الجمعة، 2 سبتمبر 2011

هل تصبحُ مصرُ دولةَ العبيدِ والسبايا؟


جاءَ الخامسُ والعشرون من يناير بآمالٍ كبيرةٍ وبطموحاتٍ عاليةٍ لتغييرِ واقعٍ غلَبَه اليأسُ والإحباطُ، تحققَ الكثيرُ ومازالَ الكثيرُ على قائمةِ الانتظارِ، يستحيلُ تغييرُ الكونِ بين رمشةِ عينٍ وانتباهتِها. ما بين الخامسِ والعشرين من يناير واليومِ توالَت الأحداثُ بسرعةٍ غَلَبَت التوقعاتِ، أحداثٌ كنا نتمناها غيرَت ركودَ واِخفاقاتِ عقودٍ، وأحداثٌ كَرِهناها وأخافَتنا على مستقبلِ بلدٍ نريدُه مُزدَهِراً، واحداً كما كان لآلافِ السنين. 


ما يُخيفُ الآن، على سلامةِ هذا البلدِ، كمٌ مَهولٌ مُفزِعٌ من الاِنتهاكاتِ والاِنقلاباتِ على كلُ ما هو نظامٍ واحترامٍ لقواعدٍ عامةٍ فى الشارعِ والمَسكنِ والعملِ والجامعةِ والمدرسةِ. الكلُ تصورُ أنه صاحبُ حقٍ فى أى شئ، الكلُ تجرأ وتعدى على ما هو من أساسياتِ المجتمعاتِ السَويةِ؛ وماهي البلطجةُ وما وصلت إليه من فظائع والانتقام المضادُ منها، إلا مثالاً صارخاً كئيباً على ما وصلَ إليه هذا البلدُ من تسيبٍ وانفلاتٍ وانعدامِ أمنٍ وعجزٍ من سلطةِ الحكمِ في السيطرةِ على ما يمورُ به سطحُ الأرضِ وباطنِها من مخاطرٍ جِسامٍ.


تعدياتُ على الحرياتِ باسمِ الدينِ تُنذِرُ بعواقبٍ لا بدَ وأن تطالَ وحدةَ هذا البلدِ وكيانِه.ـ من اختفوا لسنواتٍ طوالٍ إيثاراً لسلامتِهم انتفضوا وكأنهم أصحابٌ بلا شريكٍ لما بعد الخامسِ والعشرين من يناير، باسم الدين يفرضون وصايتَهم علي بلدٍ فيه من المثقفين والعقول والتعدديةِ ما يستحيل كبتُه، يُحللون ويُحرمون ويُفتون، يحتلون الفضائياتِ والشوارعِ وكأنهم يسوقون قطعاناً من الإبلِ. ما أثاروه من من قضايا وما رفضوا من مظاهرِ الحياةِ الحديثةِ وقوانينِها أكَد مخاوفاً حقيقيةً من نواياهم وحكمهم إن هم تمكنوا، دولتُهم سيكون فيهاالمصريون عبيداً وسبايا. الأمثلةُ علي سقوطِ الدولِ الدينيةِ عديدةٌ في الماضي ولن يقبلُها الحاضرُ لا داخلياً ولا عالمياً، من المؤكدِ أنهم لا يهتمون بسلامةِ دولةٍ وشعبٍ من أجلِ شعاراتِهم، الحكمُ عندهم هدفٌ في حدِ ذاتِه ولو علي الأنقاضِ والخراباتِ، التي بهم ستكونُ مآلاً لا مهرَبَ منه.
كلُ من يريدُ دوراً ادعي الوطنيةَ علي حسابِ أمنِ مصر ووحدةِ أراضيها. دعاوٍ لحربِ مع اسرائيل يستحيلُ أن تنتهي لمصلحةِ مصر، تعدٍ علي السفارةِ الإسرائيليةِ بالمخالفةِ للقوانين الدوليةِ صُوِرَ وكأنه غزوة وبطولةُ، لعبٌ بالنارِ دون تقديرٍ للعواقبِ. من عاشوا الحربَ تعقلوا إلا فيمن يلهثون وراء دورٍ وبطولةٍ مصطنعةٍ، ومن لم يعيشوها يتصورونها نزهةً ولعبةً وصراخاً وضجيجاً. إذا كانت تركيا وإيران تملكان ترفَ المزايدةِ علي القضيةِ الفلسطينيةِ بالشعاراتِ والزعيقِ، فإن مصر دولةٌ حدوديةٌ عانَت ودفعَت ثمنَ العنترياتِ والمزايداتِ وصياحِ من اِعتبروا أشقاءً وأصدقاءً وفي مياهٍ باردةٍ أياديهم وأرجلِِهم، مصر عانَت التهجيرَ وفقدانَ الأرضِ وتدهورَ المرافقِ ولم تجنْ إلا الشفقةَ والمنَ.
مصر استُبيحَت أيضاً بفعلِ شعبِها، بعيداً عن السياسةِ وشهوةِ الحكمِ. هجومٌ شرسٌ على الأراضى الزراعيةِ بورَها لمصالحٍ شخصيةٍ عمياءٍ ضيقةٍ، أكشاكٌ عشوائيةٌ فى كلِ نقطةٍ من كلِ شارعٍ، وقوفٌ فى الممنوعِ لم يستثنْ شارعاً ولو كان رئيسياً، بلطجةٌ وسرقةٌ بالإكراهِ لم تَخشْ حتى ما هو ملكِ الدولةِ، تعطيلٌ للطرقِ والسككِ الحديديةِ،اعتصاماتٌ ومطالبٌ فئويةٌ يستحيلُ تنفيذُها فى الوقتِ الحالى وأحياناً أبداً، توقفٌ للانتاجِ قَلَلَ من مصادرِ الدخلِ لدرجةٍ تُنذِرُ بتوقفِ المرتباتِ. حتى فى الجامعاتِ، مطالبٌ للطلابِ تجورُ على أساسياتٍ تربويةٍ وتعليميةٍ، دارسو وحاملو شهاداتٍ مهنيةٍ يريدون بلا استحقاقٍ الركوبَ على مِهَنٍ أخرى؛ دعاوٍ لأعضاءِ هيئاتِ التدريس بانتخابِ القياداتِ الجامعيةِ على عكسِ ما هو متبعٌ فى العالمِ أجمعِ، وكأن الجامعاتِ نقاباتٌ فئويةٌ أو تجمعاتٌ اجتماعيةٌ، وكأن القياداتِ لا بدَ وأن تكون ألعوبةً تُؤمَرُ من المرؤسين فُتطاعُ، هل نصلِحُ فساداً بفسادٍ؟ 


الإعلامُ فقدَ تماماً كلَ مصداقيةٍ. الإعلامُ الحكومي، من صحفٍ وصوتياتٍ ومرئياتٍٍ، في محنةٍ طاحنةٍ، بعد أن كان أداةَ السلطةِ ولسانَها انقلَبَ تماماً ليغسلُ خطاياه، أصبح بلياتشو وأراجوز، يدعي الثورية، يسمحُ لكلِ من يدعي الثوريةَ، يطيلُ في مهاجمةِ نظامٍ طالما دافعَ عنه وبررَ له وارتزَقَ منه، الآن تغيرَ السيدُ وما تغيرَت أساليبُ النفاقِ وأحاديةُ الطرحِ ولا موضوعيةُ العرضِ، أنها مدرسةٌ وتقاليدٌ متأصلةٌ. الإعلامُ الخاصُ لا يبغي سوي الإعلاناتِ والربحَ، قضاياه سفسطةٌ وجدلٌ، تأليبُ مشاعرٍ، تهييجٌ وإثارةٌ، أياً كانت العواقبُ.
كلُ من اشتكى إخفاقاتٍ، يُسالُ عنها شخصياً، وغيرُ مُرتَبِطةٍ بأوضاعٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو اجتماعيةٍ تُنسَبُ للمجتمعِ، نظاماً كان أو أفراداً، لم يجدْ إلا الغوغائيةَ وسيلةً للتعبيرِ عن حِنقِه. كلُ من يبحثُ عن دورٍ أو كُرسىٍ نَصَبَ نفسَه ثورياً بطلاً، بكَذبٍ وغِشٍ يفضحانَه فى ماضيه وحاضرِه، وكأن من حولِه أغبياءً وبلا ذاكرةِ. بعض من شاخوا صوروا أنفسَهم ثوريين، على كِبَرٍ، أمرٌ ماسخٌ بلا طَعمٍ، مثل الجواز والخِلفةِ بعد أن شابَ الشعرِ. حتي العلمِ الإسرائيلي تنازعوا علي شخصِ من أزاله! فيسبوك، في العالمِ الذي اخترعه يخضعُ للرقابةِ والمتابعةِ ويفقدُ متابعوه، بينما هو عندنا محركٌ لا يُعرفُ يقيناً من وراءه ولا مدي صحةِ نواياه ودوافعِه، متنفسٌ نفسيٌ لكلِ من عجزَ عن التواصلِ الحقيقي والسوي مع العالمِ الخارجي، كارثةٌ أن يُقادُ مصيرُ دولةٍ وشعبٍ بمن تُجهلُ هُويتُهم.
ما تَستحيلُ المطالبةُ به فى أى ظروفٍ طبيعيةٍ أصبحَ الآن مباحاً مجهوراً به، وكأنه من مظاهرِ الخامسِ والعشرين من يناير وتوابعِه. المُطالبةُ بما لا يُطلَبُ فى أى مجتمعٍ سوىٍ تقومُ عليه سلطةٌ قادرةٌ، أصبحَ عنواناً بالخطِ الأحمرِ لهذه المرحلةِ التى يعيشُها هذا البلدِ، إلى متى؟ إلى أين؟ هل يَصيرُ ما يُحصَلُ عليه عنوةً أمراً واقعاً؟ كيف تُسَنُ قوانينٌ حقيقيةٌ مع كلِ هذا الانفلاتِ والضوضاءِ؟ هل تستمرُ مصر دولةً؟ هل تظلُ دولةً واحدةً؟ هل من إجابةٍ؟ مصر حفظَها الله، فيما مضي،،
Twitter: @albahary



السبت، 27 أغسطس 2011

موزع شركة Apple في مصر … ماذا فعلت؟!


من المتوقع من موزعي الشركات المحترمة مثل Apple أن يتحلوا بقدر غيرِ معتادٍ من المسؤولية حفاظاً علي اسم الشركة الأم من ناحية وعلي سوقهم في مصر من ناحية أخري. لكن يبدو أن المستهلك المصري لا بد أن يكون ملطشة ونهيبة لأن قوانين حمايته غير مُفعلة، خاصة في هذه الأيام. كما أنه من المتوقع أن تُحسن الشركات الكبري العاملة في مصر في اختيار وكلائها و موزعيها. لكن ما حدث معي ومع كثيرين غيري يؤكدُ أن الوكلاء والموزعين العاملين في مصر يطبقون مبدأ اِسحَب ما في الجيوب علي قد ما تقدر.

فقد عُرضَ في معارض تريد لاين موزعي شركة Apple للحاسبات، أجهزة iPad2 بسعر ٧٨٥٠جم (١٣١٥ دولار أمريكي) للنموذج الكامل؛ اشتريت أحدها يوم ١٣ يوليو ٢٠١١. فجأة وقبل مرور خمس وأربعون يوماً أعلن أن سعر الجهاز أصبح ٦٢٠٠جم (١٠٣٨ دولار أمريكي) !! سألت لماذا قالوا أن السعر الجديد هو الرسمي!! يعني الموزع المعتمد باع الجهاز للعملاء في السوق السوداء ولم ينبههم أن الجهاز سيطرح رسمياً خلال أقل من شهر ونصف الشهر!! أليس من الغباء التجاري أن يلهف الموزع ١٦٥٠ جم ويخسر سمعته ومصداقيته للأبد؟! هل لا يزال هناك من يتصور أن المصريين فريسة سهلة!! هل هكذا يكون التعامل المحترم بين موزع شركة Apple الكبري والمصريين من الباحثين عن التكنولوجيا الحديثة؟! ألم يكن الموزع علي علم بميعاد السعر الرسمي وهو يتاجر في السوق السوداء بالعلامة التجارية التي إئتُمِنَ عليها؟!

أليس للعملاء، الذين تعرضوا لهذا المَسلَك، الحق في التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي أضرتهم؟! لو كنا في دولة تقدر حقوق مواطنيها لما بقي هذا الموزع في السوقِ ثانية واحدة ولحاسبه المسؤولون عما ارتكبه مما يحاسبُ عليه القانون.

اللهم بلغت وشكوت،،

Twitter: @albahary

السبت، 20 أغسطس 2011

يا وزير التعليم العالي … كيف حصلت علي إحصائياتك ومن أين؟!


صرح الدكتور معتز خورشيد وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي والتكنولوجيا بأن الاستطلاع الذي جري في 19 جامعة حكومية أظهر أن مابين 85% و90% من الأساتذة اختاروا الانتخابات, بينما طلب 10% إلي 15% من الأساتذة نظام اللجنة. وقال الوزير إن النسبة في جامعات القاهرة الكبري تراوحت بين 74% إلي 89%, وفي جامعات الدلتا بين 85% و100%. هذا ما وردَ حرفياً في أهرام يوم الجمعة ١٩ أغسطس ٢٠١١. أسفت وحزنت، فبعد أن استبشرنا بسقوطِ نظامٍ أزلَ شعبَه، إذا بنا مسحوبون من قفانا آلى ما سيجرنا إلي الفوضى والتخوين والتشهير. صُدِمت أن يكون في مصر من لم يحاول التعرفَ علي العالم المتقدم، من لم يجتهد جهداً يسيراً ليرى أو يسأل كيف يتم اختيار القيادات الجامعية هناك.

المقترحاتُ العجبُ تقوم علي انتخابِ رؤساءِ الأقسامِ العلميةِ من خلالِ كلِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالقسمِ وإضافةِ نسبة ١٠٪ من عددهم للمدرسين المساعدين والمعيدين!! كيف ينتخبُ طالبٌ أستاذه؟! كيف يحاسبُ رئيسُ القسمِ إذن من يتاجرُ في الكتبِ ويمتهنُ الدروسَ الخصوصيةَ؟! كيف يرفعُ عينَه فيمن يتغيبُ عن العملِ؟! كيف يمكنُ احترامُ أستاذٍ يلهثُ وراءَ أصواتٍ تُجلُسُه كسيراً خانعاً مُطأطةٌ رأسُه علي كرسي صوري؟! كيف يتمكنُ أستاذٌ من ترقيةِ مدرسٍ أو أستاذٍ مساعدٍ وهو يتسولُ كرسي؟! هل وُضِعَت هذه المقترحاتِ بمعرفةِ تجارِ الدروسِ الخصوصيةِ والكتبِ المنتسبن لأعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟! ألا يحقُ للمجتمعِ الجامعي معرفةِ تاريخِ كلِ من وضعِ هذه المقترحاتِ، دراسياً وسلوكياً ووظيفياً، وأكيد نفسياً؟!

أما علي مستوي العمادةِ، فمن المقترحاتِ انتخابُ العميدِ بمعرفةِ كلِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ بالكليةِ، وتضافُ نسبةُ ١٠٪ من عددِهم للمدرسين المساعدين والمعيدين، نفس المصيبة!! أضف إليها أن من يعينُ عميداً يجُب ألا يحصل على أقلِ من ١٠٪ من الأصواتِ!! يا حلاوة، عميد منتخب يرفضه ٩٠٪ من أعضاءِ هيئةِ التدريسِ!! إحنا فين؟! هل تُرفعُ هذه المقترحاتُ لمجردِ فرضِ الرأى؟! هل الجامعاتُُ أنديةٌ اجتماعيةٌ أو نقاباتٌ مهنيةٌ؟! من سيذهب لانتخابِ رئيسِ الجامعةِ؟! وهل ستُعطلُ الدراسةُ لحضورِ الندواتِ والمساجلاتِ الانتخابيةِ؟! أهكذا يكونُ العملُ الاكاديمي؟!

أُرسِل المقترحان إلي الكليات يوم الأحد ٧ أغسطس واجتمعنا يوم الأربعاء ١٠ أغسطس وارسلنا رأينا يوم الخميس ١١ أغسطس كما طُلِبَ منا. كيف إذن تمَكنَ وزير التعليم العالي من الإعلان عن هذه الاحصائيات يوم الخميس ١٨ أغسطس؟! كيف تمكنَ في خمسة أيام من تجميع آراء الكليات من الجامعات كلِها، ثم تفريغها وإعلانها بهذه الثقة؟! وما هي نسبة المشاركين فيها؟ أم أنه اكتفي باستبيان أجري علي الإنترنت واعتبره معبراً عن آراءِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟! حسبما نعلم أن السيد الوزير عملَ في مجال الحاسبات ومن المؤكدِ أنه يعلم أن للدراساتِ الإحصائيةِ قواعداً وأصولاً علميةً متعارفٌ عليها. دائماً ما نحذر الطلابَ من التلفيق بغرضِ الوصولِ إلي نتائجٍ بعينِها، وطالما تندر الجميع باستفتاءات واستبيانات الانترنت، لكن هل أصبحَ التلفيقُ ميراثاً يتعذرُ منه خلاصٌ؟

حالةُ الفوضى والأنانية تلك، تذكرني بواقعةٍ تؤكدُ علي نمطِ التفكيرِ السائدِ في طلبِ ما لا يُطلبُ. فوجئتُ برسالةٍ إلكترونيةٍ غاضبةٍ من مصري مقيم بالخارجِ ويعملُ بجامعةٍ متواضعةٍ، كان غاضباً حانقاً لماذا يُرفضُ له بحثٌ في مؤتمرٍ أتولي تنظيمه، كيف أن الثلاثةَ محكمين لم يفهموا ما أبدعَ وافتكسَ، وأن مصر هي هي لم تتغيرْ بعد ٢٥ يناير، وأنه لا يصحُ أن أترأس هذا المؤتمرَ!! طبعاً فهو مصري مقيمٌ بالخارجِ ونحن بالداخلِ، أقل منه فهماً وعلماً ومعرفةً. هذا الشخصُ لم يجاوزْ الأربعين، واثنان ممن حكموا ما افتكسَ غيرُ مصريين. لكن يبدو من ساعة الجيل الفاشل التي أطلقها أحد المصريين المقيمين بالخارجِ استظرافاً واستلطافاً واستخفافاً تأكدَ أننا ملطشةٌ لمن يهبطون علي البلدِ بالبراشوت!! وللأسفِ لمن بالداخلِ ويتصورون أن الثورةَ حكراً عليهم.

لن اتعجب أن يدور الأساتذة، الذين ستتوفر لديهم جرأة عرض أنفسَهم، بأقلام وأجندات وملبس وشيكولاتة، وأن يسرفوا في القبلات والأحضان والضحكات والانحناءات، حتى يحوزوا الرضا السامي ويجلسوا على كرسي مخلع. ولن استغرب الدعوات التي رُفِعت لإشراك الطلاب والموظفين أيضاً في ُاختيار القياداتِ الجامعيةِ.

لهذه الحكومةِ مفتاحٌ عرِفَه الجميعُ، اِعتصِم وعَطَل العملَ واستلقْ علي الطرقات، أي سُكَها وأظهر لها العين الحمراء تَخُرُُ ساجدةً طائعةً، هل بهذا نُبِه علي وزرائها ولهذا اختيروا؟! كَرِهنا وهاجمنا الأسلوبَ السابقَ لاختيارِ القيادات الجامعيةِ علي مستوي رؤساءِ الجامعاتِ وعمداءِ الكلياتِ فإذا بنا أمام ما لا يقلُ عنه سوءاً وتخريباً وتدميراً. انطلقت أمريكا إلي كوكب المشتري، لكنها تاهت عن الانتخابات في الجامعات، فظهر في مصر من يخترعها. مقترحاتٌ كتلك ما وراءها إلا ضياعُ الإحترامِ في الجامعةِ، وانعدامُ الانضباطِ الوظيفي والسلوكي. تدميرُ الجامعةِ تدميرٌ لوطنٍ بأكملِه، طبعاً مش مهم. إييه، هي الفضفضة حرمت؟!


نُشِرَت بجريدة الجمهورية يوم الإثنين ٥ سبتمبر ٢٠١١


Twitter: @albahary 

الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

الجامعات داخلة الجُب … ومعها ما معها



مقترحات السادة وزراء التعليم العالي، يا قلبي لا تحزن، واحد داخل وواحد خارج، مرعوشين، هفتانين، مهزوزين، والضحية الجامعة والأخلاق والتعليم والبلد. اطلعت علي مقترحات اختيار القيادات الجامعية التي شربوا حاجة صفرا أو وُضِعوا في غرفِ التعذيب ليخرجوا بها. صُدِمت أن يكون في مصر من لم يحاول أن يتعرفَ علي العالم المتقدم، لم يجتهد جهداً يسيراً ليرى أو يسأل كيف يتم اختيار القيادات الجامعية فيها. مصر داخلة علي مصيبة طالما أن الفوضي وتصفية الحسابات والانتقام حتي من الذات هو المُسيطرُ. بعد أن استبشرنا بسقوطِ نظامٍ أزلَ شعبَه، إذا بنا مسحوبون من قفانا آلى نظامٍ سيجرنا إلي الفوضى والتخوين والتشهير. العيب علي السادة الوزراء طبعاً وعلي من يرون أنهم متحدثون عن أعضاء هيئات التدريس، من الواضحِ أن الوزرءَ غلابة لدرجةِ تطاولِ أحد أعضاءَ هيئاتِ التدريسِ على الوزيرِ السايقَ علناً في إحدى الفضائياتِ. أما من يتحدثون عنا رغماً عنا، فلا يخرجُ همُهم عن فرضِ ما يريدون ولو كان فاقدَ المنطقِ وسلوكياتِ واجبةٍ. من يرون أنهم علماءٌ أجلاءٌ ثوريون سدوا أعينهَم وٍأقفلوا أذانَهم عن العالمِ المتقدمِ علمياً، عمداً ومع كلِ الإصرارِ والترصدِ.


المقترحات الموصومةُ تقوم علي انتخابِ رؤساءِ الأقسامِ العلميةِ من خلالِ كلِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالقسمِ وإضافةِ نسبة ١٠٪ من عددهم للمدرسين المساعدين والمعيدين!! كيف ينتخبُ طالبٌ أستاذه؟! كيف يحاسبُ رئيسُ القسمِ إذن من يتاجرُ في الكتبِ ويمتهنُ الدروسَ الخصوصيةَ؟! كيف يرفعُ عينَه فيمن يتغيبُ عن العملِ؟! كيف يمكنُ احترامُ أستاذٍ يلهثُ وراءَ أصواتٍ تُجلُسُه كسيراً خانعاً مُطأطةٌ رأسُه علي كرسي صوري؟! كيف يتمكنُ أستاذٌ من ترقيةِ مدرسٍ أو أستاذٍ مساعدٍ وهو يتسولُ كرسي؟! هل وُضِعَت هذه المقترحاتِ بمعرفةِ تجارِ الدروسِ الخصوصيةِ والكتبِ المنتسبن لأعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟! ألا يحقُ للمجتمعِ الجامعي معرفةِ تاريخِ كلِ من وضعِ هذه المقترحاتِ الكارثيةِ، دراسياً وسلوكياً ووظيفياً، وأكيد نفسياً.

أما علي مستوي العمادةِ، فمن المقترحاتِ انتخابُ العميدِ بمعرفةِ كلِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ بالكليةِ، وتضافُ نسبةُ ١٠٪ من عددِهم للمدرسين المساعدين والمعيدين، نفس المصيبة!! أضف إليها أن من يعينُ عميداً يجُب ألا يحصل على أقلِ من ١٠٪ من الأصواتِ!! يا حلاوة عميد منتخب يرفضه ٩٠٪ من أعضاءِ هيئةِ التدريسِ!! إحنا فين؟! هل تُرفعُ هذه المقترحاتُ لمجردِ فرضِ الرأى؟! هل الجامعاتُُ أنديةٌ اجتماعيةٌ أو نقاباتٌ مهنيةٌ؟!

مع الأسفِ أن الجامعاتِ في حالةِ توهان، هناك من أساتذةِ الجامعاتِ من أصبحوا ثوريين علي كبرِ، بعد أن شاخوا، بعد أن حصلوا علي الأستاذية واطمأنوا علي الترقيةِ، بعد أن تيقنوا أن الثوريةَ مهنةٌ رائجةٌ، بعد برَدَت نفوسُهم وتأكدوا أنهم لا يُضحون كما لم يُضَحوا. هناك منهم من تصوروا أن الثورةَ فوضي وانتقام وتصفية حسابات، خاصةً مع الأكبرِ. مقترحاتٌ كتلك ما وراءها إلا ضياعُ الإحترامِ في الجامعةِ، انعدامُ الانضباطِ الوظيفي والسلوكي، تدميرُ الجامعةِ تدميرٌ لوطنٍ بأكملِه، طبعاً مش مهم.

حالةُ الفوضى والأنانية تلك، تذكرني بواقعةٍ تؤكدُ علي نمطِ التفكيرِ السائدِ في طلبِ ما لا يُطلبُ. فوجئتُ برسالةٍ إلكترونيةٍ غاضبةٍ من مصري مقيم بالخارجِ ويعملُ بجامعةٍ متواضعةٍ، كان غاضباً حانقاً لماذا يُرفضُ له بحثٌ في مؤتمرٍ أتولي تنظيمهُ، كيف أن الثلاثةَ محكمين لم يفهموا ما أبدعَ وافتكسَ، وأن مصر هي هي لم تتغيرْ بعد ٢٥ يناير، وأنه لا يصحُ أن أترأس هذا المؤتمرَ!! طبعاً فهو مصري مقيمٌ بالخارجِ ونحن بالداخلِ، أقل منه فهماً وعلماً ومعرفةً. هذا الشخصُ لم يجاوزْ الأربعين، واثنان ممن حكموا ما افتكسَ غيرُ مصريين. لكن يبدو من ساعة الجيل الفاشل التي أطلقها أحد المصريين المقيمين بالخارجِ استظرافاً واستلطافاً واستخفافاً تأكدَ أننا ملطشةٌ لمن يهبطون علي البلدِ بالبراشوت!! وللأسفِ لمن بالداخلِ ويتصورون أن الثورةَ حكراً عليهم.

الجامعاتُ داخلة للظلماتِ، لتحت، والثوريون بالانتسابِ وضعوا الجامعاتِ علي أجندتِهم، يعني لابدَ من تسييرِها علي هواهِم، ولو كان تدميرها هو الثمن، بالعربي كده.

الحمد لله أنني لم أنافقْ ولم أتبدلْ ولم أتغيرْ، وكتاباتي موجودةٌ متاحةٌ بالعشراتِ، وشكري لكل صفحةٍ اتسعَت لها وأسفي علي من تلونوا وقصروا صفحاتِهم علي ما يظهرهم ثوريين مناضلين، بالأونطة،،


نُشِرَت بجريدة الوفد يوم الجمعة ١٢ أغسطس ٢٠١١



Twitter: @albahary


الخميس، 4 أغسطس 2011

من عبرات سقوط الدولة العثمانية ... وأي دولة دينية


بعدما كانت قوة عظمى، بدأ فى عام 1800 سقوطُ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ بسبب مزيجٍ من الانحطاطِ الداخلي والضغوط الخارجية. فَقدت حيويتَها الاقتصاديةَ بعدما أخَذَت الدولُ الأوروبيةُ الكبرى فى الدوران حول أفريقيا للتجارةِ واعتمَدت على الأمريكتين بدلا من الوسيط العثمانى، أيضاً تجاوزَت أوروبا الصناعية التقاليدَ العثمانيةَ التي عفا عليها زمنُ الثورةِ الفكريةِ والصناعيةِ. كما أدى ضعفُ نظامِ السلطنةِ إلى فقدانِ السيطرةِ المركزيةِ للدولةِ العثمانيةِ ثم الانهيارِ في نهايةِ المطافِ بعد تحالفِها مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.





من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر، أخذَت أوروبا طريقَ التقدمِ في جميع مجالات الحياة بأفكارٍ جديدةٍ وضَعَت تحدياً للقديمِ وأحدَثَت تغييراتٍ جِذريةٍ فى المجتمعِ تُناقضُ مع تأسسَت عليه الدولةُ العثمانيةُ التقليديةُ. غيَرَت الثورةُ العلميةُ التي حدَثَت في القرنِ السادسِ عشر الطريقةَ التي ينظرُ بها الأوروبيون إلى الحياةِ ككلِ، وتمحوَرَت ثورةُ الفكرِ على أساسياتٍ ثلاثة، الحرية والحقوق والمساواة، وغُلِبَ العقلُ على القوالبِ التقليديةِ كلِها.


وإذا عدنا إلى بدايةِ القرنِ الرابع عشر، فقد أنشأ عثمان الأول الدولة العثمانية، التي كانت متجهةً لتصبحُ واحدةً من إمبراطورياتِ التاريخِ القويةِ التى سيطرَت في أوجِها على منطقةٍ واسعةٍ شَمَلَت بلداناً في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا، وأوروبا. وقد كان عثمان الأول، الأول في سلسلةٍ طويلةٍ من السلاطين الذين حكموا الإمبراطوريةَ العثمانية التى دامت لأكثرِ من 700 سنة، من عام 1301 لعام 1922، صعَدَت خلالها حتى سقَطَت بغيرِ رجعةٍ.





كان تراجعُ نظامِ السلطنةِ أحدَ الأسبابِ الرئيسيةِ المسؤولةِ عن سقوط الإمبراطورية العثمانيةِ. في الأصلِ كانت السلطنةُ مؤسسةً قويةً، يختارُ فيها السلطانُ خليفةً له من بين العديِدِ من أبنائه (وكان لبعضِ السلاطينِ أكثرُ من خمسمائةِ إبنٍ). وقد بدأ ضَعفُ السلطنةِ في عهد سليمان الفاتحِ على الرغم من أن حكمَه شهَدَ العصرَ الذهبى للإمبراطوريةِ العثمانيةِ، إلا أنه في السنوات الأخيرة من حياتِه أصبحَ أقلَ نشاطاً فى الاهتمامِ بشؤونِ الدولةِ، إلى أن دَبَرَ ضدَه إثنان من خلفائه المحتملين فأعدَمَهم. تلى ذلك، تَوَلى سليم الثاني السلطنةِ على الرغمِ من حقيقةِ أنه كان يعيشُ حياةً منعزلةً في القصرِ وبلا خبرةٍ في الحكمِ ولا كفاءةٍ، وقد كان ولَعُه المُفرِطُ والوحيدُ بالمُتعِ الجَسَديةِ. من بعده، واصلَت السلطنةُ الهبوطَ والتراجعَ، لانشغالِ الخلفاءِ المُحتملين بالحريمِ، ولهَجَرِ السلاطينِ تقليدِ تدريبِ أبنائهم على إدارةِ السلطنةِ والحكمِ. وقد أدى تراجعُ نظامِ السلطنةِ إلى ضَعفِ سيطرةِ الحكومةِ المركزيةِ على أنحاءِ الإمبراطورية، فأخَذَت قطاعاتٌ كبيرةٌ من الإمبراطوريةِ فى الانفصالِ، فى شمال أفريقيا عام 1808 وفى اليونان عام 1826.



وشهَدَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ ركوداً اقتصادياً لأنها فَشَلَت في التَكَيُفِ مع التَغَيُراتِ التي طرأت على العالمِ من حولها. لفترةٍ طويلةٍ خَدَمَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ كبوابةٍ للشرقِ، لأنها جَلَسَت على مفترقِ الطرقِ بين أوروبا وآسيا. وبالتالي، شكَلَت الإيراداتُ من طُرقِ التجارةِ جُزءً أساسياً من اقتصادِها. إلا أن الأوروبيين طَوَروا طُرقَ التجارةِ الجديدةِ التي تجاوزَت الإمبراطوريةَ العثمانيةَ، مما ضَرَبَها بشدةٍ. ثم، خلالُ القرنِ الثامن عشر، فَشلَ العثمانيون في التصنيعِ وتخلَفوا تماماً عن الدولِ الأوروبيةِ المحيطةِ بهم، وبطبيعةِ الحالِ خابَت بضاعتُهم فى المنافسةِ وهو ما جعَلَ الركودَ الاقتصادى يخنقُهم ويُوهِنُ إمبراطوريتَهم.




أيضاً، كان التحولُ في ميزان القوى الدولي عاملاً فاعلاً في سقوط العثمانيين. فقد شَكَلَ أورخان، السلطان العثماني الثاني، شعبةً من الجيشِ سماها الإنكشارية، ظَلَت أشرس قوة قتالية في أوروبا لأعوامٍ كثيرة. في عهدِ سليمان أصبَحَت الإمبراطورية العثمانية أقوى دولة في العالم، وفي عام 1529 وصلَ سليمان أبوابَ فيينا. مع مرورِ الوقت، تقادَمَت الإنكشارية وتمرَدَت وعجزَت عن ملاحقةِ الثورةِ الصناعيةِ، ولم يعدْ العثمانيون قوةً. وعلاوةً على ذلك، أضعَفَتهم الحروبُ العديدةُ مع روسيا خلال الفترةِ 1806-1812، وكذلك فى القِرم 1853-1856، وأنهَكَتُهم حركاتُ التمردِ في منطقة البلقان. في عام 1839، حارَبَ العثمانيون ضد محمد علي، حاكم مصر، وهو ما أسفَرَ عن خروجِ مصر من الامبراطورية العثمانية. كما لم تكنْ علاقاتُ العثمانيين بجيرانِهم جيدةً، وارتكبوا فى 1915-1918 مذبحةَ تطهيرٍ عرقيٍ راحَ ضحيتها مليونٌ والنصفُ مليونٍ من الأرمن. في آخرِ المطافِ، تحالفَ العثمانيون في الحربِ العالميةِ الأولى مع ألمانيا، ومع نهايتها، كانت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ قد مُزِقَت ولم يبقْ منها إلا تركيا الحاليةُ.


وفي النهاية، اِنهارَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ بعدةِ عواملٍ داخليةٍ وخارجيةٍ، أدَت في خاتمةِ مطافِها إلى عزلةٍ عن التاريخِ والجغرافيا أسقطتها بلا رحمةٍ. سَجَنَت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ نفسَها فى العصورِ الوسطى بكلِ مَظالِمِها، بينما الكلُ من حولِها يسبقُها وهى غافلةٌ، لدرجةِ أن العثمانيين كانوا يتصورون الجنودَ الأوروبيين حريماً لشعورِهم الطويلةِ إلى أن فوجئوا بهم رجالاً غازين منتصرين. تسبَبَ الفسادُ في مؤسسةِ الامبراطوريةِ العثمانية والحكومةِ، ورفضِها التقدمِ الاجتماعى والثقافى والسياسى والاقتصادى والعلمى فى تفتتِها ووقوعِها بسهولةٍ فى أيدى إمبراطورياتٍ جديدةٍ تسيطرُ على العالمِ بعقولٍ مُنفتحةٍ، حَقَقَت للإنسان حريتَه وكرامتَه.



في عالم اليوم، اجتاحَت بدعمٍ عالمي القواتُ الأثيوبيةُ والأفريقيةُ الصومال، ما تزالُ ميليشيات الشباب تكررُ وتعيدُ الخطابَ العتيقَ، المتشنجَ، المانعَ، الرافضَ، تجبرَت رغم هشاشتها، تمنعُ المعوناتٍ عن شعبٍ في مجاعةٍ، لا اعتبارَ عندها لحياةٍ أدميةٍ، قهرَت وتقهرُ شعبَها باسم الدين. 
قبلها كان إقصاء طالبان بعد أن قدمت نموذج يستحيل أن يُحتذي. بنفس الإخراج، أُبعد حزب الله عن جنوب لبنان، أُجلي عن أرضٍ كانَ يعتبرُها حصنَه وملاذَه، يتغني بالنصر ِعن بُعد، بالمراسلةِ، يطالبُ بالثمنِ من استقرارِ لبنان ووحدتِه، يلعبُ بشارعٍ يسودُه التقلبُ والغوغائيةُ. وبمحنة الجلوس علي كراسي السلطة بأي ثمنٍ وعلي أي خرابةٍ سيطرَت حماس، غابَت عنِ العصر، اتشحَت بنفسِ سلاحِ القهرِ، باحتكارِ الصوابِ، برفضِ الآخرين، بإنكارِ التاريخِ، المعاهداتِ، الاتفاقياتِ. العالمُ الآن شديدُ الحساسيةِ لهذا الخطاب، لا يصدقُه، لا يثقُ به، يري فيه التنمرَ عند المقدرةِ، الخيانةَ. السودان تَم تقسيمُه، ليس بمستغربٍ أن يُلقى القبضُ على البشير وتتمُ محاكمتُه أمام محكمة العدل الدولية؛ ألم ينتهي دورُه؟




في مصر بوادرُ تجربةٍ مماثلةٍ، تتصورُ في نفسِها القوةَ، تتحدي سلطةَ الدولةِ، الفسادُ المستشري أغراها برفعِ شعاراتِ استمالةِ الناقمين، هِرَم النظام السابق جرأها. بوضع اليد سيطرت علي شوارع وجامعات ونقابات، تغلغلت باسم التجارة وفعل الخير، أساءت لكل من فكر علي خلافها، سلاح الدين مُشهر، به تمنح وتمنع، تبيح وتحلل، تقود المطحونين لويلات أكبر منهم. ما أخطر سيطرتهم أو حكمهم، الشعب هو الضحية، مصر الدولة، المعاهدات التي ينكرونها ستهدر أرضاً غالية، إنكارُ المواطنةِ سيمزقُ الوطنَ، لا يملكون إلا كلاماً براقاً مخادعاً وتاريخاً محدودَ النماذجِ بالهوى يروونه، وواقعاً بائساً يائساً فقيراً يتصورونه ملاذهم.


ليعطوا الفرصة ليجربوا، كيف؟ لا يقدمون إلا هلاميات تثيرُ الفزعَ، صراخٌ، تطاولٌ، تهديدٌ، وعيدٌ، لا مجالَ للتجربةِ، سوف تكون الأخيرة وبعدها الانهيار والتفتت. 
بنك فيصل السعودي قدم النموذج، نظام قَبَلي يستبعد المخالفين في الديانة، يستغلُهم ولا يسمحُ بمشاركتِهم في اتخاذِ القرارِ، في الحكمِ، كله باسم الدين.
 

الجمعة 29 يوليو 2011 أكدَ أن الحالَ مخيفُ، اقتحامُ العريش باسم الدين كارثي، لا نملك ترف المجاملة، و إخفاء الحقيقة والمخاوف، أو الدفاع عن دكتاتوريات دينية فيها عظاتُ كل من يعتبرُ. الترويجُ لمن يرون أنهم الحلُ، ما هو إلا الدمار علي عجل، الخروج من التاريخ والجغرافيا،،




Twitter: @albahary

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

هي جَت علي العريش؟!


حاول متطرفون السيطرة علي العريش يوم الجمعة ٢٩ يوليو ٢٠١١. قتلوا ضباطاً وأصابوا مواطنين أبرياء، ومع ذلك لم يُصَبْ منهم أحد. كالعادة، انبرى للدفاع عنهم شركاؤهم في الفكر، تعليقاتُهم تفضحُهم في المواقع الإلكترونية للصحفِ. الحقيقة أن انهيار الدولةِ لم يتوقفْ عند العريش، الموضوع أكبر بكثير، المعارك الداميةُ في كلِ مكان بالسلاح الناري والأبيض دليلٌ علي أن الدولة والقانون ما عادا علي البالِ. ما بغائبٍ عن النظرِ احتلالُ الباعةِ الجائلين لكل مكان يصلون إليه بما يفرضون من قذارةٍ وتلوثٍ وتعطيلٍ للمرورِ وسلوكياتٍ متدنيةٍ. احتلالُ البلطجيةِ أرضِ الدولةِ فى الحي العاشر وتقسيمها وتحويلها إلي أكشاك عشوائيةً، بَسطُ سيطرةِ مناديي السيارات علي كلِ شارعٍ، لم تعدْ في مصر طرقٌ رئيسيةٌ، كيف وصلَ الحالُ بميدان رمسيس؟

مصائبٌ تفرضُ نفسَها علي مصر بوضع اليد وبلي الذراع، واللي عاجبه. من المعتادِ الآن سماعُ أصواتِ أعيرةٍ ناريةٍ، رؤيةُ السياراتِ مسرعةٍ في الاتجاه المخالفِ، شراءُ سلعٍ مجهولةِ المصدرِ، من بينها الأسلحة الناريةِ، حاجة تقطع القلب. مأساةُ مصر الآن ليست علي أي بالٍ، المهمُ الوحيدُ الاستيلاءُ علي كرسي حكمِها ولو لم يتبق منها ما يُحكمُ. الناسُ فاض بها، الأغلبيةُ التي لم تشاركْ في مظاهرةٍ ولا جمعة كَرِهَت السياسةَ والشعاراتِ، كلِ الشعاراتِ والوجوهِ، برامج التوك شو ما عادَت تجلبُ إلا النفورََ وعدم التصديقِ، الفضائيات الإخباريةُ مثل العربية والجزيرة وBBC جعلَت من شاشاتِها مُحرضاً دائماً علي التوترِ والقلاقلِ، أجندتُها غير مصرية ولو كان ضيوفُها المستديمون مصريين.

مصر الآن في حالةِ توهانٍ شديدٍ، لا أجد أفضلَ تعبيرٍ عنها إلا مسلسل الريان، هل يريدون الترويجَ لفكرةِ الفهلوي، تاجر العملة، الحدق، بهلوان البيضة والحجر؟! هي الموضوعات خلصت؟ ألا توجدُ شخصياتٌ تستحقُ التذكرَ في مسلسلٍٍ يُستفادُ منه؟ هل هو سيرٌ علي نهجِ زوبة الكلوباتية واللص الظريف؟

كم أشعر بالأسي كلِه وأنا أري بلطجياً عجوزاً وأبنائه وقد عادوا بعد الخامس والعشرين من يناير ليحتلُوا ميدان شارع الطاقة عند تقاطعِه مع أبي داود الظاهري بجوار النادي الأهلي في مدينة نصر، بعد أن سبقَ وأزالهم الحي لتعديهم بالضربِ علي موظفيه، الآن عادوا عيني عينك، غازين فاتحين ناشرين القذارةَ، وقبلَها الخسةَ والانحطاطَ والنذالةَ التي يمكنُ أن يتصفَ بها بشرٌ. لكن هل عليهم العيب؟ لا ولا ولا، طالما أن الدولةَ المصريةَ في خبر كان، وأن مسؤوليها مطأطأةٌ رؤوسهُم.

لو كان في قلاقلِ مصر وغيرِها خيرٌ ما أيدها الغربُ، بشدة وبحُرقة،،


Twitter: @albahary

الأحد، 24 يوليو 2011

هل اِنتُخِبَ طه حسين وأحمد لطفي السيد؟!



مطالبٌ كُثرٌ عن وجوب الانتخاباتِ لاختيارِ القياداتِ الجامعيةِ، ولى رأيىٌ شخصىٌ مخالفٌ على ما ساوردُ. بدايةً، لا اعتراضَ على أيةِ مطالبٍ تُقللُ من التفاوتِ الشديدِ بين الدخولِ فى نفسِ مكانِ العملِ على الرغمِ من التساوى فى المؤهلِ، وأيضاً وهو المهم فى الكفاءةِ. وإذا كان من الضرورى التروى حتى تهدأُ الأوضاعُ بعد توقفٍ طالَ ويبدأُ الاقتصادُ فى شدِ مصر الدولة حتى تقفُ لمكانةٍ هى بها جديرةٌ، فإنه من الواجبِ أيضاً التجردُ عند أية مطالباتٍ ماليةٍ أو غيرِها. وإذا كان الشبابُ قد غيروا وجهَ مصر اعتباراُ من الخامسِ والعشرين من يناير واستمروا على عطائهم حتى هذه اللحظةِ بتجميلِ الشوارعَ فإن اللافتَ للانتباهِ من يستغلون فترةَ الفورةِ بما لا يتلاءمَ وجلالها.


لن أتعرضَ للانفلاتِ الأمنى والبلطجةِ وتعطيلِ العملِ، لكنى سأعرضُ وجهةَ نظرى الشخصيةِ فى بعضِ ما يُطلَبُ فى الجامعاتِ، بعد أن دخلَت الأسلاكُ بعضُها فى بعضٍ وبدا التباينُ واضحاً وكذلك التعارضُ فى المصالحِ والمرامى، بدايةً من المُطالباتِ الماليةِ إلى الدعوةِ لانتخاباتِ رؤساءِ الجامعاتِ وعمداءِ ووكلاءِ الكلياتِ وصولاً لرؤساءِ الأقسامِ. الغريبُ أن هناك من طلبوا برفعِ مرتبِ أستاذ الجامعةِ فى جامعاتِ الحكومةِ إلى أربعة وعشرين ألف جنيه شهرياً، رقمٌ لا يُسمعُ عنه أصلاً فى الجامعاتِ الخاصةِ!! كيف يُقبلُ من أساتذةِ الجامعاتِ أن تُنسبَ لهم مطالباتٌ كتلك فى زمنٍ تشحُ فيه مواردُ الدولةِ ويقلُ متوسط الدخلُ السنوى فيها عن ثلاثة ألاف جنيه؟
أما يُطالبُ به من انتخاباتٍ للإداراتِ الجامعيةِ فإنى أراهُ كلمةَ تبدو حقاً ولا يُرادُ بها حقٌ، وما علينا إعادة اختراع العجلة بحجة أننا فى هوجة ما بعد سقوط نظام، فجميعُ جامعاتِ العالمِ لا تعرفُ إلا التعيينَ بمعرفةِ لجانٍ متخصصةٍ تنأى بهذه المناصبِ عن السياسةِ وعن الانتماءاتِ المذهبيةِ. الانتخاباتُ كما عرفَها عالمُ السياسةِ هى وسيلةٌ لتداولِ السلطةِ، وفى عالم الأنشطةِ الاجتماعية كالأنديةِ والنقابات والاتحادات هى ضرورةٌ لاختيارِ من يقدمُ الخدماتِ لأبناءِ مهنتِه أو ناديه. أما فى عالمِ الإدارةِ فكيف يُديرُ من يُدينُ بكرسيه لمن انتخبوه؟ كيف سيُحاسِبُ مُخطئيهم ومُنفلتيهم؟! لستُ من أهلِ السياسةِ ولا كنت فى الحزبِ الوطنى وما أكثرُ ما كَتَبتُ عن أوضاعٍ خاطئةٍ دفعتُ ثمنَها استبعاداتٍ بلا أخرِ، لكن الحقَ أحقُ أن يُتبَعَ حتى لو علا الضجيجُ.
كيف يُمكن انتخابُ رئيسِ الجامعةِ وأعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ يكادُ يعرفُ بعضُهم بعضاً؟! أما انتخاباتُ العمادةِ فلم تكن معروفةٌ فى الجامعاتِ لفترةٍ طويلةٍ وأُلغيَت فى ظروفٍ غامضةٍ بفعلِ ترزيةِ القوانين، لكن من الممكنِ الوصولُ إلى صيغةٍ متوسطةٍ تُحققُ التوائمَ بين حقِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ فى اختيارِ من يمثلُهم وحقُ جهةِ الإدارةِ فى من تتعاملُ معه. أما وقد وصلنا لانتخاباتِ رؤساءِ الأقسامِ، فهى واقعاً غيرُ عمليةٍ لقلةِ عددِ الأساتذةِ بالأقسامِ ولما تُخَلِفه انتخاباتٌ كتلك من حَزازاتٍ وحساسياتٍ تنعكسُ سلباً على العملِ، ومن ناحية أخري فإن ما أُغفِلَ عمداًِ في هذه الهوجة أن رؤساء الأقسام يكون تعيينهم بمقتضي القانون فقط لا لعضويتهم في حزب وطني أو غيره. وإذا كانت الممارساتُ الفَظَةُ والفَجةُ للجنةِ السياساتِ بالحزبِ الوطنى قد وضَعَت، فى العامين الأخيرين تحديداً، أعضاءً منها فوق كلِ الكراسى الجامعيةِ، فإنه من الضرورى أن يكونَ قانونُ الجامعاتِ مانعاً لأوضاعٍ كتلك لا موجداً لأخطاءٍ جديدةٍ. الغريبُ أن من يطالبون بالانتخاباتِ فى الكراسى الجامعيةِ قضوا صامتين ساكنين بالخليج سنواتٍ حيث لا انتخاباتَ ولا غيره!!
الانتخاباتُ لا يتقدمُ لها إلا طائفةٌ من الأساتذة ذوى القدرةِ على عرضِ أنفسِهم وبلعِ ريقِهم إذا أوصِدَت أمامهم أبوابُ القبولِ، صفاتٌ ستمنعُ كثيراً من الأساتذةِ المُتعَفِفين من التقدمِ لأيةِ انتخاباتٍ، حتى لو كانوا على مقدرةٍ وخبرةٍ وكفاءةٍ. أيضاً، ستَحجِبُ الانتخاباتُ الأقباطَ وستزيدُ من شعورِهم الحقيقيى بالإبعادِ، ومن المؤكدِ سَتركِنُ المرأةَ، كذلك ستقصر انتخابات العمادة إدارة الكلية في الأقسام الأكبر عدداً ولو غاب أعضاء هيئة التدريس بها عن الكلية جرياً وراء مكاتبهم وشركاتهم وعياداتهم.
لم يَتَعرضْ أساتذةُ الجامعاتِ المطالبون بالانتخابات لواجبِهم فى التواجدِ الحقيقى بكلياتِهم وهم يقيناً يعلمون أنهم أو كثيرٌ منهم يعملون معظم الوقتِ فى شركاتٍ ومكاتبٍ استشاريةٍ ومستشفيات وعيادات قضَت تماماً على التزامِهم الوظيفى لدرجةِ أن وصلَ الأمرُ بهم إلى التفضلِ على العملِ وفرضِ سلوكياتٍ غيرِ جامعيةٍ مَرفوضةٍ مَمجوجةٍ.

 الانتخابات في الجامعة لن تورث إلا الشلليات والمجاملات والتغاضي عن الغياب والجمع بين وظيفة الجامعة وغيرها، لن يكون وراءها إلا غض الطرف عن الدروس الخصوصية وفرض الكتب علي الطلاب، ومن الطبيعي أن تكرس مجاملة أبناء وأقارب ومعارف أعضاء هيئات التدريس.
هل انتُخِبَ طه حسين وأحمد لطفي السيد؟ هل غفلَ العالمُ المتقدمُ عن انتخابات القيادات الجامعية وجبنا التايهة؟! المنتخب في الإدارة مكسور العين، مدين بكرسيه، كيف يقبل أستاذ جامعي أن يتسول أصوات زملائه من أجل أى كرسي؟! وكيف سيسدد من يُنتخب ثمنَ كرسيه؟ الإجابة واضحة في هذا المقال. ليس كلُ ما يُطلَبُ يُجابُ فى هذه الفوضى، ليس أوكازيوناً لطلبِ ما لا يُطلبُ، وليس صوت عالي ولا لي ذراع،،
Twitter: @albahary