

ارتكبَ نصر حامد أبو زيد جريمةً كبري، فكرَ، هزَ عقولاً ترفضُ التحررَ من أسرِِ جمودٍ عليه تعتاشُ، حاربوه، أجبروه علي الرحيلِ عن وطنِه، عن مجتمعٍ لا يُقَدرُُ التفكيرَ، يكرهه، يحاربُه، يستحيلُ فيه الخروجُ عن قوالبٍ صُبَت منذ قرونٍ وقرونٍ. إنه مثالٌ لكلِ من يفكرُ ضد التيارِ، في مجتمعاتٍ فيها كلُ الخطايا، فيها تُنتهكُ كلُ قيمةٍ للإنسان، تحت كل المسميات الدينية والسياسية والاجتماعية، فيها العنصريةُ والتمييزُ والطائفيةُ والقبليةُ. مجتمعاتٌ تتصورُ أنها الأفضلًُ، تتوهمُ وتعيشُ الخزعبلاتِ، تصدقُ نفسَها، تتصورُ أن العالمَ الذي عليه تتنطعُ مُسَخَرٌ لها، داخلٌ لا محالةَ فيما تعتقدُ.
نصر حامد أبو زيد، بإرادتك اخترت الصعبَ، درست التاريخ وأجدت، فهمته واستوعبته وخرجت بعقلِك من الأسوار والزنازين، أفرغت في كتبك ما استخلَصته، لكنك لم تتعظْ، لم تتعلمْ من مآسي من سبقوك، من فكروا، تصورت أنك في منعةٍ، أن الدنيا تغيرَت. أبداً، ليس هنا، ولو مضَت السنون، المكان هو المكان، الزمان هو الزمان، تتغير الوجوه والأشكال، وكلٌ علي ما هو عليه. ما كتبتَ سيقرأ، الآن، سيتذكرونك، لأنك رحلت.
ذو العقلِ يشقي في النعيمِ بعقلِه، وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ،،