحمراء والزرقاء والخضراء والصفراء، لطالما أفلتوا من المساءلة، شاركوا في الحكم، في سن القوانين. مصر تحت سيطرة من ملكوا المال والسلطان، ملايين أهلها تحت سطوة فئة مالها من المؤهلات إلا المال المُيسر بلا حساب ولا حصر.
مصرُ تعيشُ علي جمر أوضاع سياسية واجتماعية يستحيلُ أن ينتج عنها تطورٌ صناعي أو زراعيٌ أو اقتصاديٌ، غابت عنها العدالةُ الاجتماعيةُ مع توحش سطوة أهل المال الذين تملكوا بدون استحقاق، سيطروا علي مقاعد السياسة وميكروفونات وشاشات الإعلام المقروء والأرضي والفضائي. التوترُ الاجتماعي أسخن من أن يُنكر، فورانه عالي الصوت والإيقاع، الإناءُ يهتزُ بعنف، غطاؤه علي وشك الانفجار.
مع سيطرة طبقة أهل مال بلا حساب ولا مشروعية سادت سلوكيات الأنانية والأنامالية والسطحية، مشروعاتٌ تحتكرُ الدعاية، جوفاءٌ، فارغةٌ، لامتصاص ما في الجيوب، ليست للتنمية؛ مشروعاتُ البر والخير، أغطيةٌ لجرائم من كل تصنيف. غاب مفهومُ الدولة، اختُزلت في مشروع تجاري، أما الشعب فمجموعة من المستهلكين، زبائنٌ، عملاءٌ، مشترون، لا أكثر. ضاع مفهومُ المواطنة والتشاركُ في السلطة، الشعبُ وحدُه يتحملُ فشل المشروعات المسماة تجاوزاً سياسات، مصر تحولت إلي سوبرماركت تتملكه القلة من حائزي السلطة والمال، من أهل الدائرة الضيقة والدوائر الملتصقة بها، طمعاً في المزيد من المشروعات، الغنائم.
المثقفون، تاهوا، غُيبوا، أبعدوا، ليس لديهم المال، موظفونٌ هم، يُلقيهم في الشارع معاشٌ مبكر، يُجلسهم ضيق الحال في بيوتهم. أهلُ الفكر والعقل لا دور لهم، لا يُسمعون، عمداً وجهلاً، مهما كتبوا أو قالوا أو أبدعوا، رغم ضيق حالهم. لم يظهر مثقفٌ متعففٌ علي كرسي سلطة؛ كراسي السلطة فقط لمن عشقوا الجلوس عليها وعبدوها، من أبدوا بسخاء كل فروض الخنوع واصطناع الولاء، من انعدمت رؤيتهم وغاب عنهم الفكر السوي.
من الطبيعي مع السيطرة المطلقة لمن أعماهم المال والسلطان ولمن أسكرهم عشقُ الكراسي أن تكثر مصائبُهم وخطاياهم وتجاوزاتهم، أن تفوح نتانة رائحتها، أن ينكشف علي الملأ احتقارُهم لأي قانون وأي نظام، هم الكلُ في الكل. هكذا ابتليت مصر بمن وُضعوا علي كراسي بكثرة مالهم وبمثقفين فقط بالاسم، هكذا أصبح الإخفاقُ واقعاً، هكذا عم الغضبُ العامُ، هكذا غام المستقبلُ. مصر في محنة طاحنة، طالما تغول فيها من ملكوا المال وسيطروا، طالما تجبر فيها من انتسبوا للطبقة المتوسطة وهم واقعاً بعيدون عن فكرها ورؤيتها، مؤهلاتهم تتلخص في كيفية الوصول إلي الكرسي والبقاء عليه، بأي ثمن.
يستحيلُ أن تقوم قائمةٌ لمجتمع بلا عقل، بلا طبقة متوسطة تقوده بكرامة، بلا نفاق، بدون الوقوع في وله الكرسي، أي كرسي،،

الاثنين، 8 سبتمبر 2008

لا يا فضيلة المفتي..


أكتب تقديراً لجلال واحترام منصبك، لعلمك الغزير ولو لم أتفق مع بعض ما قد تنتهي إليه، لكن فضيلتك مفتي مصر، قبل أي اعتبار. الإعلانات ليست مجال عمل المفتي، خاصة في الفترة الإعلانية الرئيسية بالبرنامج العام قبل مدفع الإفطار، صوتك رخيم، لكن الأداء التمثيلي لا يتفق مع وقار منصبك، وسط طوفان إعلانات عن الأكل والشرب والسكن. قد تكون داعياً للخير، لكن من أدراك أنك لم تقع في شرك من يرجون لأنفسهم باسم منصبك؟ ألم يفعلونها مع غيرك عندما روجوا لتوظيف الأموال؟ ألم يكن الشيخ متولي الشعراوي أحد الداعين لهم؟
المناخ فاسد، لا تصلح معه النوايا الحسنة وحدها، لا بد من الحذر، من مقاومة إغراءاتهم، إغراءات من يحوزون المال والسلطة، من يريدون المزيد بأي أسلوب، من أي طريق. فضيلة المفتي الدعوة للخير ممكنة بدون إعلانات، البرامج مفتوحة أمامك في الإذاعة والتليفزيون والفضائيات والصحف بأنواعها، لن تعوزك الوسيلة ولن يقف أمام خيرك عائق.
كتبت ولن أطيل، فضيلتك أكبر من إغراءاتهم، موقعك أسمي من أن يكون مكانه فترة إعلانية،،

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

الكراسي عنوانُ النظامِ


اختارَ أوباما المرشحُ الديمقراطي للرئاسةِ الأمريكيةِ السيناتور بايدن المستقل نائباً ليكمل به النقصَ في خبرتِه، وانتقي ماكين المرشحُ الجمهوري سارة بالين نائبةً له لتضفي شباباً علي حملتِه ولتكون ممثلاً يؤكدُ علي دورِ المرأةِ في المجتمعِ؛ لم يكن أي من الاختيارين عشوائياً ولا لأهلِ الثقةِ والنفاقِ علي حسابِ الكفاءةِ الفكريةِ والوظيفيةِ. اختياراتٌ هدفُها الصالحُ العامُ، لا محسوبيةَ ولا استيفاءَ لشكلٍ ولاخداعاً للرأي العامِ بظاهرٍ يُخفي باطنُه من الشرورِ الشئَ الكثيرَ.
كراسي المسئوليةِ توضحُ كيف يختارُ النظامُ رجالَه، أو نساءه، هل يُعلي الكفاءةَ أم انهم مجردُ صورٍ بلا مضمونٍ، تارةً من صغارِ السنِ، وتارةً من المراةِ، وتارة من الأقباطِ؛ ليس المهم الآداء، الأولويةُ للولاءِ وللتنفيذِ الحرفي للتعليماتِ الفوقيةِ، ويأتي الشكلُ فيما بعد. الفكرُ والرؤيةُ في عدادِ المنسياتِ، لا حاجةَ لهم، ألم يقل أحدُ الرؤساءِ السابقين أنه في غيرِ حاجةٍ للدستورِ حتي يحكمُ، الحقيقةُ أنه لا يحتاجُ المسئولين أيضاً، فهو الكلُ في الكلِ.
الواقعُ يشهدُ أننا أمامَ توليفةٍ من الذين وُضعوا علي كراسي، يتفقون في شئٍ واحدٍ وإن اختلفوا في الصفاتِ الشخصيةِ، الهدفُ من تعيينهم ثابتٌ، بينما يختلفُ الأسلوبُ. كلُهم بلا استثناءِ مثيرون للجدلِ ولقلةِ الراحةِ وللقيلِ والقالِ، للفورانِ وللغضبِ، في التعليمِ، القضاءِ، الجامعاتِ، التموينِ، المواصلاتِ، العمالةِ، المياهِ، الاسكانِ، الزراعةِ، الماليةِ، في كلِ نفسٍ. اختيارُهم يبدو وكأن الهدفَ منه لا يعدو إثارةَ القلاقلِ ولفتَ الانتباهِ العامِ، التخلصُ منهم بعد ذلك يكونُ عند تصاعدِ الغضبِ منهم وخروجِه عن سيطرتِهم، ساعاتُها يكونُ قرارُ كنسِهم وكأنه بطلُ السيما وشجيعُها ومنقذُ الغلابةِ.
إذا تفحصنا الصفاتِ الشخصيةَ لمن أُجلِسوا علي الكراسي سنجد أن منهم من يحققُُ القلاقلَ والتوترَ بأسلوبٍ متعففٍ في الحوارِ والتصرفاتِ دون أن أن تبدرَ انفلاتاتٌ سلوكيةٌ أو إداريةٌ مع العاملين، الطامةُ الكبري فيمن يصدقون أنهم علي مستوي عالٍ من المقدرةِ والموهبةِ والتفردِ ويعيشون دورَ الأهميةِ، يتكبرون، يبطشون، يسيئون الكلامَ والتصرفاتِ، ينفلتون من كلِه، ينسون أنهم علي كفِ كَنسةٍ.
من الطبيعي وهذا هو الحالُ، أن يكونَ التوترُ سيدٌُ الموقفِ، أن تُرفضَ كلُ القراراتِ التي تصدرُ عن الحكومةِ ومن يمثلونها في أي مكانِ. من الطبيعي أن تتلاشي الانجازاتُ وتتراكمَ المشاكلُ، طوابيرٌ، انقطاعٌ للمياهِ، غلاءٌ، سرقةٌ، ظلمٌ، حوادثٌ لكلِ ما يتحركُ علي البر والبحرِ وربنا يستر في الجو. من الطبيعي أن يغيمَ المستقبلُ وأن تتبددَ الأمالُ، من الطبيعي أن ينتحرَ الشعبُ في حوادثِ الطرقِ وفي البحارِ، من الطبيعي أن ينتحرَ من تفشلُ قواربُهم في الهربِ بهم. أوضاعٌ لا أعرفُ منها خلاصٌ ولا حلٌ لها في مخيلتي، اتسعَ الثقبُ علي الرتقِ، من علي الكراسي فيها غاطسون، لا يستطيعون التفاتاً، في أي اتجاهٍ، أرجلُهم لا تلامسُ الأرضَ.
كراسي، مشغولةٌ خاويةٌ؛ آآآه، أنينٌ ارتفعَ صوتُه، طال أمدُه،،