الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

وزاراتُ الفكِ والتركيبِ...


فاضت الصحفُ والإعلامُ عن التشكيل الوزاري وتوقعاتِه وترشيحاتِه، وتباري الكلُ في إدعاءِ العلمِ بالأمورِ وبواطنِها، ثم نامَت الدنيا وكأن شيئاً لم يُقَلْ. نسي الجميعُ أن التشكيلَ الوزاري في مصرٌ من الأسرارِ الحربيةِ العظمي وأن التطرقَ إليه لا يعدو كونَه تمنياً في تغييرٍ أياً كان، تنفيساً عن نفوسٍ مختنقةٍ حانقةٍ علي أوضاعٍ يتعذرُ استمرارُها. تمني الجميعُ التغييرَ بعد أن ضاقَت حياتُهم وزادَ كربُهم، مؤتمراتٌ تُعقدُ وكأن منظميها من كوكبٍ آخرٍ، يعيشون قضاياهم الخاصةَ لا القضايا الناسِ، تدعي شعاراتُهم ما لا يُثيرُ اهتماماً ولا تصديقاً. التغييرُ أصبحَ أمنيةً طالَ انتظارُها، ليس في مجردِ وزيرٍ أو أكثر لكن فيما هو أعمَقَ، جداً جداً.
الوزراءُ وما شابهَهم ليسوا إلا صورةً، أداةً، لإلهاءِ الخلقِ، اختيارُهم مرهونٌ بمقدرتِهم علي إثارةِ المشاعرِ العامةِ، وما أدلُ علي ذلك أكثرُ من تردي حالِ التعليمِ العالي والمدرسي، النقلِ، المواصلاتِ، الصحةِ، الزراعةِ، الصناعةِ، السياسةِ. الوزيرُ من الناحيةِ العمليةِ يستحيلُ أن يحولَ الفسيخَ إلي عسلٍ، هو يعلمُ وإن لم يعلمْ فلا بدَ من علاجِه نفسياً، الأمرُ بالنسبةِ له سبوبةٌ، مغنمٌ، تحسينٌ للسيرةِ العائليةِ والذاتيةِ، لما بعدِ الوزارةِ. من يُختارون للوزارةِ يكونون من الموهوبين في تحملِ النقدِ والاستهجانِ، من المُتمادين في الغتاتةِ، من ذوي الجلودِ السميكةِ الذين يفعلون كل ما يوصِلُهم للكرسي ويبقيهم عليه، يتقربون لمتخذِ القرارِ علي حسابِ أخلاقياتٍ عامةٍ في التعاملِ الإنساني والوظيفي.
الوزارتُ في مصر تُعلَنُ لها أهدافٌ، لا يتحققُ منها شيئٌ، تارةً تدمجُ في بعضِها، كالتعليمِ والتعليمِ العالي واسمه إيه البحث العلمي، وتارةً تُفصلُ وتُفَكُ، طبعاً لتحقيقِ احتياجاتِ المرحلةِ الحاليةِ من التاريخِ المليئةِ بالانجازاتِ والتجلياتِ. الوزارتُ تبقي وتُعَمِرُ لأسبابٍ لا نعرفُها وتُقلَشُ لنفسِ الأسبابِ. وزراءٌ ورؤساؤهم لا يعرفون لإجلاسِهم أو لزحلقتِهم سبباً، ومع ذلك يعيشون أدواراً تفوقُ مقدرتَهم النفسيةَ والعلميةَ والإداريةَ، يُصدقون أنفسَهم، ويكون العلاجُ النفسيُ قرينُهم بعد خلعِهم. طينةٌ هم من البشرِ مختلفةٌ، تعشقُ الكرسي والأضواءَ والتكويشَ، في سبيلِها يدوسون علي أنفسِهم وعلي من حولِهم.
مع كل الأسي، اختيارُ الوزراءِ يعكسُ نظرةً لا تعني إلا معاندةَ الشعبِ، إنكارَ إرادتِه وعقلِه وقدرتِه، وهو أسلوبٌ متوقعٌ لم يتغيرْ، أورَثَ نفوراً استحكَمَ وجفوةً يستحيلُ سَدُها بين الشعبِ ومن يحكمونه بإنكارٍ وتجاهلٍ. من السهلِ علي من ينتقدُ أن يجدَ أذاناً تستحيلُ علي من يحكمُ، ولو ضحَكَ وتبَسمَ وقرَرَ وعينَ وأقالَ.
الوزاراتُ في مصر، قصٌ ولصقُ، فكٌ وتركيبٌ، المحصلةُ واحدةٌ، تخلفٌ وتقهقرٌ، إسألوا السكةَ الحديدَ والخنازيرَ وانفلونزا H1N1،،

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

وزير النقل وحده؟!


كارثةُ سكةِ حديدٍ متوقعةٌ، من المؤكدِ أن تحدثَ وتتكررَ، خرجَ علي إثرِها ثاني وزيرِ نقلٍ، دُقي يا مزيكا، النظامُ والحزبُ يحاسبان، يتعاملان بشفافيةٍ، لا مكانَ للتقصيرِ، لم يصدقْ أحدٌ ما يري، لم يأكلْ الأونطة. السكةُ الحديدُ هي كل مصر، هي أداءُ النظامِ والحكومةِ والشعبِ، الكلُ شركاءٌ في النكباتِ، مسرحياتُ الإدانة والشجبِ في مجلسِ الشعبِ ومن أهلِ النظامِ اعتادها الشعبُ بعد كلِ مصيبةٍ، تكررَت وباخَت شاخَت.
الآداءُ في كلِ المجالات يسيرُ بدون تخطيطِ، بلا اهتمامٍ، بأنانيةٍ، برغبةٍ في الاحتفاظِ بكل المغانمِ، بالتكويشِ، علي كراسي السلطةِ، علي الفرصِ، علي المالِ، علي الأرضِ. أعضاءُ مجلسِ الشعبِ يعتدون علي جنودِ الشرطةِ، يقتحمون المدارسِ، يستولون علي الأراضي، بالذمة إذا كان هذا آداءُ من يُشرِعون، من يطالبون بالحقِِ ويحاربون الفسادَ، فكيف يكون التعاملِ خارجَه، في الشارعِ؟ لا غرابةَ في البلطجةِ والفوضي وسوءِ السلوكِ، في إهدارِ وقتِ العملِ، في تلفيقِ التهمِ، في إعلامٍ مُضللٍ، لا غرابةَ في هذا التدهورِ الذي ما لم من نهايةٍ سعيدةٍ.
خرَجَ وزيرُ النقلِ لأن مصيبَته بانَت، لكن ماذا عن الذين دمروا التعليمَ بشقيه المدرسي والجامعي؟ ماذا عن الذين انحدروا بالدراساتِ الهندسيةِ لتقبلَ طلاباً في الجامعاتِ والمعاهدِ الخاصةِ بالكادِ يفكون الخطِ؟ ماذا عن الذين يريدون قصفَ سنةٍ من عمرِ التعليمِ الهندسي؟ ماذا عن تردي أحوالِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ؟ ماذا عن محاولاتِ كسرِ عيونهم ونفوسِهم؟ ماذا عما آلت إليه الخدماتِ الصحيةِ؟ ماذا عن شربِ المياهِ الملوثةِ؟ ماذا عن الأكلِ المخلوطِ بالمجاري؟ ماذا عن الإعلامِ الذي سُخِرَ للطبلِ والزمرِ وإخفاءِ الحقائقِ؟ ماذا عن نقاباتٍ مهنيةٍ دَمَرَت أحلامَ طلابٍ وأسرِهم من أجلِ مصالحٍ خاصةٍ؟
الحكايةُ ليست في مصيبةِ السككِ الحديدةِ، إنها في مصيبةٍ أكبر، أفدح، إنها في الاستمرارِ في البحثِ عن كبشِ فداءِ، إنها في تسطيحِ الأمورِ، في حصرِها في حادثةٍ علنيةٍ شوهِدَت علي الفضائيات؛ هناك من المصائبِ ما لا يظهرُ إلا بعد فتراتٍ قد تطولُ، ألم تَرفضُ بعض الدولِ العربيةِ إرسالَ طلابِها للدراسةِ ببعضِ الجامعاتِ والمعاهدِ المصريةِ؟ لماذا لم يصرخْ الإعلامُ علي تلك الفضيحةِ؟ لماذا لم يثرْ مجلسِ الشعبِ؟ هل لا بدّ من دماءٍ؟ من قتلي؟
وزيرُ النقلِ لايستحقُ الخروجَ وحدُه، كلُهم مسئولون عما آلَت إليه السكةِ الحديدِ، مصر، كلُ يفكرُ في نفسِه، كيف يستمرُ، كيف يستحوزُ، الوهنُ ضرَبَ، لم يتركْ شيئاً علي حيلِه.
الشعبُ المصري ساءَ خُلُقُه، اِكتئبَ، مش من شوية،،

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

كله إلا مؤتمرات التعليم ..


يتملكُني القلقُ كلما قرأتُ عن عقدِ مؤتمرٍ أو ندوةٍ، لا أقصِدُ بالطبعِ مؤتمراً علمياً، لأنه من المعلومِ مقدماً أن ما فيها معظمُه غثاءٌ وأن نصيبَنا من العلمِ قليلٌ لما آلَ إليه حالُ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ من تردٍ مُخزٍ. ما أقصدُه مؤتمراً حكومياً أو بمعني أدقَ مؤتمراً وزارياً، من تلك التي تُعقَدُ للتجميلِ، للترويجِ، لبيعِ الهواء أو دهانِه؛ ما أكثرَ ما نُصِبَت تلك المؤتمراتِ لإضفاءِ شرعيةٍ ومصداقيةٍ علي ما لا حقَ له في شرعيةٍ ولا مصداقيةٍ. خطورةُ هذه المؤتمراتِ في أنها تفتقدُ النقاشَ والحوارَ والرأي الآخرَ، المهيمنون عليها والمتحدثون فيها هم من أعضاءِ الشلةِ الوزاريةِ، البطانةُ، يغنون بما يريدُ ويدافعون بحرقةٍ عن أفكارٍ وبناتِها، يجيدون الظهورَ الإعلامي، يعلنون بلسانٍ عزبٍ ما فيه الخطرُ كله، يوصون وكأنهم تملكوا مفاتيحَ الحقيقةَ والمعرفةَ، وحدُهم. مؤتمراتٌ مسرحيةٌ، فيها جلساتٌ ومتحدثون وحضورٌ ومثلجاتٌ وغداءٌ، وتوصياتٌ.
وما أحسبُ أن مؤتمراتِ تطويرِ الثانويةِ العامةِ والتقويمِ الشاملِ وكادرِ المعلمين قد نُسيَت بعدما تسببَت فيه من بلبلةٍ وشوشرةٍ لحِقَت بكلِ بيتٍ وما وجدَت من يلمُها. التعليمُ مستقبلُ الأممِ، لا تصلُحُ فيه المؤتمراتُ الوزاريةُ المُغلقةُ علي إناسٍ بعينِهم، لهم مقابلُ ما يؤدون. ما أشدُ قلقي من تلك المؤتمراتِ التي تُدبرُ لبحثِ مصيرِ التعليم الهندسي، فيها تحليلُ قصفِ سنةٍ من عمرِ الدراساتِ الهندسيةِ، فيها قبولُ طلابٍ بالكادِ يفكون الخطَ في كلياتِ ومعاهدِ الهندسةِ الخاصةِ، فيها الدراساتُ العليا بجامعاتِ الحكومةِ بالفلوسِ لهؤلاءِ الطلابِ حتي تُغسَلُ شهادةُ بكالوريوس حصلوا عليها بلا مجهودٍ ولا تحصيلٍ.
المؤتمراتُ الحقيقيةُ هي التي لا تكونُ بتوجيهاتٍ، لا يحركُها حبُ الاستمرارِ والظهورِ كمُفكرِين أومُصلِحين، وإذا كانت فلتكن فيما لا تعليمَ فيه، وأهمُ المهمِ أن يقومَ الإعلامُ بدورِه، بتسليطِ الضوءِ علي ما يفيدُ، ما هو حقيقي، غيرُ زائفٍ ولا مُصطنعٍ ولا مُفتعلٍ،،

السبت، 3 أكتوبر 2009

عن الجودةِ..والله عيب


الجودةُ، موضوعُ المسئولين المفضل، أسطوانتهم المشروخة، مفتاحُ بقائهم وسلمُ كلِ مشتاقٍ، لكن الحقيقةُ بعيدةُ عن الجودةِ، كلُ البعدِ. بدايةً، سري في الجامعاتِ سُخطٌ بعد أن تردَدت أقاويلٌ عن تخفيضِ مكافأةِ أعضاءِ هيئات التدريس بنسبة 25%، لماذا لأنهم غير ملتزمين!! لو صحَ هذا الكلامُ فالمأساةُ حقيقيةٌ، فهل في مجتمعِ الجامعةِ حيث الفكرُ، يؤخذُ الصالحُ بجريرةِ الطالحِ؟ وهل هذه المكافأةُ علي قلتِها حقُ أم أنها "إديله حاجة يا صادق أفندى"؟ التعاملُ مع أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ لا بديلَ فيه عن الكياسةِ، لا هو بالقمعِ، ولا بالأحكامِ العرفيةِ، ولا بالتحريضِ علي كتابةِ الشكاوي؛ احترامُ عقولِ الأمةِ من احترامِ الدولةِ لذاتِها ومرآةٌ هو لمستقبلِها حتي لو أفلَ حاضرُها.
الجودةُ التعليميةُ في مفهومِ العالمِ، ولا أعرفُ مدي اتفاقِ هذا المفهوم مع ما يرددُه مسئولو التعليم في مصر المحروسة، تبدأُ بتكريسِ احترامِ الطالبِ للمؤسسةِ التعليميةِ، أعضاءُ هيئاتِ التدريسٍ والنظمُ والقوانين؛ لكن الجودةُ في مفهومِ هؤلاء المسئولين هي تشجيعِ الطلابِ علي الشكوي، في المقامِ الأولِ، بحيث تكون هذه الشكوي مفتاحاً لكسرِ عيونِ ونفوسِ أعضاءِ هيئات التدريسِ، أصلها ناقصة. الجودةُ عندهم لم تطلْ بعد تحسين أحوالِ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ والمعاملِ والمكتباتِ، طالما الورق تمام الجودة عندهم تمام.
ولما كان الشئ بالشئ يُذكرُ، هل تولية المرأةِ داخلةٌ في الجودةِ؟ بمعني هل من أسسِ الجودةِ أن تكون المرأةُ عميدةً وكذلك وكيلتان ويُترك مكانٌ وحيدٌ في وكالةِ الكليةِ لجنسِ الرجالِ في إحدي الكليات ذات الأغلبيةِ الرجالي؟! نريدُ أن نفهمَ ما رأه المسئولون وغمي علينا نحن الرعايا، ومن أين تأتي هذه الافتكاساتُ؟ وهل من الجودةِ أن تظلَ المناصبُ القياديةُ في الجامعاتِ شاغرةٌ لأشهرٍ؟! هل الأمورُ بها ومن غيرها ماشية؟! ومتي تكون الاختياراتُ لها خارجَ أي شلةٍ أو انتماءاتٍ أو ولاءاتٍ؟ ومتي تبعدُ عن المجاملاتِ والعطايا والمَنحِ والمَنعِ؟! ألا تكفي الاختياراتُ للجان العلميةِ للترقياتِ ولغيرِها من الكراسي المحلية والخارجية؟
حسب قانون تنظيم الجامعاتِ الذي نعرفه أن الإعارات لا تجاوزُ الستةَ أعوامٍ، لكن هناك من الحالاتِ من تجاوزَها وصولاً للعشرةِ أعوامٍ، لماذا لأنها حصلَت علي موافقةِ الوزيرِ؛ لماذا وافقَ الوزيرُ؟ لأن الأقسامَ العلميةَ وافقت علي المدِ بعد الستةِ أعوامٍ. إذا صحَ هذا المنطقُ، لماذا يوافقُ الوزيرُ علي مخالفةِ القانونِ؟! وماذا عن الانتدابِ الكاملِ من ميزانياتٍ الجامعاتِ إذا كان بقرارٍ من وزيرِ التعليمِ العالي؟! وإذا كانت الجامعاتُ غنيةً لهذا الحدِ لما تخصمُ مكافآتُ أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ؟! وأين نسبةُ الإعارةِ في كلِ قسمٍ إذا كانت مُنتهَكةً بإعاراتٍ تجاوزت الستةَ أعوامٍ واننتداباتٍ كاملةٍ في وزارةِ التعليمِ العالي؟!
أحاديثُ الجودةِ مسليةٌ، فعلاً بدونها لن يجد الخلقُ كلاماً، أهي أحسن من قزقزةِ اللب برضه، مش كده وللا إيه،،

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

فاروق حسني...وما نيلُ المطالبِ بالتمني


خسرَ فاروق حسني انتخاباتِ منصبِ المديرِ العامِ لمنظمةِ اليونسكو، عشنا حلمَ الفوزِ أولَ ثلاثةِ جولاتٍ، تَوقعنا الخسارةَ في الرابعةِ، وتأكدنا منها في الخامسةِ. الأملُ راودَنا رغم الواقعِ الذي لا يقفُ في صفِ المرشحِ المصري، وفعلاً انتصرَ الواقعُ، بلا عواطفٍ ولا أوهامٍ، إنها السياسةُ وأعمالُنا، والكبير كبير. لو فاز فاروق حسني لكنا في عصرِ المعجزاتِ، كلُ المعطياتِ تصبُ في صفِ خسارتِه، بل خسارةِ مصر وعالمٍ منقسمٍ تنتمي إليه لم يؤيده وتمني خسارتَه؛ حتي مواطنيه تشفوا فيه، تارةً لما نُسِبَ إليه عن الحجابِ، وتارةً لما يُري تدخلاً في جوائزِ الدولةِ. دخلَ فاروق حسني الانتخاباتِ بشعاراتِ الريادةِ والحضارةِ والدورِ المِحوري والعلاقاتِ المتميزةِ، لم تجدْ أبداً أُذناً لها، لا من مواطنيه ولا من غيرِهم، هجص، فشنك.
فوزُ فاروق حسني في انتخاباتِ اليونسكو المسئولةِ عن ثقافةِ العالمِ يعني التأييدَ لسياسةِ دولتِه ولثقافةِ منطقتِه، وهو ما يستحيلُ أن يقبلَ به الغربُ ومشايعوه. كيف يسمحُ عالمُ اليومِ بقبولِ سياسةٍ فيها كتمِ المعارضين والمخالفين في أقلِ الفروضِ؟ كيف يقبلُ مرشحاً لهذا المنصبِ وقد ترعرعَ في أجواءِ تسخيرِ إعلامِ الحكومةِ المكتوبِ والمرئي للدعايةِ للنظامِ الحاكمِ ليلَ نهار؟ كيف يُسمح لمن تَشَرَبَ سياسةَ الانتخاباتِ المُفبركةِ أن يترأسَ أعلي منظمةٍ ثقافيةٍ في العالمِ؟ كيف يُفتحُ الطريقُ لمن ينتمي لمجتمعاتٍ ترفضُ الآخرَ المختلفَ ديناً وجنساً وفكراً؟ كيف يتولي هذا المنصبَ من تَرَبي لعقودٍ علي تلك السياسةِ وهذه الثقافةِ؟ قبولُ مديرٍ بتلك الخلفيةِ يعني تأييداً ودعايةً لدولتِه ومنطقتِه وتقافتِها، وهو ما لا يُمكنُ اليومَ ولا غداً.
غرِقنا في الأحلامِ وتمنينا، أخَفَقنا كثيراً وآمَلْنا، نسينا الحقيقةَ وتوهمنا. سيُعاودنا الإخفاقُ إذا لم نفهمْ لغةَ هذا الزمان، لا مَفرَ من احترامِ الشعوبِ، توعيتِها، حلِ مشاكلِها دون شغلِها حتي لا تلتفتُ هنا أو هناك؛ سيعاودُنا الإخفاقُ إذا لم تتقبلُ المجتمعاتُ العربيةُ والإسلاميةُ الآخرَ، إذا لم تحققْ العدالةَ لكلِ مواطنٍ، اياً كان جنسُه ولونُه ودينُه ومعتقدُه وفكرُه. الجاياتُ كثيرةٌ، لكننا مع الأسفِ علي حالِنا، علي كِبرِنا، تعديلُ مجلسِ الأمنِ أهمُها، سَنخسَرُ كرسيه أيضاً، لن تُقبَلُ دولةً، أياً كانت، إذا كانت بلا ديمقراطيةٍ، إذا كانت لا تحترمُ مواطنيها؛ اقصاؤها رفضٌ لمسلكِها السياسي والاجتماعي والثقافي، يستحيلُ إتاحةُ مكانٍ لها والدعايةُ لنظامِها.
الدنيا تتغيرُ، العيبُ ليس في فاروق حسني، علي الأقلِ حاولَ بشجاعةٍ، الدرسُ قاسٍ، هو في الواجهةِ، من تَلَقوه هم المقصودون، حكاماً ومحكومين.
هل يمكن نشرُ مقالتي تلك في صحيفةٍ حكوميةٍ؟ في الإجابةِ أسبابُ ضياعِ كرسي اليونسكو. إيييييه، تمنينا، من حقِنا، لا أكثرَ،،

الاثنين، 21 سبتمبر 2009

الاستقواءُ بالدين...




المعاملاتُ الإنسانيةُ السويةُ لا تقومُ بغيرِ صراحةٍ وأدبٍ ولسانٍ عزبٍ وبالضرورةِ أمانةٍ لا فصالَ فيها. المفروضُ شئ والواقعُ غيرُه، تماماً، خاصةً عندما تكون الفظاظةُ والتبجحُ والتعدي والمغالطاتُ من الذين يرون في أنفسِهم تديناً غابَ عن غيرِهم، منغلقين علي أنفسِهم في ثيابٍ قصيرةٍ ولحيٍ كثةٍ أو في مجردِ تصورٍ أنهم الأخيرُ وأنهم علي حقٍ وأنهم الأحقُ.

باسمِِ الدين أصبحَ مُباحاً التدخلُ في شئون الآخرين، رجالاً ونساءً، وباسمه تَخطئتُهم، في كلِ الأمورِ ولو كانت شخصيةً. ولقد حكي لي صديقٌ أنه في صالةِ الجيم بأحدِِ أكبرِ أنديةِ مصر الجديدةِ، اشتدَ الصخبُ فما كان من أحدِ جُهلاءِ هذا الزمانِ إلا أن رفعَ القرآن من محمولِه بأعلي صوتٍ، لماذا؟ حتي يسكتُ الناسُ عندما يسمعون القرآن! لم يراعْ أنه في مكانٍ صاخبٌ بطبيعتِه، وأن للقرآنِ قدسيتُه وخشوعُه، تماماً مثل من يقرأون القرآن في وسائل النقلِ العامةِ مُطالبين الناسِ بالسكوتِ. حتي المصلين لم يسلَموا في المساجدِ والزوايا من التدخلاتِ في سجودِهم وركوعِهم وأدعيتِهم وملبسِهم، ولقد خرجَ مُصلياً غاضباً من صلاةِ التراوييح لأن أحدَهم أفتي ببطلانِ صلاتِه.

مسلكٌ يقومُ علي التبجحِ في أقلِ الفروضِ وتوهمِ أن مجردِ التمسحِ في الدين يعطي الحقَ في كل ما يضايقُ الغيرَ ويتعدي علي حريتِهم. تحت هذا الفهمِ تعلو الميكروفوناتُ في وقتِ الصلاةِ وفي غيره وعند افتتاحِ المحالِ، وهكذا تُحتلُ الشوارعُ أيامُ الجُمَعِ وتُغلقُ، وبه يتجرأ البعضُ علي الصالونات المزدحمةِ في المبني الاجتماعي بالأنديةِ محتلين أجزاءٍ منها لصلاةِ الجماعةِ مُتكاسلين عن التَوجهِ لمسجدِ النادي. يندرجُ تحت هذه الِاستباحةِ القَسريةِ، بوضعِ اليدِ، قيادةُ السياراتِ بالنقابِ مع ما في ذلك من خطورةٍ علي المارةِ والسائقةِ.

بنفسِ توهمِ ِ امتلاكِ الحقِ والحقيقةِ تنهمرُ البذاءاتُ علي كُتابِ المقالاتِ الذين يفكرون ويجتهدون، التمَحُكُ في الدين يعفي مُعلقين وما شابه من فَهمِهم، لا داعي عندهم لمناقشةِ فِكرٍٍ مُخالفٍ، الصوابٍُ تلقائيٌ في صفِهم، ولو جَهِلوا، السِبابُ إذاً من حقِهم، حتي لو غَمِي عليهم التَبَصرُ، حتي لو أساؤوا التأويلَ. الفكرُ يُزعجُ من تقولبوا وتقوقعوا وتَشَرنَقوا. حتي التسولِ أدخلوا الدينَ فيه، أدعيةٌ وأحاديثٌ وعظاتٌ تُرمي علي حجورِ ركابِ وسائلِ النقلِ العامِ، عطورٌ سَموها إسلاميةً وما عاشوا عصورَها.

الكلُ في الاستقواءِ بالدينِ سواءٌ، حكوماتٌ ومعارضون، وأفرادٌ، من نالوا من التعليمِ ومن عنهم شحَ وغابَ، لأغراضٍِ شخصيةِ فجةِ يرتدون عباءةَ الدين، يتكلمون ويعتدون وينتهكون باسمه. غابَت كلُ حريةٍ وانكمَشَ كلُ ابداعٍ بفعلِ من جعلَوا من الدينِ سبوبةً ووسيلةِ ظهورٍ ومغانمٍ. الفضائياتُ ربحَت الملايين من تجارةِ التحرَيمِ والتحَلَيلِ وجاراها أئمةٌ يفتعلون الغيرةَ والحميةَ، الحكايةُ سابَت وليتنافس المتنافسون.

من فرطِ الانغماسِ في الذاتِ نسوا أنفسَهم، تصوروا أن من حقِهم الاستقواءُ بالدين في بلدانٍ غيرِ بلدانِهم، آوتهم وأطعمَتهم، انقلبوا عليها، هم الفئةُ المؤمنةُ المُصلحةُ في عالمٍ جاهلٍ، هم النورُ في ظلماتِ حضارةٍ مدنيةٍ ولو طالت الأرضَ والسماءَ، أوهامُهم اصطدَمَت بواقعٍ أقوي منهم، تباكوا علي ضياعِ الحرياتِ، حرامٌ علي غيرِهم حلالٌ لهم القتلُ والتنكيلُ والسجنُ والتعذيبُ، ألا يستقوون بالدين.

لطالما كان التحرشُ بالنساءِ جريمةً، مُضايقتُهم بقولٍ أو فعلٍ، العقوبةُ نصَ عليها القانونُ، لكن ماذا عن التحرشِ بالنساءِ والرجالِ أيضاً تحت مسمي الإصلاحِ، الأمرُ بالمعروفِ، أم أنه بالاستقواءِ بالدين يغدو ما يُجَرَمُ مُباحاً، أعلي من سلطةِ الدولةِ، خارجَها؟!