الخميس، 28 أغسطس 2008

الدينُ للهِ


عناوينٌ ساخنةٌ لأيامٍ، فلانٌ أسلمَ، فلانٌ تنصرَ، تَبارٌ في إبرازِ الخبرِ، علي الصفحاتِ الورقيةِ والإلكترونيةِ، بهدفِ التوزيعِ، الإثارةِ، التشفي. فرصةٌ سانحةٌ لأقطابِ التعصبِ، إزكاءُ نيرانٍ جائعةٍ شرهةٍ، ما أحلي الصورِ العابثةِ المُكفهرةِ المُشوحةِ المُلوحةِ. مع شهوةِ التهييجِ يضيعُ أي منطقٍ، تتوه الحقيقةُ، تشيعُ الاتهاماتُ والتهديدُ، تُنثرُ الفتاوي أمطاراً.دياناتٌ مستقرةٌ منذ مئاتِ السنين ماذا يضيرُها لو خرجَ البعضُ منها؟ ماذا تكسِبُ ديانةٌ من منافقٍ منتسبٍ لها اسماً؟ ما الضيرُ لو كان الخروجُ من ديانةٍ سماويةٍ لأخري سماويةٍ؟ أوليست كلُها من عند ربٍ واحدٍ يستحيلُ أن يخطئ في أي منهما؟ ولو كان الخروجُ من ديانةٍ سماويةٍ إلي أي مذهبٍ آخر أليس اللهُ بقادرٍ علي الحسابِ؟ أهو بحاجةٍ لبشرٍ فانٍ كي يُنفِذُ إرادَته ومشيئتَه؟ الإبقاءُ علي مُكرهين في أيةِ ديانةٍ يُغَيبُ عنها صفةَ الإقناعِ والتعقلِ والحريةِ والمنطقِ، يَبني جيوشاً من المنافقين، العابثين باسمِ الدينِ، المُسيئين له بالفعلِ والقولِ. ليخرجُ من أيةِ ديانةٍ من يخرجُ، خيرٌ من أن يبقي وهو غائبٌ، من أن يُحسَبُ عدداً علي نقصانِه. تغيرَ الزمنُ، وسائلُ الاتصالِ الحديثةُ يَسرَت تناقلَ المعلوماتِ، طوفانٌ هائلٌ منها يُتناقلُ عبر الانترنت، مواقعٌ الكترونيةٌ وصحفٌ تمورُ بكل ما يملأ العقولَ، بلا حاجةٍ لرجالِ وعظٍ، ما أيسرُ الوصولِ لما يُغيرُ الفكرَ بدونِهم، بمجردِ القراءةِ الشخصيةِ. أهلُ كلِ ديانةٍ دُعاةٌ لها بما يحققونه من تفوقٍ، علمياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، بقدرِ تدهورِ حالِهم يكونُ التسربُ منها. في الماضي كانت الحقائقُ بلا شهودٍ، ما تطلبَ عقوداً لتَثبُت مجافاتُه للمنطقِ لم يعُد بحاجةٍ إلا لأيامِ أو شهورٍ. الخطبُ المرسلةُ والإحصاءاتُ المُفبركةُ عن الانجازاتِ التي ينسبُها كلٌ لديانتِه ما عادَ لها آذانٌ عاقلةٌ واعيةٌ، العبرةُ بالواقعِ المُعاشِ، بالنجاحِ في الحياةِ، لا بالفشلِ فيها انتظاراً لمستقبلٍ موعودٍ.تجاربُ الماضي أثبتت أن الفتنَ كانت في كثيرٍ منها بخبثِ المنافقين، افتعلوا أحداثاً وأقوالاً نشرَت البلبلةَ والفرقةَ، ليُترَك من يريدُ مفارقةَ ديانةٍ، مسئوليتُه أمامَ خالقِه، هو الأقدرُ علي حسابِه. لا تباهي و لا حزن بدخولِ فلانٍ وخروجِ عِلانٍ، البابُ واسعٌ، يمرُ منه بدلُ الجملِ فيلٌ وفيلٌ وفيلٌ،،

الجودة في التعليم .. الصراحة راحة وأمانة


تنشط منذ فترة "حركات" بمسمي تجويد التعليم، تُزود بالوسائل الإعلامية اللازمة لإظهارها، مرئية ومسموعة ومكتوبة. ولما كان التعليم جدٌ لا هزلَ فيه، فإنه من الضروري أن نتناول ما يثار عن تجويده ومدي إمكان ذلك، هذا علماً بأنني كنت أول من نشر ترتيب الجامعات الخمسمائة الأكثر كفاءة علي مستوي العالم، وذلك في مقالين أحدهما بصفحة الشباب والتعليم بأهرام 31/1/2005 والآخر بجريدة الوفد بتاريخ 11/12/2004، ولن أتعرض لطمس اسمي في النشر بالأهرام مع ما في ذلك من مدلولات.بداية، الجودة في التعليم الجامعي تحديداً تهدف إلي "إنتاج" خريج قادر بما تعلمه علي إفادة واقعه وعلي التأقلم مع متغيراته ومستجداته، الإفادة تكون بحسن أداء العمل وبالقدرة علي تطويره، والتأقلم يكون بالقابلية لتعلم المزيد والخروج من أُطر القوالب الجامدة والفهلوة. الجودة في "إنتاج" الخريج لا تأتي مصادفة، لكنها من صنع بيئة اجتماعية لاعوج فيها ومناخ علمي سوي وبالقطع واقع سياسي فيه الرؤية والإخلاص وصدق التوجه.البيئة الاجتماعية التي تقدر العلم وتحترمه ترفض الخرافات والخزعبلات، تهئ الطالب نفسياً لتلقي العلم. واقعنا الاجتماعي يستحيل أن يؤدي هذه المهمة، لانخفاض الدخول وتفشي البطالة، وهو ما يشتت الاهتمام بالعلم لصالح السعي للرزق، الطالب إما يعمل أو لا يجد ما يسد مصروفات تعليمه، وفي كلا الحالين يتعثر. ومع مأساة الثانوية العامة وحشر الطلاب في دراسات لا يرغبونها أو لا يقدرون عليها نشأت مشكلة الكراهية المتبادلة بين الطالب والمؤسسة التعليمية، تحولت بالتالي العملية التعليمية إلي مجرد شكل، طالب في مكان يُفترض فيه العلم، يدخله ويخرج منه بعد أعوام لا حدود لها بلا علم حقيقي. الطالب "الخامة" دُفِع لمؤسسة تعليمية دون أن يكون مستعداً لها أو راغباً فيها أو قادراً عليها، من المستحيل في أغلب الأحوال أن يُنتج أو يطمح في مستقبل تُعتمه أشباح البطالة وتدني الأجور.من الناحية العلمية، فإن المؤسسة التعليمية عليلة، أعضاء هيئات التدريس يكفون بالكاد معيشتهم، يتقلبون في كل مكان يزيد دخلهم، بالمخالفة للقوانين، بتراخي إدارات الكليات. الثوابت الإدارية انهارت، هناك من يجمع بين وظيفتين، هناك من يتغيب، هناك من يحضر ويؤدي بالحد الأدني، علي مرآي ومسمع من إدارات جامعية مشغولة بهموم المد لها أو تصعيدها. كيف تكون الجودة إذن والعنصر البشري المطلوب منه تنفيذها لا يعترف بها ولا يثق في صدقها؟ أعضاء هيئات التدريس بالجامعات عازفون عنها، متباعدون عن إدارات الكليات، عمداء الكليات ووكلاؤها مسيرون في "حركات" الجودة. أما المعامل والمكتبات، وهي من أركان العملية التعليمية والبحثية فلا وجود لها، قاعات جوفاء فارغة إلا من أجهزة تهالكت وكتب اصفرت بفعل الزمن. انحصرت الجودة في استيفاء أوراق واستمارات، لتلميع صورة العمداء ووكلائها ومن فوقهم وتصعيد من وجدوا فيها طريقاً لترقية فشلوا فيها علمياً، جودة ورقية ينقصها التعليم الذي أنشئت من أجله!!أما الواقع السياسي، فما أكثر ما طرح من شعارات مثل إعطاء الفرص للشباب، واختيار الوزراء ممن يجيدون اللغات، والنهوض بالمرأة والطفل، والحفاظ علي حقوق الطبقة الكادحة، وتطوير الصناعة والزراعة، ما أكثر ما أعلن عن افتتاح مشروعات وطرق وكباري، وغيره وغيره. العائد ظهرت فيه فائدة لأقلية مقصودة مع بطالة مستمرة للشباب والكبار وهروب جماعي عبر البحار والصحاري وارتفاع في الأسعار وبيع للأصول فكاً الديون وتعثر لمشاريع أُنفقت عليها ملايين الجنيهات. الشعارات لم تجد صدي لأنها لم تحقق ما وعدت به لعقود، لماذا إذن يُصدق شعار "حركة" الجودة؟ لماذا لا يكون موضة مثل ما سبقه؟ لماذا لا يكون وسيلة للإلهاء لا للتجويد؟ ما الذي يدفع أعضاء هيئات التدريس للتجاوب معه وهم مهمشون مبعدون محاربون؟تجويد التعليم هدفٌ عظيمٌ، لكن الفاصل بين تحقيقه والتغني به وملء استماراته واسع جداً. من الضروري البدء بتوفير مقومات الجودة من إصلاح أحوال البنية البشرية من أعضاء هيئات تدريس ومعاونيهم وتوفير المكتبات والمعامل بما تفرضه من ميزانيات بدلاً من تبديد القليل المتاح منها علي "حركات" الجودة ومهرجاناتها وشعاراتها. يستحيل أن تكون الجودة بالمجان، وحتي لو توفر المال فإنه لن يحققها إلا بتضافر كل العناصر من بيئة بشرية راضية مقتنعة ومعامل ومكتبات ومناخ يحترم العلم ويقدره. الصراحة واجب ديني واجتماعي وعلمي، لا يعترف بها مثيروا الشعارات، ينسون ما سبق وأطلقوه، وحدهم ينسون، ويتناسون، الواقع شديد الوضوح، ابحثوا فيه عن الجودة، لعلكم تجدوها، في أي مجال، بعد عقد، بعد قرن، العالم لن ينتظر، لقد حققها ويجودها،،

أخفض رأسك يا ...


ارفع رأسك يا أخي، شعارٌ رفعته الثورةُ وأفردت له مساحات واسعة من المقالات والمؤتمرات والمسلسلات والأفلام علي مدار عقود؛ واقعاً لم ير منه المصريون إلا قمعاً وقهراً ومذلة، كشف عنها بوضوح ردود أفعالهم الشامتة في حريق مجلس الشوري وتندرهم بأن أعضاءه لم يكونوا بالداخل في أحضان النيران. رسالةٌ شديدةُ الإيحاء تجاهلها كالمعتاد الإعلامُ الحكومي المشغولُ بالتعمية علي كل المآسى وتحويل الأنظار عنها إلي أي شئ آخر، تافه كان أو ملفق؛ إعلامٌ عمي عن اعتصامات المعلمين وتذمرهم وهتافاتهم وصورهم تلاميذاً في قاعات الامتحان.
معلمون متذمرون، أساتذة جامعات غاضبون، قضاة ساخطون، عمال ثائرون، شعبٌ في حالة من الفوران الشديد، بفعل تصرفات من يوضعون علي كراسي السلطة ليس إلا للإلهاء العام؛ شُغلت الكراسي بمن لا يتمتعون إلا بعشقها، لا مقدرة حقيقية ولا رؤية إلا في كيفية الولاء والاستمرار، لا مانع من جموح ألسنتهم وفلتان تصرفاتهم، طالما أن الكل في حالة توهان وانشغال وقلق وتوتر. الإعلام المستقل والمعارض يتعرض لاتهامات الخيانة وقلة النظر والتآمر علي الإنجازات من شاكلة بكين.
كيف ترفع رأسك وعليها من سُلطوا عمداً لإسكاتك وإخراسك؟ كيف ترفع رأسك وأنت خاو البطن وبلا عمل؟ كيف ترفع رأسك وأنت في طوابير وطوابير؟ كيف ترفع رأسك وأنت مكتوم الأنفاس مُكمم مُكبل؟ كيف ترفع رأسك وموتاك في أعماق البحار التهمتهم الأسماك بأكثر مما كانت تحلم أو تتمني؟ إعلام الحكومة ينشر مطالبات وزارة الخارجية للسفراء الأجانب بضرورة الرفق بالمصريين، أولا يكونُ الرفق بهم في الداخل سابقاً؟
علمنا التاريخ أن الشعوب المقهورة لا تنتصر، تسقط من الداخل أولاً، ينخر فيها الفساد حتي تتهاوي. القهرُ لا يورثُ إلا النقمة والغضب، دعاء المقهورين يتلخصُ في الانتقام الإلهي من الذين أحبطوا أحلامهم ووأدوا حياتهم، يتشفون في فشلهم ومرضهم، الوطن يفقد عندهم معناه، ليس إلا جحراً، خرابة، لا انتماءَ له ولا حب. من علي الكراسي يتصورن في غيهم أنهم مؤبدون، ينسون من غفلتهم السقوط، لكنه يضعهم في أولوياته.
لو رفعت راسك ستفقدها أو ستلتهمك بلاعة، خليها تحت، لسلامتك، تروح البلد في داهية، هكذا يقولون،،

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

مصر في بكين..


حياة مُغمي عليها، مُمدةٌ علي الأرض، شخصٌ يحاولُ إفاقتها، صورةٌ تصدرت صحفاً عدة، قيل أنها لاعبةُ مصارعة مصرية، ترتدي مثل المصارعين، من الواضح أنها أُدخلت مسابقةً لم يُعملْ حسابُها كما ينبغي، لم تُعرف قيمةُ المنافسين، خرجت من المنافسة بعد دقيقتين، صوروا لها أن المكسبَ يكون بالسبعة آلاف سنة حضارة وبالريادة وبالمصريين أهمة!! حياة هي مصر، "مسخسخة" "مسورقة" ، لكن في لحظات الفوقان تتصور أنها الكل في الكل وأنها فوق الكل، هلوسةٌ.
مصر في محنة، بمن يحكموها وبمن يُحكمون، سقوط حياة بين الحياة والموت يلخص الحال، يشخصه، بصراحة غائبة عن الجميع، بوضوح غام تحت خزعبلات من تصريحات مخادعة وأوهام عن انتصارات وتفوق، بلا اساس من علم أو واقع. من يتولون المسئولية من علي كراسي السلطة لا يبتكرون إلا في اختراع شعارات ومفردات لامعة، أيسرُ لاستمرارهم فوق، لا تخطيط ولا إعداد، الفشلُ يُنسي بعد حين، يُعتادُ عليه باعتباره أساسُ حياة، ركنٌ أساسيٌ فيها، ليس بمستغرب أن تكون الاخفاقات يومية، سياسة واقتصاد واجتماع، صناعة وزراعة، تعليم وصحة، من كل لون ونوع، قبل بكين وبعدها، العضويةُ الدائمةُ بمجلس الأمن قادمةٌ متوعدةٌ. في ظل غياب نظام يقوم علي محاسبة من يحكمون تسير الأمور في اتجاه واحد، كيف يكون الاستمرار في السلطة. المحاكمة الشعبية والإعلامية غير مطروحة، غير واردة، السياسات الوحيدة تدور حول التأكيد علي البقاء، لأطول مدة. من يُعينون لا يُشترط فيهم سوي عشق الكرسي، الكفاءةُ والرؤيةُ والأخلاقيات لا محل لها في مسوغات التعيين، لا غرابة في الخناقات علي الأسفار والبدلات وترتيب الجلوس علي الموائد وفي القاعات، لا عجب من التصرفات العنترية وفلتان اللسان، كله حلو طالما انشغل الجميع، طالما اتسعت قاعدةُ الانشغال، الإلهاءُ العامُ.
المحكومون ليسوا بأفضل حال، شركاءٌ هم في مُعاناة مصر، يستأهلون ما يتعرضون له، يُلدغون من نفس الجحر مرة بعد المرة، لا يتعظون ولا يتعقلون، شركات توظيف الأموال بمسميات دينية تناوبت عليهم، امتصتهم وعصرتهم، تماماً مثل حكومات سُلطت عليهم. إنهم يحصرون أملهم في الخلاص، أي خلاص، في الدعاء واللعنات، لا عمل ولا جهد ولا مشقة، قيمُ العمل واتقانُه من النوادر، حلت الفهلوة محل التفكير واعمال العقل، أزاح الغشُ الأمانة في سائر التعاملات، اللبانُ أصبح من العملات، صورةٌ من صور الاستغلال اليومي؛ لقد غلبهم اليأسُ، دفعهم إلي الانتحار غرقاً، إلي الانجراف خلف شعارات تعود بهم إلي كهوف تطرف لا يرحم ولا يتسامح، فيه هلاكهم، دمار مصر. لو كان في العمل اتقانٌ وتفان وعرقٌ ما سخسخت حياة من أول مسكة، ما كانت نكتة مبكية في عالم الكبار. شعبٌ يستخف به حاكموه، يرون أنه سببُ كل اخفاق، أنه يتوالدُ بلا وعي، أنه غير واع، لا يدركُ صالحه، يستهترون به، يستحقُ ما يتعرض له، طالما لم يسع لتغيير واقعه المر.
بكين، عالمُ اليوم، واسعٌ، طاحنٌ، لا مكان فيه لضعيف، فهلوي، فتك، متواكل، مُغيب، لحياة نزلت في مضمار ليس لها، لمن ألقوها في التهلكة بجهل وأنانية، للأسف ورطة حياة فضحت ورطة أكبر، بكثير، جداً جداً جداً،،

السبت، 16 أغسطس 2008

الجامعات..بين الغضب والأسف


لجان "عليا" لاختيار قوائم المحكمين لترقيات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، اللجان العليا الموعودة بالجنة، بالمكافآت، حسبما شاع بين أعضاء هيئات التدريس! اختيار محكمين بواسطة لجان "عليا" لم يُنشر بوضوح تشكيلها ولا كيفية اختيارها ولا ما ميز أعضائها عن غيرهم من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، عُقدت اجتماعات مع أعضاء هذه اللجان لتوضيح واجباتهم وأولها من يُختارون ومن يجب استبعادهم.
الجامعات الحكومية في حال يبدو في غير بال من يتخدون قرارات تتعلق بها، المعاندة مع أعضاء هيئات التدريس هي السمة الغالبة، وكأن الصراع معهم هدفٌ بحد ذاته. في وقت رُفع فيه شعار تجديد الدماء في الجامعات، استبعد العديدون؛ لم تسلم من الاستبعاد الوجوه المستديمة الموجودة في أي لجان، في كلها، وجوه من تغيرت أماكنهم ولم يتغيروا أو يُغيروا، بنفس أفكارهم، بكل ما عليها، تصفية الحسابات تبدو الدافع المستتر ولو كانت الأقوال عن الارتقاء بالبحث العلمي بليغةٌ. إدا كانت الجوائز في مصر محل تندر وامتعاض لما فيها من تربيطات واستبعادات فماذا يُتوقع بذات العقلية من تشكيل لجان تعددت مسمياتها ولا يعرف بها علي وجه اليقين تميزٌ حقيقيٌ.
من يتخذون القرارت مشغولون بكيف يكون التهذيب والإصلاح، باعتباره مفتاح إبقائهم، أعضاء هيئات التدريس في واد آخر، بلغ بهم اليأس منتهاه وتملك منهم الغضب علي أوضاع وأشخاص فرضوا عليهم بلا سند إلا أن يكونوا ضمن مخطط الإلهاء العام، غض الفكر. أعضاء هيئات التدريس لا يرجون خيراً ولا يتوقعونه، انفصلوا تماماً عن جامعاتهم، وجودهم مرهونٌ بمحاضرة أو مصلحة، مهمشون مستبعدون، انقطعوا وغابوا، لم تعد تعنيهم أخبار زيادات الدخول ولا لجان عليا علي كل مسمي. الدخول في أي نشاط تديره الوجوه المؤبدة التي تمكنت من الاستمرار أو تلك التي قُربت لأسباب ما، علي غير المنطق، أصبح مرفوضاً منفراً؛ غابت عن أعضاء هيئات التدريس حمية الاهتمام والاكتراث، طالما فُقدت مصداقية القرارات والأفعال، أساس التجاوب والاعتبار.
حالٌ عجيب، أعضاء هيئات التدريس بالجامعات ومن يتخذوا ما يتعلق بهم من قرارات يتبادلون عدم الاعتراف، بعضهم ينكر بعضه، نفس وضع المجتمع، سلطة وشعب، علي خصام وإنكار!! لن يرتجي اصلاحٌ، يستحيل، بنفس الوجوه، بمنطق الاستبعاد، بشهوة الاستمرار، بنهم الاستحواز. غضب أعضاء هيئات التدريس من أوضاع متردية بفعل فاعل له سببه، أسفهم علي حاضر ضاع ومستقبل لن يكون له تبريراته. وغضبي وغضبي وغضبي، وأسفي وأسفي وأسفي، كما يردد كل أعضاء هيئات التدريس،،

السبت، 9 أغسطس 2008

الآن .. الحكم الديني يعني سقوط الدولة


اجتاحت القوات الأثيوبية الصومال، أسقطت المحاكم، بنفس سلاحها، المقاتلون الأجانب. شهور قليلة أمضتها المحاكم فيما يشبه السلطة، كررت الخطاب العتيق، المتشنج، المانع، الرافض، تجبرت رغم هشاشتها، طالبت الشعب بالصمود، فرت وهربت. الفضائيات لم تكذب، علي الملأ أذاعت مظاهر الفرحة بسقوطها، قهرت شعبها باسم الدين، استنجدت به بعد أن اِكتُسِحَت، هكذا كل جبار متسلط، تحت أي شعار، من أجل الشعب البطش وبه الاستغاثة عند الغرق.
قبلها كان إقصاء طالبان بعد أن قدمت نموذج يستحيل أن يُحتذي. بنفس الإخراج، أُبعد حزب الله عن جنوب لبنان، أُجلي عن أرضٍ كان يعتبرها حصنه وملاذه، يتغني بالنصر عن بُعد، بالمراسلة، يطالب بالثمن من استقرار لبنان ووحدته، يلعب بشارعٍ يسوده التقلب والغوغائية. وبمحنة الجلوس علي كراسي السلطة اِبتليت أيضاً حماس، انتخبها الشعب أملاً في الخلاص، لم تستوعب العصر، اتشحت بنفس سلاح القهر، باحتكار الصواب، برفض الآخرين، بإنكار التاريخ، المعاهدات، الاتفاقيات. العالم الآن شديد الحساسية لهذا الخطاب، لا يصدقه، لا يثق به، يري فيه التنمر عند المقدرة، الخيانة المبررة.
في مصر بوادر تجربة مماثلة، تتصور في نفسها القوة، تتحدي سلطة الدولة، الفساد المستشري أغراها برفع شعارات استمالة الناقمين، هِرَم النظام جرأها. بوضع اليد سيطرت علي شوارع وجامعات ونقابات، تغلغلت باسم التجارة وفعل الخير، أساءت لكل من فكر علي خلافها، سلاح الدين مُشهر، به تمنح وتمنع، تبيح وتحلل، تقود المطحونين لويلات أكبر منهم. ما أخطر سيطرتهم أو حكمهم، المعاهدات التي ينكرونها ستهدر أرضاً غالية، إنكار المواطنة سيمزق الوطن، لا يملكون إلا كلام براق خادع وتاريخ محدود النماذج بالهوى يروونه وواقع بائس يائس فقير معدم، العالم يمتلك القوة والمقدرة، الشعب هو الضحية، مصر الدولة. ليعطوا الفرصة ليجربوا، كيف وهم لا يقدمون إلا هلاميات تثير الفزع، صراخ، تتطاول، تهديد، وعيد، لا مجال للتجربة، سوف تكون الأخيرة وبعدها الانهيار والتفتت.
بنك فيصل قدم النموذج، نظام قَبَلي يستبعد المخالفين في الديانة، يستغلهم ولا يسمح بمشاركتهم في اتخاذ القرار، في الحكم، كله باسم الدين. الوضع خطير، لا نملك ترف المجاملة، إخفاء الحقيقة والمخاوف، الدفاع عن أنظمة فيها عظات كل عاقل، الترويج لمن يرون أنهم الحل، ليسوا إلا الدمار علي عجل، الخروج من التاريخ والجغرافيا،،

الدائرةُ الضيقةُ


نظامُ حكمٍ تعبيرٌ يصفُ كيف تُدارُ شئونُ الدولِ، كيف تنتقلُ السلطةُ من مسئولٍ إلي من يليه. حكمٌ، مصطلحٌ لا تعرفُه الشعوبُ التي تنتمي إلي تصنيفِ المتخلفين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. الدولُ الراقيةُ ديمقراطياً تُدارُ من خلال نظامٍ سياسي يقومُ علي توزيعِ المسئولياتِ بين أشخاصِه، لا توجدُ سلطاتٌ مطلقةٌ، لكلٍ حدودُه، يُحاسبُ إذا تخطاها. المحاسبةُ ركنٌ أساسيٌ في تلك الأنظمةِ، من خلالِ المجالسِ النيابيةِ والصحفِ المعبرةِ بأمانةٍ عن رأي عامٍ حرٍ، واعٍ، يقظٍ. في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ مصطلحُ "إدارة" يدلُ علي أن تسييرَ أمورِ الدولةِ جزءٌ من منظومةٍ إداريةٍ متكاملةٍ، القائمون علي شئونِ الدولةِ في أعلي مستوياتِها موظفون، ليسو أصحابَ حظوةٍ أو طغاةٍ، تعيينُهم باستيفائهم شروطٍ وظيفيةٍ، ليست شخصية أو لقرابة. في فرنسا وفي بريطانيا وفي ألمانيا وفي غيرها من الدولِ المحترمةِ لرقيِها ديمقراطياً يشيعُ استخدامُ مصطلحِ "حكومة" للدلالةِ علي المسئولين عن تسييرِ أمورِ الدولةِ، بدءاً من أعلي سلطةٍ، رئيسُ جمهوريةٍ كان أو رئيسُ وزراءٍ.
في الدولِ التي تنتمي إلي تصنيفاتِ ما قبل تاريخِ الحضارةِ السياسيةِ لا تزالُ كلمةُ "حاكم" مستخدمةً، فيها الكفايةُ للدلالةِ علي كيفيةِ إدارةِ شئونِ تجمعاتٍ يُطلقُ عليها مجازاً دولٌ. إنها إشارةٌ واضحةٌ إلي الحكمِ الفردي المطلقِ، ولو كانت هناك حكومةٌ، ليست إلا لاستيفاءِ شكلٍ سياسيٍ لا بدَ منه في عالمٍ يجبُ التواجدُ فيه ولو علي سبيلِ المنظرةِ. تلك التجمعاتِ البشريةِ تُدارُ من خلالِ دائرةٍ شديدةِ الصغرِ، لا تستوعبُ إلا "الحاكمَ" وأسرتَه ونفراً نذيراً من المقربين. الباقون مهما علت مراتبُهم مجردُ أدواتٍ لخدمةِ من بالدائرةِ، كباشُ فداءٍ لأهلِ الدائرةِ، من السهلِ التخلصُ منهم بالإقالةِ أو بالتهمِ المُعدةِ سلفاً، لا يحق لهم توهمُ الانتماءِ للدائرةِ ولا حتي الاقترابِ منها.
حقوقُ الإنسانِ تعبيرٌ لا وجودَ له في واقعِ تلك التجمعاتِ البشريةِ، الكلُ يعيشُ علي الهامشِ، كرامتُه مستباحةٌ، ولو تصورَ بعضُهم أنهم كبارٌ، لا يحقُ لأحدٍ النظرُ إلي أهلِ الدائرةِ الضيقةِ أو الاقترابُ منهم، الويلُ كلُ الويلِ لمن يتجرأ عليهم، مكانُه في الشمسِ محجوزٌ. المواردُ كلُها لأهلِ الدائرةِ، كلُ الخيرِ ولو شحَ، كلُ النعيمِ ولو ندُرَ، كلُ الولاءِ والطاعةِ، الإعلامُ لهم، مكتوبٌ، مرئيٌ، مسموعٌ، ما من هدفٍ إلا مزاجَهم ورضاهم، له تُدبجُ الدساتيرُ والقوانينُ وتُزلُ أعناقُ أشباه الرجالِ. الحياةُ داخلَ الدائرةِ إدمانٌ، جنونٌ، ولهٌ بالشهرةِ والأضواءِ والسلطةِ.
الحكمُ بالدائرةِ الضيقةِ محدودُ النظرِ بمحدوديةِ الدائرةِ، وبعجزِ دوائرِ المنافقين والمرتزقةِ التي تدورُ في فلكِها وتأكلُ من فتاتِها؛ حكمٌ أخطاؤه فادحةٌ، يسقطُ ولو تصورَ المنعةِ والحصانةِ، التاريخُ لم يكذب ولا الحاضرُ، المنطقةُ العربيةُ شهدَت وستشهدُ،،