الجمعة، 20 مارس 2009

كوندوليزا .. كمان











في مقالٍ سابقٍ بعنوان كوندوليزا العانس تعرضت لمن يفسرون عنوستَها بغضبٍ من الله، لما في ذلك من تسطيحٍ للأمورِ وهويً يجافيان المنطقَ والواقعَ ويتجاهلان طبيعةَ الأشخاصِ والمجتمعاتِ. لم يطفْ بذهني كمُ الرسائلِ الإلكترونيةِ المعترضةِ علي العنوانِ وكأنني أُعايرُها أو أتشفي فيها، لم يتطرقْ المعلقون إلي ما ذكرتُه من صفاتٍ ومهاراتٍ فيها ولا إلي فسادِ منطقِ من يرون في عنوستِها نقيصةً تلحقُ بالمرأةِ لا الرجلَ.
بدايةً لا بدَ من شكرِ القراءِ، فهم روحُ المقالِ عندما تعفُ ألسنتُهم، أما الإيضاحُ فهو واجبُ الكاتبِ وقدرُه. أهمُ ما يلفتُ النظرَ، التعلقُ بالعنوانِ قبل الدخولِ في المقالِ أو متابعتِه للنهايةِ، وهي ظاهرةٌ فيها ما يجبُ الوقوفُ أمامَه؛ من يُعلقون علي المقالِ من عنوانِه، يتصورون أنه يغني عن القراءةِ حتي آخرِ كلمةٍ، يتسرعون في الحكمِ، يستنتجون الخلاصةَ، وبسرعةٍ يُعلقون. عموماً الشكرُ لهم علي المتابعةِ في زمنٍ عزَت فيه القراءةُ، خاصةً في الصحافةِ الورقيةِ بما فيها من حجبٍ ومنعٍ وقصٍ ولزقٍ.
فتحَ المقالُ الأولُ عن كوندوليزا بابَ النظرةِ للمرأةِ في مجتمعات الشرقِ، النظرةُ إليها باعتبارِها في مرتبةٍ أدني من الرجلِ، فإذا رفضَت الزواجَ فلعيبٍ فيها ولقصورٍ أعفا عنها الرجالَ؛ وماذا عن الرجالِ الذين لا يتزوجون؟ هل هم علي أكملِ أوصافٍ وخصالٍ وخسرَتهم النساءُ؟ نظرةٌ فيها من ازدواجيةِ المنطقِ وجفافِه، فلكلٍ أولوياتُه، رجلٌ كان أم إمرآةٌ، هناك من يفضلُ العملَ والدراسةَ ويُبَديهما علي الزواجِ، هناك من يري في الوحدةِ والهدوءِ سلويً ورفقةً، هناك من تجبرُه ظروفُه علي تأجيلِ الزواجِ حتي يغادرُ قطارُه المحطةَ، هناك وهناك وهناك من الأسبابِ التي تمنعُ الزواجَ أو تؤخرُه للرجالِ والنساءِ علي حدٍ سواءٍ. ما أكثرُ ضحايا الزواجِ من النساءِ، زواجٌ متعجلٌ، أو لمجردِ إرضاءِ المجتمعِ؛ هل تضحي المرأةُ باستقرارِها النفسي والصحي لمجردِ أن تكون علي ذمةِ رجلٍ خيالُ المآتةِ منه أفيدُ؟ هل ينحصرُ طموحُها في انتظارِ بسلامتِه حتي يحنُ عليها بنظرةٍ أو بأكلةٍ؟ إذا قبِلَت فهي حرةٌ، وإذا رفضَت فهذا حقُها، ليس للمجتمعِ أن يلومَها أو يُعايرَها. لم يثبتْ علمياً أن الرجالَ أذكي من النساءِ، لكلٍ امكاناتُه ومهاراتُه، وإذا كانت أضعف عضلياً في الأقوي احتمالاً وصبراً.
المقالُ الأولُ عن كوندوليزا قُصِدَ منه المضللون والمرتزقةُ لا العنوسةَ، فكوندوليزا إمرأةٌ ناجحةٌ، إنها بكلِ من يهاجمونها ويوضعون علي كراسي أكبرَ منهم، دخلَت التاريخَ رغماً عنهم، بينما انحصروا في أسرِ أدمغتِهم والسبوبةِ التي تجُرُهم.
المقالُ لا يعرفُ من عنوانِه، مع شكري،،

الجمعة، 13 مارس 2009

آآه يا خوفي..


نشرَت إحدي الصحفِ اليوميةِ عنواناً كبيرأ بتصريحٍ لوزير التعليم العالي، نفكرُ في إعادة أستاذ الكرسي، تصريحٌ مرعبٌ يعكسُ فكراً بعينِه، فكرُ من يعين في المقامِ الأولِ. ذكرني هذا التصريحُ بمقالٍ في باب الشبابِ والتعليمِ بإحدي الصحفِ القوميةِ واصفاً الوزيرَ ومن حولِه بالخلطةِ السريةِ، إناسٌ يعملون في الخفاءِ ظناً أنهم يُدارون علي شمعةِ انجازاتِهم وتجلياتِهم.
لكن قبل أن ندخلَ في موضوع نفكرُ في إعادةِ أستاذ الكرسي، لا بدَ أن نعرِجَ أولاً علي الفكرِ الذي وضعَ علي الكراسي من يثيرون القلاقلَ واللغطَ والغضبَ، والانشغالَ. ما أمر وأكثر ما حملَته الفترةُ الأخيرةُ من اضراباتٍ واعتصاماتٍ، في جريدةِ الأهرامِ وقبلَها من الصيادلةِ وسائقي مقطوراتِ النقلِ، من العاملين في معاهدِ البحوثِ ومن أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ ومن المحامين وغيرِهم وغيرِهم. وضعٌ متفجرٌ فيه من المخاطرةِ التي تصلُ لدرجةِ المقامرةِ، المخاطرةُ بإثارةِ أكبرِ قدرٍ من شغلِ الرأي العامِ وإبعادِه عن السياسةِ الداخليةِ منها والخارجيةِ، حتي إذا خرَجَت الأمورُ عن السيطرةِ يظهرُ القرارُ الشجيعُ بحلِ المعضلةِ أو تسكينِها. سياسةٌ كتلك لا بدَ وأن تقومَ علي مسئولينٍ علي قدرٍ من الموهبةِ في إثارةِ الرأي العامِ بأفكارِهم الغريبةِ قبل أن تكون صحيحةٍ وبجِلدٍ سميكٍ يصمدُ للنقدِ مهما اشتدَ وحمي وجرَحَ. علاقةٌ غيرُ سويةٍ تقومُ الآن بين الشعبِ وحاكميه، فيها التربصُ والكراهيةُ المتبادلةُ، بدأها من حكموا عندما تصوروا أن في الشعبِ هطلٍ وعجزٍ عن فهمِ ما يُدَبرُ بنهارٍ وليلٍ.
عودةٌ إلي نفكرُ في إعادةِ أستاذِ الكرسي، فما يحدثُ في وزارةِ التعليمِ العالي من تهييجٍ للمشاعرِ غدا اعتياداً مباركاً، لم يُمنعْ من اقترفوه ولم يؤنَبوا، فاستمروا في طريقٍ وجدوه مَفتوحاً مُعبداً، بِدأً باللجانِ العلميةِ للترقياتِ التي أُدخِلَ فيها من لا يُعرفُ لهم سندٌ علميٌ أو تذكيةٌ تُفضلُهم عن من هم أقدَم وأحق، سندُهم الوحيدُ أنهم من الشلةِ الطيعةِ، من المقربين إلي الخلطةِ السريةِ. أما الجودةُ فنكتةٌ سخيفةٌ ستوقفها علي ما يبدو وزراةُ الماليةُ، وستعودُ ريما إلي ما عليه درجَت، اعتصاماتٌ واضراباتٌ يقابلُها وعيدٌ وتهديدٌ. التعليمُ المميزُ باعَ الجامعاتِ بالمالِ، اقتبسَ من الجامعاتِ الخاصةِ التسيبَ وقصقصةَ العلمِ وتسطيحَه، من أجلِ المالِ تهونُ كرامةُ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ وتُسحَقُ الأخلاقياتُ، لا تكونُ الإدارةُ ألا بعمداءٍ معينين تفصيلاً وبالمقاس، رجالاً كانوا أم نساءاً. لم يحظْ عهدٌ في وزارةِ التعليمِ العالي بهذا الكمِ من الغضبِ ومن ومن ومن... لماذا لا يتواصلُ التمادي، لماذا لا يستمرُ وقد انقسمَت الجامعاتُ علي نفسِها ما بين أهلِ الجودةِ ومن هم خارجَها، ما بين أهلِ المتميزِ ومن هم خارجَه، ما بين أعضاءِ اللجانِ العلميةِ ومن هم عنها مَبعَدون؟
أستاذ الكرسي أُلغي في كلِ جامعاتِ العالمِ المحترمةِ إلا من فكرِ الخلطةِ السريةِ في وزارةِ التعليم العالي، نظامٌ نُبِذَ لأنه يقومُ علي الدكتاتوريةِ في العلمِ، علي انفرادِ شخصٍ بمقدراتِ تخصصٍ علميٍ. البحثُ العلمي يقومُ علي حريةِ الفكرِ وقبلَها الإنفاقُ بسخاءٍ عليه، لا باختزالِ وتسطيحِ أسبابِ ما وصلنا إليه من تردٍ وتهلكةٍ في غيابِ الانضباطِ في الجامعاتِ، في وجوبِ استخدامِ العصا، في إعادةِ أستاذ الكرسي ممن يُختارون كما أُختيرَ من ضُموا لعضويةِ اللجانِ العلميةِ دون مؤهلاتٍ علميةٍ حقيقيةٍ مُميِزةٍ. عودةُ أستاذِ الكرسي تأكيدٌ علي الدكتاتوريةِ، هل تجدُ تأييداً لأنها تتفقُ وهواً لدي من أوجدوا المسئولين عن التعليم العالي؟ هل هي سِمةُ حقبةٍ ذقنا فيها ما ذقنا، من كلِ من هبَ ودبَ؟
نفكرُ في عودةِ أستاذ الكرسي، آآه وآآه يا خوفي مما ينتظرنا، بعد أن احتللنا آخر الصفِ بكلِ الجدارةِ، بعد أن أصبحَ الاهتمامُ الأولُ إثارةَ القلاقلِ والمتاعبِ والانشغالِ. أنا مُحبطٌ، قالها أحدُ الأساتذةِ القدامي المُخلصون، صدَقَ، فالصورةُ شديدةُ القتامةِ.
ما بعد الختامِ، اعتدنا تعليقاتِ المدسوسين من أهلِ الخلطةِ السريةِ، طبعاً فهم من حكومةٍ إلكترونيةٍ زكيةٍ ناصحةٍ، فيها من الخبراءِ من لا يجودُ بمثلِهم زمنٌ. هل تسترُها علينا يارب أم خسارة فينا؟

الأربعاء، 4 مارس 2009

كوندوليزا العانس..











تفتقَ ذهنُ أحدُ مناضلي الورق برأيٍ مبني علي فكرٍ عميقٍ، فكرُه، كوندوليزا رايس وزيرةُ الخارجيةِ الأمريكيةِ السابقةُ لم تتزوجْ، ربنا غضبان عليها، هكذا بمنتهي البساطةِ؛ مناضلٌ دائماً في حالةِ صراخٍ وانفعالٍ، يهاجمُ من يراهم رؤوسَ فسادٍ، يسقطُ من الإجهادِ والإعياءِ، يفني نفسَه في النضالِ، تارةً يتباكي علي صدام، تارةً يسبُ الأمريكان، تارةً يهيصُ في اجتماعاتِ مجلسِ الشعبِ، الفضائياتُ ملعبُه، خاصةً ما تحركُها الأموالُ الخليجيةُ.
هذا النموذجُ من المناضلين والمحللين، ينتشرُ في كلِ مكانٍ له بالعربيةِ صلةٌ، من أقصي الشرقِ إلي أقصي الغربِ، ومن منتهي الشمالِ إلي آخر الجنوبِ، يحللون بما يريدون لا بما ينبغي أن يكون، يُفبكرون بمزاجِهم ما لا يحتملُ تأويلاً، يمكنهم إدعاءُ أن الشمس تسطعُ ليلاً وان ما يُري نهاراً هو القمرُ. ليسوا فقط من مغتصبي الأقلامِ، إنهم أيضاً علي الكراسي، يتولون مسئولياتٍ أكبرَ منهم، يكابرون ولو أخطأوا، يتمادون في الانجرافِ وراء شطحاتِهم، طبعاً فهم من المعصومين، هكذا يرون أنفسَهم.
لما تدهورَ الاقتصادُ العالمي ظهرَ منهم من يري أن النظريةَ الاقتصاديةَ الاسلاميةَ فيها الحلُ، هي الطريقُ الثالثُ، البديلُ عن الرأسماليةِ والشيوعيةِ، البنوكُ الإسلاميةُ لم تفلسْ ولم تقعْ، هكذا بمنتهي البساطةِ، بدون دراسةٍ وتحليلٍ وبياناتٍ موثوقةٍ، فعلاً أحضروا التائهةَ من ذيلِها. نفسُ منطقِ مناضلِ كوندايزا التي عنَسَت، في مخيلتِه، لأن ربنا لم يرضْ عنها، وكأنها العانسُ الوحيدةُ علي الكرةِ الأرضيةِ، وكأنها حاولَت الزواجَ وفشلَت، وكأنها ملهوفةٌ يا ولداه في انتظارِ إبن الحلالِِ الذي يسترُها ويلمُها.
الآن وقد وقعَ البشير السوداني في فخِ محكمةٍ دوليةٍ للجرائمِ ضد الانسانية، كيف سيكون قولُ مناضلي كوندوليزا؟ من المؤكدِ أنهم سيُغدقون في تهمِ التحيزِ ضد العرب والمسلمين، في ادعاءِ أن المحكمةَ مُسيسةَ، وأن قادةَ اسرائيل أولي بالمحاكمةِ؛ لن ينظروا في مدي صحةِ التهمِ ولن يدققوا، ليس من طبعِهم، المهمُ أن يظهروا كوطنيين أحرار مناضلين. سيستمرُ منطقُ خلطِ الأوراقِ، ستكون ضجتُهم بلا منطقٍ، لن يقدموا ولن يؤخروا، ستزدادُ الأمورُ سوءاً، كالعادةِ.
مناضلو كوندوليزا يزينون كلَ الهزائمِ انتصاراتاً، علي أتمِ استعدادٍ هم لتصويرِ البقاءِ في المخابئ نصراً مطلقاً، وماله، طالما أنهم في الصورةِ، صوتُهم مُجلجلٌ ورزقُهم موصولٌ. دوافعُهم غيرُ عاصيةٍ علي الفهمِ، لكن العجبُ تصورُهم أنهم أمامَ من لا يفهمونهم، من نسوا مواقفَهم المتقلبةِ، من هم أدني من مستوي ذكائهم ومنطقِهم، منطقُ كوندوليزا العانس.
كوندوليزا العانس دخلَت التاريخَ كأحد أكفأ وزراءِ الخارجيةِ العالميين، بثقافتِها، بإجادتِها للغاتِ، بشخصيتِها القويةِ، بمهارتِها في العزفِ علي البيانو، من المؤكدِ بازدرائها لمناضلي كوندوليزا، دَعهم يهبهبون،،

الأربعاء، 18 فبراير 2009

مصر مُضرِبةٌ..


أحدثُ الإضراباتِ، من سائقي مقطوراتِ النقلِ والصيادلةِ، تساوي من حصلوا علي قسطٍ وافرٍ من التعليم مع من لم ينولوا منه الكثيرَ، اختلفوا في الطبقةِ الاجتماعيةِ واتفقوا علي الرفضِ وضرورةِ التعبيرِ عنه. اضراباتٌ تليها اضراباتٌ، اعتصاماتٌ وغضبٌ وتذمرٌ، نظامٌ في وادٍ والشعبُ في آخرٍ. اتسَعَت الفجوةُ بين النظامِ الحاكمِ بكلِ مفراداتِه من سياساتٍ وأشخاصٍ وبين الشعبِ، اصبحَ للنفورِ القولُ الفصلُ، نفورٌ متبادلٌ بين الشعبِ وحاكميه.
أشخاصُ النظامِ فقدوا القدرةَ علي الاحساسِ بالمتاعبِ العامةِ، تسلطَت عليهم أوهامُ الفهمِ المطلقِ ورجاحةِ العقلِ، إنهم يرون ما يعجزُ عنه شعبٌ كسولٌ خاملٌ، أقلُ بفراسخٍ من مستوي عبقريتِهم وألمعيتهم؛ من فرطِ غرقِهم في ذاتِهم تمادوا في تجاهلِ الآلامِ والأوجاعِ والأنينِ، تخيلوا في ممارساتِهم دواءً مراً لا بدَ منه، توهموا أن ما يدبرونه بليلٍ ينطلي ويخدعُ، منتهي البؤسِ. الشعبُ أنصحُ من إدراكِهم، لاعبَهم بطريقتِه، أنكرَهم، قاطعَهم، كذَبَ كل ما يفعلون ويقولون، شمَتَ في اِخفاقاتِهم، وقفَ لهم بالمرصادِ علي كلِ هفوةٍ، أضرَبَ واعتصمَ مع كلِ كبوةٍ.
علاقةُ الشعبِ بحاكميه مَرَضيةٌ، أساسُها الكراهيةُ المتبادلةُ، من يحكمون فقدوا الاقناعَ والمصداقيةَ، ما أمامهم إلا العنادُ والمكابرةُ، الحكمةُ ليست للشعبِ، إنها لخارجِ الحدودِ. الإعلامُ في حالٍ مؤسيٍ من الجمودِ وفقدانِ المنطقِ، صحفُ الحكومةِ علي الأرصفةِ حتي المساءِ، الإذاعةُ والتليفزيون يبغبغان للهواءِ، المسئولون لا يهدفون إلا استمرارَ مغانمِهم؛ كلُ ما يُنسَبُ للنظامِ بلا أرضيةٍ، مترنحٌ مرتعشٌ مهتزٌ. الشعبُ يقاومُ، تارةً بأسلوبِ غاندي مع الانجليز، تارةً بالخروجِ للشوارع؛ يُقاطعُ كل ما يمثلُ النظامَ من أشخاصٍ وسياساتٍ وإعلامٍ، يُتلفِ بلا وجلٍ الممتلكاتِ العامةِ، يمتنعُ عن العملِ تباطأً في المؤسساتِ والمصانعِ ثم اضراباً واعتصاماً.
كلُ الفئاتِ جَرَبَت الاضرابات، القضاةُ، أعضاءُ هيئات التدريسِ بالجامعاتِ، المدرسون، عمالُ المصانعِ، الموظفون، السائقون، المهنيون، التجارُ، الطلابُ. حالٌ شائكٌ منفجرٌ مدمرٌ، علي الجميعِ، العقلُ صمَت، تراجَعَ، لا صوتَ إلا للعنفِ.
مصرُ كلها أضربَت، لم يتبقْ إلا الرُضَعُ، ماذا يدبرون؟!

الاثنين، 9 فبراير 2009

في الجامعات..خللي البط يعوم


الجامعاتُ مرايا المجتمعِ، كلما تمسكَ بالعلمِ علَت، كلما كانت الأخلاقُ سَيدَه سَمَت؛ لكن مع تردي أوضاعِ المجتمعِ ككل وغلبةِ مشاعرِ التربصِ والبغضِ بين الشعبِ وحاكميه لم تعدْ العلاقاتُ داخلِ الكليات أو بين الجامعاتِ والنظامِ ممثلاً في المسئولين عن التعليمِ والبحث العلمي إلا تأكيداً علي علةٍ أصبح البراءُ منها صعبَ المنالِ. الصحفُ تبرزُ تصريحاتٍ لمسئولين تبعدُ تماماً عن الواقعِ والكياسةِ الوظيفيةِ، ما فيها إلا عنترياتٍ عن جودةِ العمليةِ التعليميةِ وتَهَجمٍ علي أعضاءِ هيئاتِ التدريس بالجامعاتِ باعتبارِهم سببُ البلايا، طبعاً مع تحابيش عن دعم البحث العلمي، تقابلُها تعليقاتٌ من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ فيها كلُ السخريةِ والتهكمِ. حوائطٌ عاليةٌ تفصلُ تماماً بين أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ والنظامِ، شأنُ كلِ فئاتِ المجتمعِ.
لا مجالَ لمدحِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ وتصويرِهم ملائكةً، فيهم من انحدرَت سلوكياتُهم لأدني ما في "الشرشحةِ" والبذاءةِ، فيهم من يجمعُ بين وظيفتِه في الجامعةِ مع وظيفتِه في شركةٍ خاصةٍ بقلبِ من حديدِ، ببجاحةٍ، فيهم من لا يقرأ ولا يطلعُ، فيهم من يوافقُ علي درجاتٍ علميةٍ منحطةٍ، فيهم من لا يهتمُ إلا بمصالحِه الخاصةِ علي حسابِ أخلاقياتِ العمل الجامعي ومتطلباتِه. التعييناتُ في الكراسي الإداريةِ ليست بأفضلِ حالاً، علي مستوي عماداتِ الكلياتِ ووكلاتِها ورئاسات الأقسامِ، مسئولون أُجلِسوا بعكسِ ما تتيحُه امكانتُهم الشخصيةُ والإداريةُ، قراراتٌ ملفقةٌ تمرُ، لجانٌ بالتفصيلِ علي مقاسِ فلانٍ وعلانٍ، إدارةٌ بالأذنِ لا بالعقلِ وترجيحِه، شللياتٌ، تقريبٌ وابعادٌ؛ الكراسي ترفضُ شاغليها بعد أن كانت حكراً علي من يستحقونها، غطسَ فيها من كانت لهم مجردَ حلمٍ في يقظةٍ ومنامٍ، قياداتٌ شكليةٌ، أشباحٌ تتوهمُ نفسَها واقعاً وكياناً مرئياً محترماً، تشخطُ وتنطرُ هرباً من جفافِ فكرِها وضياعِ منطقِها.
جامعاتُ الحكومةِ كانت الأصلِ، هي البدايةُ، بدلاً من أن تقدمُ المثلَ لما تلاها من مؤسساتٍ تعليميةٍ، اسماً مع الأسفِ، تجاريةٌ حتي الأعماقِ، أخذَت منها أسوأ ما فيها، انكارُ قيمةِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ، إعلاءُ سلوكياتِ انكارِ العلمِ والأخلاقِ من أجلِ مالٍ يُجبي تحت مسمياتٍ عدةٍ، تدليلُ الطلابِ طالما دفعوا، تلفيقُ المناهجِ والامتحاناتِ والنتائجِ والشهاداتِ. جامعاتُ الحكومةِ أصبحَت مَسخاً، تماماً مثل النظامِ، تمحَكَت فيما أطلقَت عليه تعليماً مميزاً، غَرِقَ في كل خطايا التعليمِ الخاصِ، لا جديةَ ولا أمانةَ، أداءٌ تمثيلي، طلابٌ علي مقاعدِ علمٍ، وعمداءٌ ووكلاءٌ وقائمون بالتدريسٍ، كلٌ يؤدي دورَه، آخر النهارِ يُسدَلُ الستارُ، استعداداً لتكرارِ عرضٍ هابطٍ في اليوم التالي والتالي والتالي.
ألفاظُ وبلطجةُ الباطنيةُ وعزبةُ الهجانةِ بدأت في دخولِ الجامعةِ، بقوةٍ، مع بعضِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ والطلابِ، ليس فيها ما يُثيرُ الرفضِ ولا حتي العجبِ، انزوي ذوو الأخلاقِ وأهلِ الذي كان؛ إنه حالُ مجتمعٍ بأكملِه، في مجلسِ الشعبِ، في حواراتِ الفضائياتِ والأرضياتِ، في ممارساتِ الأحزابِ وأصحابِ الحلولِ، في تعليقاتِ القراءِ علي مقالاتٍ بالكادِ يفهمونها، في الشوارعِ والأنديةِ، بين الجيران وفي العملِ.
لا غرابةَ إذا أسِنَت أحوالُ الجامعاتِ، إذا طفا علي سطحِها ما لا يسرُ عيناً ولا أذناً ولا أنفاً، من له منفعةٌ موجودٌ، البطُ، انتَسَبَ للإنسانِ أو الحيوانِ ،،

الخميس، 5 فبراير 2009

تسييسُ مجمعِ اللغةِ العربيةِ ..


جرَت الشهر الماضي انتخاباتُ العضويةِ بمجمعِ اللغةِ العربيةِ، وطبعاً شأنُها شأنُ كل الانتخابات لا مفرَ من التربيطاتِ، كلٌ يُجمِعُ من يزيدونه نفوذاً داخلَ المجمعِ. المرشحون أيضاً يرون في عضويتِه مركزاً أدبياً ولو كانت عندهم منها تُخمةٌ، ولو كان وقتُهم لن يسمحُ لأنشطةِ المجمعِ بالاستفادةِ منهم.
مجمعُ اللغةِ العربيةِ بعيدٌ عن تدخلاتِ الحكومةِ، لذا فإنه ساحةٌ للتيارِ المتشحِ بشعاراتٍ دينيةٍ، لإثباتِ الوجودِ ولو في غير مكانِه، وقد تجلي ذلك واضحاً من الفائزِ الوحيدِ في انتخاباتِ هذا العامِ وقد عُرِفَ بانتشارِه في إحدي الفضائياتِ السعوديةِ علي الأرضِ المصريةِ وفي ما يناهضُ النظامَ من ورقياتٍ. من المؤكدِ أن هناك العشراتَ الذين يمكنهم إفادةَ اللغةِ العربيةِ لاتساعِ وقتِهم ولبعدِهم عن السياسةِ، لكن زهدُهم وبعدُ الأضواءِ عنهم رغم معرفةِ المتخصصين بهم ألقاهم جانباً مفسحاً مقعداً لمن لم يُساهم في أي نشاطٍ بالمجمعِ.
يُفترضُ أن مجمعَ اللغةِ العربيةِ يهدفُ للنهوضِ باللغةِ العربيةِ وتقريبِها من الناسِ بدلاً من أن تنكمشُ من فرطِ الإنغراقِ في شعاراتِ الحفاظِ عليها وهي واقعاً دعواتٌ لمزيدٍ من عَزلِها سواءَ بمصطلحاتٍ يستحيلُ أن يتقبلُها الوسطُ العلمي والشعبي خاصةً في مجالات العلومِ، والحاسباتُ علي رأسِها، أو بالبعدِ عن مجالاتِ العلومِ الحديثةِ لصالحِ الانغماسِ في الجِدالاتِ اللغويةِ التي لم ولن تُقدمُ. وتحضُرُني هنا ترجمةُ بالمجمعِ لمصطلحِ "مودم" بكلمةِ "فاكٌ ضامٌ "، وهو ما يُذكرني بترجمةِ نجمِ الكوميديا فؤاد المهندس لكلمةِ "كافتيريا" بكلمةِ "قهويشا". لقد استوعبَت اللغاتُ المنتشرةُ في عالمِ اليومِ، بامتدادِ اسهاماتِها الحضاريةِ علماً وفكراً، العديدَ من المصطلحاتِ الانجليزيةِ دون حساسياتٍ وذلك حتي يستمرُ ازدهارُها؛ وعلي سبيل المثال بعيداً عن الحصرِ فإن كلماتٌ مثل Modem و PC وEmail وFormat وFile و WindowsوIphone وغيرها وغيرها قد دخلت اللغات الفرنسية والألمانية واليابانية فزادتها بهاءً.
وإذا كان البعضُ يري مثلاً يُردُده عن التجربةِ السوريةِ لتعريبِ العلومِ، فهو قولٌ يفتقرُ للدقةِ، علي أقلِ تقديرٍ، فلا المراجعُ العلميةُ ولا المؤتمراتُ العلميةُ تذكرُ اسهاماً سورياً إما في صورةِ بحثٍ أو اكتشافٍ، وازدادَ انعزالُ المعاهدِ العلميةِ السوريةِ عن التطورِ لعدمِ القدرةِ علي فهمِ المصطلحاتِ الحديثةِ والتجاوبِ معها. وإذا كانت التجربةُ السوريةُ في التعريبِ مثارُ ذكرٍ فهو في إطارِ تسييسِ اللغةِ ولو كان علي حسابِ العلمِ وفهمِه والتجاوبِ معه.
انجرافُ مجمعِ اللغةِ العربيةِ وراءَ التجمعاتِ التي تهدِفُ مصلحتَها لا يصبُ في منفعتِه، فالأولياتُ مختلفةٌ، والتكتلاتُ محتومةٌ، ومن الطبيعي أن يُبعَدُ عن أنشطتِه من يستطيعون لكن لا ينضوون تحت جناحٍ ما، ولو أعطوا في المجمعِ وخارجَه.
من أسفٍ أن يهبِطَ علي الكراسي من لا يُعرفون إلا بشعاراتٍ ومن أسفٍ أن مجمعَ اللغةِ العربيةِ بعراقتِه سيرجعُ لجِدالاتِ قرونٍ ولَت ولن تعودُ إلا علي منصاتِه، وَحدُه،

الاثنين، 26 يناير 2009

طبولُ النصرِ..


انتهَت مؤقتاً حربُ غزة، لا بدَ وللهدوءِ من نهايةٍ، لماذا؟ المقدِماتُ واضحةٌ، هي ذاتُها، بصخبِها، بمنطقِها في فهمِ الأشياءِ وتبريرِ الأفعالِ، ولو كانت في غيرِ محلِها. بعد الحروبِ يكون كشفُ الحسابِ، حسابُ الأرباحِ والخسائرِ، حماس خرَجَت منتصرةً، هكذا تقولُ ويرددُ نافخو النارِ في إعلامِهم، بكلِ أنواعِه. للنصرِ العربي معنيً آخر، مختلفٌ، اِختُزِلَ في تحملِ كلِ أنواعِ الضربِ، في المخابئ، في المدارسِ، في المساجدِ، في المنازلِ، المهم البقاءُ ضمن الأحياءِ، لا تقديرَ للحياةِ الإنسانيةِ، ولا للبؤسِ الإنساني، الشعاراتُ أولي، ولو ولَت إلي غيرِ رجعةٍ.
طبولُ النصرِ علا ضجيجُها، العدو اندحرَ وخابَت مخططاتُه، هكذا تحولَت هزيمةُ 1967 إلي نكسةٍ، ولو استمرَت أثارُها حتي اليومِ، هكذا انكسرَ صدام حسين في الوقتِ الذي بشرَ فيه وزيرُ إعلامِه من إحدي الخراباتِ بطردِ العلوجِ، هكذا اُزيح حسن نصر الله من جنوب لبنانٍ تعرضَ للتدميرِ والتخريبِ، هكذا ظهرَت مصطلحاتُ التمثيلِ المشرفِ بمعني الهزيمةِ بأقلِ قدرٍ من الأهدافِ، هكذا أصبحَت الهزيمةُ مقبولةٌ مبررةٌ، هكذا أصبحَ الخداعُ ركنٌ أساسيٌ في معيشةٍ تقومُ عليه، وحدِه. الانجازاتُ العربيةُ، كلامٌ في كلامٍ، هَجسٌ وفَشرٌ ونَخعٌ، لا انجازاتٍ ولا نجاحاتٍ، تبارٍ في السبابِ والاتهاماتِ، غرقٌ في الأوهامِ، أوهامُ الأفضليةِ، وجوبِ النصرِ.
أكدَت حربُ غزة أن العربَ هم العربُ، منذ مئات السنين، لم يتغيروا، لم يتعظوا، برغمِ ما في تاريخِهم من عبرٍ وعظاتٍ، لا يعتبرون بها، يتناسنوها، يؤولونها، حتي يتوهوا عن الواقعِ، يغرقون في ظلماتٍ من نسجِ أوهامِهم وخُيالاتِهم. في حربِ غزة تقاتلَ العربُ بكلِ الشراسةِ الإعلاميةِ، حتي مواقعِ الانترنت أكدت ما في الشارعِ العربي من رفضٍ لتعددِ الآراءِ، من بذاءةِ ما في الألسنةِ، من عقولٍ تيبسَت من فَرطِ كُرهِ التفكيرِ. الفضائياتُ العربيةُ تمثلُ قمةَ الخداعِ والتضليلِ والتزييفِ، فيها فهلوةُ العرضِ وسطحيةُ الطرحِ، مع افتعالِ اللطافةِ والظرافةِ والخفافةِ، روحي روحي روحي. العربُ ظاهرةٌ منها عرِفَ العالمُ كيف يتجنبُ الفشلَ، كيف بالعلمِ يرتقي، كيف يتقبلُ التعددَ والاختلافَ حتي يُكتبُ له الاستمرارُ.
احتفالاتٌ بالنصرِ من علي الخرائبِ والأنقاضِ، لم يحاربوا، لم يقاوموا، الشعبُ هو الوقودُ، هو الذي يعاني ويئنُ ويتعذبُ، بلسانِه يتكلمون دون أن يسألونَه أو يُشاوروه، علي أشلائه يطبقون نظرياتِهم وخلفَه يختبئون من النيران. الإنسانُ العربي بلا كرامةٍ علي أرضِه، مستباحٌ مُهمشٌ مُكبلٌ، اعتادَ المعيشةَ علي الهامشِ، قَنِعَ بنصيبِه، من فرطِ يأسِه وقلةِ حيلتِه، من شدةِ قهرِه، من اعتيادِه علي الأغلالِ، ولو آلمتَه وأدمتَه، أغلي أمانيه أن يفوزَ فريقُه في مباراةِ كرةِ قدمٍ، فقط لا غير، قبلَ رغيفِ الخبزِ وأنبوبةِ البوتاجاز، والكرامةِ.
ستستمرُ احتفالاتُ النصرِ والعروضُ العسكريةُ بصيحاتِها وطبولِها، ضاعَت المعاني، الهزيمةُ هي النصرُ، التراجعُ هو التقدمُ، وعجبي،،