الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

الجمعةُ الغرقانةُ!!


يومُ الجمعةِ 24/10/2008، يومٌ شهِدَ علي حالٍ يثيرُ الأسي لبؤسِ حاضرٍ ولغدٍ لا يبشرُ بكثيرِ أملٍ. بدايةً فقد استقللتُ قطار 922 من سيدي جابر إلي القاهرة في الثالثةِ وخمسٍ وأربعين دقيقةٍ، تلكأ وتكأكأ طوال الطريقِ، نمنا وصحونا ومايزالُ في أولِه، تمنينا ودعونا أن تُفكَ كربتَه، لم يحدثْ، غَضِبنا وتململنا وسَخِرنا، إلي أن وصلَ علي مَهلٍ في السابعةِ والنصفِ، بعد ساعةٍ ونصفٍ من موعدِه. السككُ الحديديةُ عنوانُ الدولِ، كلما تأخرَت عن مواعيدِها كان الدليلُ علي التخلفِ أكيدٌ فاضحٌ. سكك حديد مصر كانت منضبطةٌ وخابَت، خيبةٌ من حديدٍ، لا مواعيدُها ثقةٌ، ولا أداؤها، أحدُ الركابِ بعد أن وصلَ حمدَ ربنا شاكراً، الحمدُ للهِ أن التأخيرَ لم يكن لحادثةٍ، قضاءٌ أخفُ من غيرِه.
غادرتُ محطةَ رمسيس، بحثتُ عن تاكسي، تمنعوا وتمنعوا، تدلعوا وتبغددوا، قلتُ لنفسي سأتحركُ للأمامِ، قد تُفرجُ، أبدأً حتي وصلتُ إلي غمرة، استمرَ عشمي في الفرجِ حتي وصلتُ إلي العباسيةِ، في التاسعةِ والنصفِ مساءاً، تيقنتُ أن لا مجالَ لحسنِ النوايا، من المؤكدِ أن في الأمورِ أمورٍ، تشريفةٌ، حادثةٌ، اللهُ أعلمُ. المهمُ قلتُ الأملُ في سيارتي، ما حكَ جلدَك مثل ظفرِك، قدتُها من ميدان عبده باشا إلي كلية الشرطة، السرعةُ متر في الساعة، الدنيا متجمدةٌ، إذا سألت عن السببِ أجابَك الاستغرابُ والتجهمُ، الصمتُ في أحسنِ الأحوالِ. بعد ساعةٍ ونصفٍ من سيرٍ بسرعةِ السلحفاةِ اتضحَت الصورةُ، قبل بانوراما حرب أكتوبر، في شارع صلاح سالم، انتقلَ إليه المحيط بقدرة قادر!! علي السياراتِ عبورُه إذا أرادَت الوصولَ إلي المطارِ أو مصر الجديدة أو مدينة نصر، ما يقدرُ إلا ربُنا، سياراتٌ علي الصفين، منها من دخلَتها المياهُ وبلَطت في الخطِ، رفعَ أصحابُها سراويلَهم حتي الركبةِ، بعضهم جلسوا بداخلِها يتأملون حالَهم، شُلَ تفكيرُهم، أين سيقضون الليلَ. السياراتُ العفيةُ واصلَت سيرَها، ببطءٍ، الكلاكسات زغاريدُ نجاةٍ من مجهولٍ لا يُعلمُ له منتهي.
وصلتُ إلي مدينةِ نصر في منتصفِ الليلِ، بدأت رحلتي من الاسكندرية في الثالثةِ وأربعين دقيقة عصراً، أكثر من ثمانِ ساعاتٍ ضاعَت من عمرِ الزمن، ضاعَ ألافٌ منها، نحن محلك سر أو للوراءِ أو لتحتِ. الهند وصلت هذا الأسبوع إلي القمرِ، نحن بالبركةِ، وحسب الريحِ، لم يبقي شئ، مجردُ تجمعاتٍ معروفةٌ نهايتُها ،،

الاثنين، 20 أكتوبر 2008

تصويتٌ علي نشرِ صورةِ سوزان تميم مقتولةً!!


أجري برنامج القاهرة اليوم في مساء الأحد 19/10/2008 استفتاءً بين المشاهدين حول نشرِ صورِة للفنانة سوزان تميم بعد قتلِها. الظاهرُ استفتاءٌ والباطنُ تحريضٌ علي نشرِ الصورة باعتبارِها سبقاً إعلامياً يُتباهي به، إعلامٌ انتهازيٌ تجاريٌ يحضُ علي العنفِ باسم الاتعاظِ وكأن مشهدَ القتلِ أمرٌ يُتباهي بالسبقِ في إذاعتِه علي الملأ، وكأن الموضوعات انتهت ولم يتبقْ سوي نشرِ مثل تلك الصورِ. هل يُمكنُ لمحطةٍ اعلاميةٍ محترمةٍ أن تكررَ وتزيدَ في التكرارِ علي مدار ساعاتِ البرنامجِ حول سنذيعُ إذا أرادَ المشاهدون وسنتخذُ كلَ الضوابطِ لمنعِ جرحِ المشاعرِ الحساسةِ لكن غيرُنا سيذيعُ إن لم نفعلْ؟ مالك وغيرك؟ هل إذا سرق تسرق؟! إذا كذَبَ تكذبُ؟! كن محترماً واتركه لحسابِ الناس معه؟
طبعاً فرصةٌ لمدعي الفضيلةِ ونافخي التطرفِ للربطِ بين مقتلِها وممارسةِ الفنِ، وكأن الفنَ كلُه فسادٌ، وكأن القتلَ النهايةُ الطبيعيةُ لممارستِه!! إعلامٌ ينشرُ ثقافةَ القتلِ بالاستفتاءِ علي نشرِ صورِه وبالترويجِ لأراءٍ لا تجدُ غضاضةً في الدعوةِ إليه باعتبارِه جزاءً لا بدَ منه. العنفُ يوميٌ، يشكو منه المجتمعُ ويولولُ إعلامُ تلك الفضائياتِ من انتشارِه، نحيبُ ذئابٍ لا مدافعين عن مصالحٍ عامةٍ، مرتزقةٌ لا مهنيون. ما الفارقُ بين مقتلِها ومقتلِ أي إنسانٍ آخر؟ وأين حرمةُ الموتِ؟
الفضائياتُ تمادَت في جذبِ المشاهدين، تارةً بالفتاوي الشاطحةِ وتارةً بالموضوعاتِ المثيرةِ للغرائزِ دون اعتبارٍ لأخلاقياتٍ، المهمُ أكبرُ مشاهدةٍ وبالتالي إعلاناتٌ تسكبُ الملايين علي أصحابِها. كالعادةِ، فضائياتٌ تتكسبُ من مصر ومما يجري فيها بأدواتٍ مصريةٍ حتي تبدو صادقةً، أما مجتمعاتُها فتُسدَلُ عليها سُترٌ سوداءٌ داكنةٌ علي ما فيها من كل الخطايا والبلايا.
المخزي أن البعضَ رأي أن نشرَ صورِ صدام حسين بعد إعدامِه مبررٌ لنشرِ صورِ سوزان تميم!! ما الرابطُ بين الموضوعين؟! غمامةٌ لم تكلفُ تلك الفضائياتُ خاطرَها في ايضاحٍها. نشرُ صورِ صدام كان للتأكيدِ علي انتهاءِ عهدِه، مسألةٌ سياسيةٌ استُخدِمت فيها وسائلُها الاأخلاقيةُ، أما نشرُ صورِ سوزان تميم فتصرفٌ من فضائياتٍ تتاجرُ بانفتاحِ بمصر بوسائلٍ أيضاً لا أخلاقيةٍ.
هنيئاً لمذيعِ روحي روحي واللطافةِ والخفافةِ خبطاتُه وأداؤه المفتعلُِ؛ عصرُ الخواءِ يُعتادُ فيه سيطرةُ المسلكِ الهمجي، أمام الشاشاتِ وورائها، أما الحقيقةُ فلا وجودَ لها، ولا الحُرُماتِ،،

الخميس، 9 أكتوبر 2008

الرجلُ المناسبُ في المكانِ المناسبِ .. والنسبيةُ العربيةُ


ما أكثرَ الأقوالَ المأثورةَ في العالمِ العربي، عالمُ الأدبِ، المندثرِ، والشعرِ، الذي كان. تراثٌ فخمٌ من الحِكَمِ مُصاغةً في أبياتِ شعرٍ ونثرٍ مسجوعٍ، تنصحُ، توضحُ، تتعجبُ. ما أبدعَ ما صاغَ حكماءُ العربِ، أُجزِلَ لهم المقابلُ، أحياناً، عُذِبوا واِِبتلعَتهم السجونُ كثيراً. يبتغون كمالاً مطلقاً، لا يعترفُ بالزمانِ والمكانِ، إنما بالصوابِ وحدِه. الحكامُ لا يتلذذون إلا بما يتغني بهم، تطورَت وسائلُهم، من التنكيلِ بكل من لا يروقُهم، حكماءٌ أو أئمةٌ، إلي التلاعبِ بالمأثوراتِ ذاتها، تأويلها، عِندَهم المنافقون والمرتزقةِ، كُثرُ، موهوبون في الخداعِ والمغالطةِ ولي الحقائقِ، إبليسُ تلميذٌٌ لهم.الرجلُ المناسبُ في المكانِ المناسبِ، قولٌ دخلَ المأثوراتِ، عمرُه أربعة عقودٍ، واكَبَ الثورةَ واِستمرَ واِنتشرَ بعدما اِنهارَت العديدُ من نغماتِها. معناه علي الورقِ علي نقيضٍ من تطبيقِه، من المفترضِ أنه يعني اِنتقاءَ من يقومُ بمَهَمةٍ علي أساسٍ من كفاءتِه وخبرتِه، طُبِقَ بمعناه في أحيانٍ قليلةِ، عند الضرورةِ، بعد النكساتِ والنكباتِ. الواقعُ اليومي شاهدٌ علي صراعاتِ المناسبين مع أماكنهم، مع زملائهم، إنهم مُنتَقون لأدوارٍ ما، إنهم مناسبون لها ولو كَرِه الجميعُ، بحقٍ. الجامعاتُ، الصحفُ، مختلفُ المؤسساتِ، مسارحٌ لتنافرٍ شديدٍ مع المناسبين، وجودُهم مقصودٌ لاِمكاناتٍ لا تتوفرُ لسواهِم، الطاعةُ لمن عينوهم، الترويجُ لهم، كتمُ أنفاسِ زملائهم ولو فاقوهم، ليسوا أصحابَ فكرٍ، لا رأي لهم، القولُ الفصلُ لمن بيدِه أمرُهم، إنهم من الكراسي والمناضدِ والدواليبِ، ولو توهموا غيرَ ذلك، قطعُ أثاثٍ ناطقٍ بالباطلِ، مناسبون تماماً للمرحلةِ، مُعبرون عنها، تستقبلُهم مخازِنُ الهالكِ بعد اِنتهاءِ مَهَمَتِهم.إنها النسبيةُ العربيةُ، تَحَوَلَ الرجلُ المناسبُ في المكانِ المناسبِ، بفعلِ فاعلِ، من اِنتقاءِ من يتناغمُ مع المكانِ ليُحسنُ إدارتَه إلي من يلائمُ الزمانَ ليدير المكانَ، بالقهرِ، بالكبتِ، بالخداعِ، بالغشِ. لا عجبَ إذن أن يعتبرَ أحدُ عباقرةِ العربِ نفسَه بطلاً للديمقراطيةِ في العالمِ، ديمقراطيةٌ الكراسي، من صنعِ خيالِه، الكراسي للشعبِ، بها يحكمُ، بمنطقها يتكلَمُ، العالمُ يضحكُ ويسخرُ، الكراسي نطقَت.العالمُ يتقدمُ لأنه يُطبقُ الصوابَ بمعيارٍ مطلقٍ، ينتقي الأفضلَ للصالحِ العامِ، أما في عالمِنا التعِسِ فالمعاييرُ نسبيةُ، تضيقُ وتتسعُ، حَسب الحاجةِ، حاجةُ الحاكمِ أو المذاهبِ ولو اِدعَت العَدلَ، لا اِعتبارَ لما يتعارضُ معها، الرجلُ المناسبُ، مناسبٌ لها، وحدُها، يتغيرُ إذا تغيرَت، فقط، لا غير،،

الغزوة المباركة بالكاسيت


الكاسيت والفيديو كانا من رموزِ الفسادِ ونشرِ الاِنحلالِ، لطالما تعرضَت محالُ بيعِها للحرقِ والإتلافِ ممن رأوا في أنفسِهم دعاةَ الفضيلةِ والأخلاقِ. مع تطورِ الزمنِ لم تَعُد شرائطُ الكاسيت والفيديو قاصرةٌ علي الغناءِ والأفلامِ، بل اِمتدت لتشملَ التعليمَ، أصبحت بديلاً رخيصاً سهلَ التناولِ للدروسِ الخصوصيةِ، دروسٌ في المنزلِ، في أي مكانِ، في أي وقتِ.سبحانَ مُغيرُ الأحوال، تحولَت شرائط الكاسيتِ والفيديو إلي مَهَمةِ جديدةِ، الدعوةُ والوعظُ، لم تعُد صورةً للحضارةِ الغربيةِ الفاسدةِ، إنها تهدي الناسَ إلي سواءِ السبيلِ. عشراتُ الآلافِ من شرائطِ الكاسيت تُوزَعُ بالمجانِ علي سائقي الميكروباس، علي الطلابِ، علي التجارِ في المحالِ وعلي الأرصفةِ. اِحتُلَت محطاتُ الترامِ والأوتوبيسِ والميادينُ بمحالٍ صارخةٍ تبيعُ شرائطَ الهدايةِ والتقوي. مع هذا التوزيعِ الكبيرِ لابدَ من ظهورِ طائفةٍ ممن اِعتُبِروا دعاةُ هذا الزمانِ، منهم المنتشرون في الإذاعة والتليفزيون والفضائيات، ومنهم من بزغوا ما بين عشيةٍ وضحاها دون سابقِ معرفةٍ. دعاةٌ صارخون مهددون متوعدون، موضوعاتُهم ما أنزل اللهُ بها من سلطانِ، بدءاً من الثعبانِ الأقرعِ مروراً بالسوطِ المُحَمي، مَراجعُهم لا يَعلمُ بها سواهم، لا رقيبَ عليهم، مدفوعون لغرضٍ أكبرَ منهم ولو دعوا إليه. الدعوةُ بالكاسيتِ، بابُ رزقٍ لمن اِمتهنوا الدعوةَ الجديدةَ، إن لم يمارسوها بأنفسِهم يوكلونَها لأبنائهم ولو كان عمرُهم خمسَ سنواتِ، وما الداعيةُ الطفلُ إلا صورةٌ لما آل إليه حالُ الدعوةِ والقائمين عليها. أيادي تلعبُ في الظلامِ لا يظهرُ منها إلا شرائطُ الكاسيتِ، أموالٌ تُنفقُ بالآلافِ والشرائطُ تُوزعُ بالمجانِ أو بأبخسِ الأسعارِ. ليست مجردَ تجارةٍ، إنها محاولة لتفتيتِ المجتمعِ، لزيادةِ ضعفِه حتي يسقطُ من تلقاءِ نفسِه، أمراضُ الظلمِ والجوعِ والفقرِ والمرضِ والجهلِ والبطالةِ، سريعةُ الاِشتعالِ، تنفجرُ لأوهنِ سببٍ، شرائطُ الكاسيتِ تُسخنُها، تُلهبُها.البلدُ أصبحَ مثالاً للفوضي والعشوائيةِ، الكلُ يلعبُ علي هذا الوترِ، يفعلُ ما يروقُه، لا رقابةَ ولا محاسبةَ، هُجِرَ كلُ ما يرتبطُ بالنظامِ، حتي وعاظِه، الساحةُ خاليةٌ للصارخين المتشنجين، علي المنابرِ، في الزوايا، وعلي شرائطِ الكاسيتِ، مجتمعٌ في غيبوبةِ، يُساقُ إلي تهلُكتِه مُغمَضُ الأعينِ. الغزواتُ المباركةُ مُتَعَدِدةُ الأشكالِِ والألوانِ، كلُها من صنعِ الغربِ الكافرِ، بالسياراتِ المفخخةِ، بالألغامِ، بالقنابلِ المزروعةِ في وسائلِ النقلِ العامِ، وبشرائطِ الكاسيتِ،،

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

أنا أفتي.. إذاً أنا موجود


فتاوي من كلِ شكلِ، من كلِ من قال أنا في الدين فقيهٌ مُتفقهٌ، ولو كان الواقعُ علي نقيضٍ أكيدٍ، مُفتون من كلِ جنسٍ ولونٍ، رجالٌ ونساءٌ، شيوخٌ وشبابٌ، بالجبةِ والقفطانِ أو بالبدلةِ والكرافتةِ. طوفانٌ من الفتاوى، بلا انقطاعٍ، في أي موضوعٍ، من أي مصدرٍ، تُثيرُ من الجدلِ والبلبلةِ والفرقةِ ما يجعلُ المعيشةَ ضنكاً، التأقلمَ مع الحياةِ مستحيلاً، التفاهمَ مع الآخرين خطيةً، الرغبةَ في التقدمِ باباً لجهنمِ. الدولُ متقدمةٌ وما دونُها التجأت للعلمٍِ، غزَت الفضاءَ، بحثَت ووجدَت الحلولَ، سَخَرَت الأرضَ وما عليها وما حولَها لرفاهيتِها، تلاعبَت بالدولِ منتجةِ الفتاوى، جرَتها وشدَتها، كما أملَت مصالحُها.
شعوبٌ ألغَت عقولَها وسلمَتها لأهل الفتاوي، التفكيرُ ممارسةٌ وتجربةٌ، أصبحَ مهجوراً من فرطِ انكارِه، حلَ محلَه الكسلُ والتخاذلُ والتواكلُ؛ ما جدواه وقد أفتي شيوخُ الفتاوي أنه لا علمَ إلا مع أهلِ العلمِ، معهم، التفكيرُ فرضُ كفايةٍ، يقومُ به البعضُ عن الكلِ، إنه لهُم، وحدُهم. مهنةُ الفتوي راجَت مع انتشارِ الفضائياتِ، شأنُها شأنُ الأدعيةِ التي تُحملُ علي أجهزةِ المحمولِ، شرائطِ الكاسيت التي تزعقُ في سياراتِ نقلِ الركابِ والبضائعِ دون أن تُسمعَ علي علوِ صوتِها، محالِ بيع السواكِ والطرحِ والجلاليبِ. مظاهرٌ توحي بالمجتمعِ الفاضلِ، تعاملاتٌ تؤكدُ علي كل الغشِ والكذبِ والتحايلِ والتلاعبِ، ضاعَت الثوابتُ الأخلاقيةُ، لم يبقْ ويزدهرْ إلا التدينَ المظهري، القِشري، الذي يُيسرُ النصبَ ويفتحُ أبوابَ الرزقِ واسعةً بشعاراتٍ ومظاهرٍ دينيةٍ، علي السطحِ، فقط.
مجتمعاتُ الفتاوى لا تقدمُ لعالمِ اليومِ إلا ما أخفَته الكتبُ الصفراءُ، بلا تدقيقٍ ولا تروٍ، لم تسهمْ في حلِ معضلةٍ علميةٍ ولو كانت متعلقةٌ برفاهيةِ شعوبِها، لم تحُضْ علي طلبِ العلمِ، لم تهتمْ بفضيلةِ العملِ، لم تكرسْ احترامَ الوقتِ، حرَمت ميكي ماوس علي الأطفالِ، وكأن فرحةَ الطفلِ ممنوعةٌ محسوبةٌ، كأن الكأبةَ وقايةٌ له، الفأرُ الكرتوني مؤمراةٌ صهيونيةٌ غربيةٌ، وماذا عن النظارةِ الطبيةِ التي بها يقرأون ما به ومنه يُفتون؟ أليست مؤامرةً؟ لماذا أُخِذَت بحسنِ نيةٍ حُرِمَ منها الطفلُ؟ مجتمعاتُ الفتاوي تعيشُ عالةً علي عالمِ اليومِ، فيما بينِها متقاتلةٌ، مع عالمِها متصارعةٌ، نفسُ عقليةِ مئاتٍ من السنين ولَت بعدما أورَث الهزائمَ والانكساراتِ والخسائرَ.
التصالحُ مع النفسِ مفقودٌ من فرطِ فتاوي التحريمِ والكراهيةِ والفرقةِ، الدينُ أصبحَ عسيراً شاقاً من كثرةِ ما أثقلوه به من عندياتِهم، من نفسياتِهم، من احباطاتِهم، من نهمِهم للشهرةِ والمالِ. مجتمعاتُ الفتاوي علي شعرةٍ، يتبادلُ أفرادُها الشكوكَ والريبةَ والنفورَ، التعاملاتُ مَرَضيةٌ، الجيرةُ متوترةٌ، حتي السلامُ والمعايدةُ لم تعدْ من الواجباتِ الإنسانيةِ، ضربَها التحريمُ والتأويلُ. المرأةُ طالَها نصيبُ الأسدِ من الفتاوي في ملبسِها ومأكلِها ومشربِها ونومِها وحركتِها وجلوسِها، هي الحائطُ المائلُ الذي عليه التحملُ والصبرُ مهما نالَ، كلُه من أجلِ الفضيلةِ والأخلاقِ والنشءِ الصالحِ، كأن الرجلَ حيوانٌ غريزي بلا عقلٍ، مسحوبٌ أبلهٌ أحمقٌ من شيطانٍ متلبسٍ في شكلِ إمرأةٍ، ولو كانت دميمةً قبيحةً منفرةً.
فضائياتُ الفتاوي تتجاورَ ووتتعايشَ مع فضائياتِ الخلاعةِ، كلُها مشاريعٌ تجاريةٌ، لنفسِ الملاكِ والشركاءِ، سبوبةٌ وبابُ رزقٍ بلا حسابٍ؛ لكلِ زبونٍ ما يبغي، فتاوي أم خلاعةٍ؟ لماذا لم يُحرموا فضائياتِ الفتاوي بعدما زرَعَت كل ما ذرَعَت من أسبابِ التناحرِ والتشاحِنِ؟ تساؤلٌ لا محلَ له، هل بأيديهم يمنعون عن أنفسِهم ملاييناً عليهم تنهمرُ وحوراً حساناً أستحلوها مثنيً وثلاثاً ورباعاً وربما أكثر؟
هل تنتهي الفتاوي بعودةِ مجتمعاتِها للجحورِ والكهوفِ؟ أبداً، هناك عالمُ واسعٌ لا بدَ من تركيعِه وسحبِه،،

الجمعة، 3 أكتوبر 2008

في الجامعاتِ الأجيالُ لا تتواصلُ..


انتقالُ المسئوليةِ من جيلٍ إلي الذي يليه سمةُ المجتمعاتِ السليمةِ، فيه الاعترافُ بسنةِ الحياةِ، بأن الزمنَ لا يدومُ لشخصٍ مهما بلغَ، لفئةٍ أياً كانت ثروتُها، لجماعةٍ ولو زادَ علمُها، لأسرةٍ حتي لو توحشَ سلطانُها. الزمنُ أزالَ امبراطورياتٍ، هزمَها، جعلَ فيها العظةَ والعبرةَ، السيادةُ لمن تعلمَ منه، من طَورَ دساتيرَه وقوانينَه لتتأقلمَ معه، من أنكرَه لا بديلَ عن انقراضِه واندحارِه وانكسارِه. عالمُ اليومِ شاهدٌ علي سيادةِ من اتعظوا واعتبروا وتعلموا، للأسفِ لسنا منهم ولا يبدوا في أي أفقٍ أننا سنكون من الفائزين. التمسكِ بالسلطةِ حتي الموتِ أصابَ مجتمعنا بلا رحمةٍ، عمِيتُ البصيرةُ عن أضرارِه القاتلةِ، لم يعدْ قابلاً للشفاءِ؛ مسئولون علي كراسي السلطةِ لعقودٍ، تلخلخَت أرجلُهم، ارتعشَت أياديهم، ثقُلََت عقولُهم، ثأثأت ألسنتُهم، ضعُفَ نبضُهم، خَفَت بصرُهم، ارتفعَ ضعطُهم، تيبسَت مفاصلُهم، مازالوا علي الكراسي جالسين، ولو كانت بعجلٍ، من كثرةِ ما أصابَهم غابَ عنهم التفكيرُ وتقديرُ الأمورِ.
مرضٌ عضالٌ ضرَبَ الجامعاتِ من ضمن ما ضربَ، مرضٌ اجتماعيٌ مُعدٍ، مثوارثُ في منطقةٍ تعيشُ علي الخرافاتِ والجهلِ، ولو ادعَت العلمَ وأقامَت له الزيناتِ والأفراحَ والليالي الملاحَ. فجأةً، أفاقَ من بالسلطةِ، لأسبابِهم، علي خطايا سيطرةِ بعضِ شيوخِ أساتذةِ الجامعاتِ، طالَ بهم الزمنُ فأفسدوا واستحوزوا ومنعوا من بعدِهم، لم يُعلِموا إلا ما يبيعونَه كتباً، لم يُدرِسوا وأرسلوا صبيانَهم بدلاً منهم، طوعوا لوائحَ الجامعاتِ بهواهِم ليستمروا، لم يبحثوا واكتفوا بوأدِ ما يليهم من أجيالٍ حتي يظلوا تحت كلِ ضوءٍ ومغنَمٍ ومنصبٍ، الكراسي كلُها لهم ولمحاسيبِهم، تغلغلوا، علي كل المستوياتِ في الجامعةِ وخارجِها، بفكرٍ مريضٍ، يدورُ حولَ تميزِ جيلِهم. صدرَ قانونٌ بتظيمِ وضعِ من تخطوا الستينَ والسبعين عاماً من أساتذةِ الجامعاتِ، وراءُه ما وراءُه من أسبابٍ، أصابَ ذوي الأخلاقِ منهم بخطايا من أفسدوا، ثارَت الدنيا نفاقاً علي ضياعِ كرامةِ الجامعاتِ وأساتذتِها، تناسي كاذبوا الزفةِ في غمرةِ ادعاءِ المواقفِ أن أجيالً من أساتذةِ الجامعاتِ حورِبَت وأُبعِدَت بفعلِ فاعلٍ من الأكبرِ سناً، عمداً وبكلِ الإصرارِ والترصدِ والأنانيةِ.
مع اختلاطِ الحقِ بالباطلِ، استمرَ تغلغلُ كثيرين من الذين استهدَفهم قانونُ تنظيمِ الجامعاتِ بعد أن طالَ بهم البقاءُ بما يفوقُ طاقةَ الزمنِ، دخلوا في دوائرِ مستشاري الوزراءِ، بوهمِ خبرتِهم، ارتدوا عباءةَ إصلاحِ الجامعاتِ وغيرِها وهم أكبرُ أسبابِ معاناتِها علي مدارِ سنين عملِهم بها وبعد بلوغِهم سنِ المعاشِ، وزراءٌ ومسئولون بفكرٍ محدودٍ أولوهم مسئوليةَ التفكيرِ عنهم، الإصلاحُ والتطويرُ، كيف وهم لم يُفلحوا أثناءَ عملِهم الطويلِ بالجامعاتِ وخارجِها؟ شاركوا بهمةٍ في إصدارِ قوانينًٍ وقراراتٍ تحتَ عنوانِ الإصلاحِ، هى واقعاً أستمرارٌ في مسلسلِ اعتادوه، الانتقامُ والإبعادُ لأجيالٍ بعينِها، ضمانُ شغلِ الكراسي بالمنافقين والتابعين الذين يضمنون لهم الاستمرارَ وطولَ البقاءِ. ازدواجُ شخصياتِهم يتبدي في ادعائهم العزةِ والكرامةِ والترفعِ في جامعاتِهم وكلياتِهم مع خنوعِهم التامِ خارجَها حيث يترأسُهم من يصغرونهم بما يدورُ حولَ العشرين عاماً، الفلوسُ والمغانمُ من اسفارٍ وعطايا تهون من أجلِها كرامةٌ كاذبةٌ مدعاةٌ. لم تغيرْ السنينُ من تكتلِهم لمحاربةِ من يتولي بعدَهم المسئوليةِ، لا بدَ أن يكون خاتماً في أصغرِ أصابعِهم، يجبُ ألا يقفُ أمامَ تجاوزاتِهم وإلا وُصِمَ بالنكرانِ والجحودِ، صوتُهم أعلي دائماً من عملِهم، لا زالوا يتصورون أن الجامعاتِ أبعادياتُهم، هناك من المسئولين من يضعفون أمامَهم، كراسي هذا الزمنِ، أعلي من قدراتِ شاغليها، في أحيانٍ كثيرةٍ.
المجتمعُ مريضٌ بداءِ انكارِ أن نقلَ السلطةِ دواءٌ، ولو كان مُراً، الجامعاتُ في ذاتِ المحنةِ، ما لها من براءٍ قريبٍ، الأساتذةُ الأجلاءُ تعففوا وابتعدوا احتراماً لماضيهم، اعترافاً بسنةِ الحياةِ، أما من شبوا من أساتذةِ الجامعاتِ علي خطيةٍ فشابوا عليها، ما زالوا يعيثون فساداً في كلِ مكانٍ، هكذا عاشوا وهكذا سيستمرون،،
لا حياءَ ولا رياءَ في الحقِ، لهذا كتبتُ وسأظلُ،

يوم السلام العالمى فى مكتبة الإسكندرية


بمناسبة يوم السلام العالمى (21 سبتمبر) قام مركز الفنون فى مكتبة الاسكندرية بعرض خمسة أفلام عالمية متميزة تتناول بعض القضايا الشائكة فى عالمنا المعاصر.
1) أرارات Ararat
هذا الفيلم الذى يحمل اسم الجبل الواقع عند الحدود الحالية بين أرمينيا و تركيا كتبه وأخرجه أتوم ايجويان الكندى من أصل أرمينى والمولود فى مصر.
من خلال سيناريو ذكى وبإحساس بالغ يتحدث الفيلم عن حرب الإبادة التى تعرض لها الأرمن فى عام 1915 وتأثيرها على الأجيال الأرمينية التالية التى انتشرت فى كل بقاع العالم نتيجة لها.
آخر أفلام هذا المؤلف/ المخرج عنوانه عبادة ِAdoration عن صراع الثقافات خاصة بين الشرق والغرب.
درجة الفيلم : 7.5 من عشرة
2) يونايتد 93 United 93
فيلم مثير ومشوق إلى أقصى حد عن احدى الطائرات المدنية الأربعة التى شاركت فى أحداث 11 سبتمبر 2001 . المتميز فى الفيلم هو المونتاج إلى جانب الإخراج والسيناريو بحيث تتوالى اللقطات بسرعة غامرة بالأحداث يلهث وراءها المشاهد من البداية للنهاية.
لم ينل الفيلم أية جوائز اوسكار من التى رشح لها والتى ذهبت لفيلم الراحلون The Departed . لكن نفس فريق العمل من المخرج بول جرينجراس والمونتير كريستوفر راوس حققوا اوسكار أحسن مونتاج لفيلمهم التالى The Bourne Ultimatum
.
درجة الفيلم : 8 من عشرة
3) صور مطموسة Redacted

رؤية خاصة و شخصية للمخرج برايان دى بالما لما يجرى فى العراق و لكنها رؤية سودوية و دموية كعادته فى أفلامه (The Black Dahlia, Scarface, Carrie) .
الفيلم يأخذ الشكل الإعلامى الحديث كالتحقيقات الصحفية المصورة والفيديو والإنترنت ويعتبر تجربة رائدة فى مثل هذه النوعية.
درجة الفيلم : 7 من عشرة

كما تم عرض فيلمين آخرين هما الفيلم الشهير غاندى Gandhi للمخرج الإنجليزى ريتشارد أتنبورو وأداء الممثل الكبير بن كينجزلى و الفيلم الجيد الأحد الدامى The Bloody Sunday للمخرج الإنجليزى بول جرينجراس والذى يتناول أحد أحداث الصراع الدائر فى ايرلندا الشمالية بشكل الدراما الوثائقية Docu Drama .

مهندس / دانيال تانيليان - سكندرى عاشق للسينما ومحب للفنون