الأربعاء، 1 فبراير 2012

مصر إلى أين؟؟؟


مشهدُ ما بعد الخامس والعشرين من يناير فى مصر أصبحَ مزدحماً، إناسٌ تدخل وإناسٌ تخرج، عالمٌ تصيحُ وعالمٌ تصرخُ، بشرٌ فى الشوارع وأضعافُهم فى البيوت، شعاراتٌ من كل شكل، لافتات حمراء وخضراء وصفراء، بهلوانات بالمُخَطَط بالطول والمُخَطَط بالعرض، فوضى بأكثر من معنى الكلمة، الآراء تَضارَبَت، لا أحد يسمعُ سوى نفسَه، من ضرَبَ من؟ من قتلَ من؟ أنضحك؟ أنبكى؟ ما من إجابة!!

الفضائياتُ جَعلَت من شاشاتِها مُحَرِكاً للمشهد فى مصر، جَلَبت من لم نكن نعرفهم أو نسمعهم أو من طالما تجاهلناهم ونَفَرْنا منهم، كثيرون أصبحوا أبطالاً ومُحللين ومُعلقين، بوضع اليد!! إيه الحكاية؟! يأتون من الخارج لينصبوا أنفسَهم قادة، يحتلون الإنترنت من خارج مصر ليصورا أنفسهم نشطاء، فضائياتٌ تُحرِضُ بكل قوة، جماعاتٌ من الظلامِ آتت لتنقَضَ على ما ليس لها فيه من فضلٍ، أنظمةٌ قمعيةٌ قهرَت شوارعَها بالجيشِ وبالشعاراتِ المذهبيةِ لا تخجلُ من تحريضِ الشارعِ فى مصر، حتى من ينادون بالحرية فى الشارعِ يرفضون آراءَ غيرِهم، يتضاربون بالطوبِ وبالاتهاماتِ وبالسِبابِ!!

دَمرَ بدو الضبعة مشروعَ المفاعل النووي المصري، وأقاموا بدلاً منه عشوائياتٍ من طوبٍ وحجرٍ وماعزٍ، وهددوا مسؤولي الدولةِ بالقتلِ؛ بلغت الخسائرُ مليار جنيه!! في أي دولةٍ يُقبلُ هذا المسلكُ؟ كيف يُرددون ومعهم بعضُ إعلامٍ أنهم حرروا أراضيهم؟! وهل نتوقعُ نفسَ هذا الإجلاء عن مارينا ومراقيا وسائر الساحل الشمالي؟! جلاءُ المحتلين المصريين ورفع الأعلام البدوية التي قد تكون سوداء اللون؟! وهل يسيرُ بدو سيناء على نفس المنطقِ وهم يهاجمون يومياً المحالَ وكمائنَ الشرطةِ؟!

مباراة كرة القدم بين المصري والأهلي تنتهي بعشرات القتلى والمصابين، سابقة لا مثيل لها في التاريخ الكروي الحديث. هل يُعقلُ أن يتواكبَ ميلادُ مصرِ جديدةٍ مع عشرات الآلاف من التعدياتِ على الأراضى الزراعيةِ تبويراً وبناءاً فى الممنوعِ؟! من أين يأكلُ ثمانون مليوناً بعد أن تحوَلَت تلك الأراضى إلى عشوائياتِ بناءٍ؟! الأدهى أنهم بمنتهى الجرأة يقفون طوابيراً لتوصيل الكهرباء والمياه؟! أضفُ إلى ذلك الارتفاعُ غيرُ المسموحِ به فى المدنِ والتعدى على الشوارع بامتداداتٍ لا تمُتُ للعمارةِ ولا للذوقِ بأيةِ صلةٍ.

المقاهى ومحالُ العصيرِ والملابسِ ومعارضُ السياراتِ أُقيمَت فى الطوابقِ الأولى من العقاراتِ، لننظرُ فى شارعِ حسن المأمون بمدينة نصر كى نتعلمُ ونفهمُ معنى التحَسُرِ والأسى والحزنِ على اِنفلاتٍ سلوكىٍ وأخلاقىٍ يستحيلُ أن تكونَ له علاقةٌ بثورةٍ هدفُها الأولُ القضاءُ على الفسادِ. لنر كيف نُسِيَت كلُ قوانين المرورِ وكيف تسيرُ سياراتُ السيرفيس فى الممنوعِ بدون لوحاتٍ، من يرتدى حزامَ الأمانِ الآن؟ لنُلق نظرةً كَسيرةً على شوارعٍ رئيسيةٍ وقد بَرَكت فيها سياراتُ نقلٍ، تبيعُ الفاكهةِ والخضرِ، غيرُ عابئةٍ بتوقفِ المرورِ، شارعُ الطاقةِ بجوارِ النادى الأهلى بمدينة نصر شاهدٌ.

أما عن الاعتصاماتِ والإضراباتِ المُطالِبةِ بالفلوسِ، على بلاطة كده، ألآ يوجدُ تعبيرٌ أكثرُ عِفةٍ عن تلك المطالبِ الحقيقيةِ؟! هل من يقفون مُتَصورين فى أنفسِهم قدرةً على مكافحةِ الفسادِ والمُفسدين فى أماكِنِ عملِهم، قد غَفِلوا أنهم أيضاً يَضُرون بلداً عليه يعيشون وأنهم قد يخسرونه إلى الأبدِ بأفعالِهم تلك؟! هل يقفون فى إضراباتٍ واعتصاماتٍ وينتظرون راتباً آخر الشهرِ؟! بأى منطقٍ، إلا البلطجةِ والبجاحةِ، بصراحة كدة. المطالبةُ برفعِ مستوى المعيشةِ حقٌ مؤكدٌ، لكن الخوفُ على هذا البلدِ أيضاً واجبٌ. كلُ واحد أضرَبَ فى مصر، ولو كان عايز يهرش أو يدخلُ الحمامِ أو يختم شهادة مضروبة!! وأيضاً كلُ مكانٍ، البنوكُ، شركاتُ النقلِ العامِ، شركاتُ الغزلِ، شركات البترولِ، السككُ الحديديةُ، الشرطةُ، لم يتبق إلا الجيش!!

الانفلاتُ سادَ وأصبحَت السرقةُ والبلطجةُ عينى عينك، هو فى إيه؟! تقفيلُ شوارعٍ وحصارُها لسرقةِ المحالِ، بلطجيةٌ يحتلون شوارعاً فى صورةِ باعةٍ جائلين، محالٌ تدَعى عدمَ وجودِ فكةٍ لتصريفِ سلعٍ مضروبةٍ، احتلالُ شققٍ سكنيةٍ ومدنٍ جامعيةٍ والإقامةُ فيها!! فرصةٌ للتهليبِ الأعظم، أقول إيه وإيه وإيه؟! فى سيناء حُرِقَت المدارسُ، بعد أن حرقوا مراكزَ الشرطةِ، اختطفوا عمالاً صينيين، مش فاهم، حتى التعليم رفضوه؟!!

هل سيحتاجُ المُقيمون على أرضِ مصرِ إلى إعادةِ تأهيلٍ إذا قُدِرَ لها أن تقفَ على قدميها مرةً أخرى؟! هل أهلُ تونس أحسن منا؟! هل شعبُ مصر لا يسيرُ إلا بالعصى؟! أهو انتحارٌ جماعىٌ؟ أهو غيابٌ عن الوعى لشعبٍ بأكملِه؟ كلام ثقيل، لكن النكبةَ أكبرُ، مصيبة وألف مصيبة. هل تعودُ مصرُ لعصرِ ما قبلِ التاريخ الحديث؟! هل ستولدُ مصرٌ جديدةٌ كما كنا نتمنى ونأملُ؟ ألله أعلَم.

إيه الحكاية؟ الدنيا فى مصر شُلَت، لمصلحةِ من الخراب ووَقف الحال؟ أهو هدفٌ فى حدِ ذاته لتنقض خفافيش الظلام على مصر؟ أين العقل؟ هل يَحكُمُ الشارعُ مصر؟ هل تُحركُه الفضائياتُ وتُحدِدُ اتجاهاتِه؟ هل تُسَيرُه؟ لماذا غَفَلَت الإنترنت عن التعدديةِ التى تُميزها؟ لماذا أصبَحَت أحاديةَ النظرَ؟ هل أصبحَ الهدوءُ عورةً؟ هل غدا التزامُ المنازلِ سبباً للتجاهلِ؟ هل ضاعَت الحقيقةُ؟ كلُهم يتحركون وكأنهم على المسرحِ وحدِهم. كل ما فى الساحةِ الآن لا يعبرُ إلا عن مصالحٍ خاصةٍ، لجماعاتٍ وأحزابٍ وأشخاصٍ ما تُريدُها إلا فوضى.

هل أصبَحَت مصر ملطشة الكلِ؟ السؤال المُلِحُ الآن هل بشرُ مصر تخافُ ولا تستحي؟! لمن الكلمة فى مصر الآن؟ للشارع؟ للألتراس؟ للجالسين فى بيوتهم؟ للفضائيات؟ للإنترنت؟ لراكبى الموجة من رافعى الشعارات الدينية والسياسية؟ المشهدُ امتلأ بالكومبارس الذين صوروا أنفسهم أبطالاً، مسرحيةٌ باخَت، وعجبى وأسفى وحزنى،،


نُشِرَت بجريدة الجمهورية يوم الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٢
Twitter: @albahary


ليست هناك تعليقات: