السبت، 2 أغسطس 2008

بدءُ الدراسةِ.. تربوياً


حسبما ينصُ قانونُ تنظيمِ الجامعاتِ، تبدأُ الدراسةُ في السبت الثالث من شهرِ سبتمبر وهو ما سيوافقُ العشرين منه هذا علماً بأن العديد من دور العلم تبدأ قبل هذا التاريخ. ثارَت الآراءُ المناهضةُ لبدءِ الدارسةِ في هذا الميعادِ تحتَ حجةِ وقوعِه في العشرِ الأواخرِ من شهر رمضان وهو ما سيثقلُ علي الأسرِ المصريةِ التي ستكونُ في أوجِِ استعدادِها للعيدِ كما أنه من ناحيةٍ أخري سيعطلُ الطلابَ وأسرَهم عن العبادةِ.
الموضوعُ في ظاهرِه التخفيفُ عن الأسرِ المصريةِ، لكنه واقعاً تكريسٌ لمبدأِ استغلالِ المشاعرِ الدينيةِ لأغراضٍ غيرِ دينيةٍ، إنه لي الأذرعِ باسمِ الدينِ، فرضُ الرأي تحتَ عباءتِه واثباتُ القوةِ في مواجهةِ أيةِ اعتباراتٍ تتعلقُ بتنظيمِ الحياةِ سياسياً وإدارياً علي نحوٍ مُخالفٍ لما يُري أنه من الدينِ. لست في موقعِ دفاعٍ عن أيٍ من وزيري التعليمِ، فجزءٌ من المشكلةِ يلبدُ في الرفضِ العامِ لما يصدرُ عنهما، القبولُ العامُ يُجافيهما ومعهما وصلَ إلي مرحلةِ اللاعودةِ.
الواقعُ أن هناك فترةً في حدودِ العشرةِ أيامٍ بين بدءِ الدراسةِ وبدءِ العيدِ، وهي فترةٌ ليست بالقليلةِ، إذ يجبُ علي الكلياتِ والمدارسِ، خلالَها، إعدادُ الجداولِ الدراسيةِ وإعلانُها وإزالةُ أيةَ تعارضاتٍ فيها، وهي الفترةُ التي يتأقلمُ فيها الطالبُ علي بدءِ الدراسةِ ويتأهلُ نفسياً للدخولِ في أجوائها ولو لم تبدأُ الحصصُ فعلياً أو تنطلقُ بكامل فعاليتِها بفعلِ تعمدِ بعضِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ التلكؤ العمدي عن العملِ في شهر رمضان. انتقاصُ هذه الفترةِ من بدءِ الدراسةِ لا يُستهانُ به ويتعذرُ تعويضُه في فصلٍ دراسيٍ معتلٍ أصلاً بفعلِ التكاسلِ في الأداءِ تحت تأثيرِ سوءِ الأحوالِ الماديةِ للعاملين في حقلِ التعليمِ بكافةِ فئاتِهم ولتشبُعِ الطلابِ بفكرِ الفهلوةِ والتواكلِ السائدين في المجتمعِ. تربوياً لا بدَ أن يترسخَ في وجدانِ المجتمعِ أن العملَ والدراسةَ عبادةٌ، فيهما تقدمُ المجتمعِ بدلاً من احتلالِه عن جدارةٍ قاعَ جداولِ الاعتبارِ في كافةِ المجالاتِ.
دولُ الخليجِ ستؤَجلُ بها الدراسةُ لما بعد رمضان، ليس لنا فيها الأسوةَ ولا القدوةَ، فهي دوماً لا تعملُ في رمضان وفي مواسمِ الأعيادِ ولو جاءت في منتصفِ العامِ الدراسي، وإذا كنا نتأسي بها في التهربِ من العملِ باسمِ الدين فلنتذكرُ أن مخزونَها من المالِ الزائلِ يكفيها لأعوامٍ، أما نحن فجالسون علي حديدةٍ صدأةٍِ. هل سيرفضُ المصريون الذين يقضون أجازاتِهم في مصر العودةَ خلالَ العيدِ لحاقاً ببدءِ أعمالِهم هناك؟ هل سيتحججون بأن الأعيادَ سنةٌ؟ قطعاً لا، فأموالُ الخليجِ فيها قوةُ الفتاوي والتأسي، والإجبارِ أيضاً، بعكسِ مصر الغلبانةِ الفقرانةِ.
إذا رضخَ القائمون علي التعليمِ كممثلين للدولةِ أمامَ دعاوي لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ الاعتكافِ، سيسهلُ تمريرُ كلِ خطأٍ أو تجاوزٍ تدثرَ بالدينِ، ما أقربَ جرائمِ توظيفِ الأموالِ بلافتاتٍ دينيةٍ، ما أكثرَ المحالِ التي ترفعُ أسماءً دينيةً وتذيعُ شرائطاً دينيةً طوال اليومِ جلباً للزبائنِ وتخديراً لهم عن أسعارٍ مرتفعةٍ وبضاعةٍ بعيدةٍ عن الصلاحيةِ والجودةِ.
العمليةُ التعليميةُ تربيةٌ في المقامِ الأولِ، انسوا وزيري التعليمِ والمزايدين عليهما باسم تفرغِ الأسرِ للعبادةِ، لا تعطوا الفرصةَ لمن يرددون أن الإسلامَ ليسَ دينَ عملٍ وعلمٍ. مجتمعٌ يتركُ عملَه ودراسَته ليعتكفُ لا بدَ وأن يصحو والكلُ فوقَ أنفاسِه وعلي رقبتِه،،

ليست هناك تعليقات: