لو سكتنا عما يحدثُ يوميًا في سيناء لما سامحنا أنفسَنا على غدٍ غيرِ مُبَشرٍ قد يفرض واقعَه وشروطَه. سيناء التي انتشرَت في صحرائها رُفاتُ عشرات الآلاف من المصريين تضيعُ عيني عينك وكأن من ماتوا في سبيلِها أضاعوا عمرَهم عبثًا. المصريون لاهون تمامًا ما بين مزايداتٍ سياسيةٍ خائبةٍ مُتذاكيةٍ، واعتصاماتٍ شديدةِ الأنانيةِ، وبرامج توك شو انتهازيةٍ؛ نفسُ حكاية حصان طروادة التي أضاَعت بيزنطة لما تفرغَ أهلُها للسفسطةِ والهلفطة والهيافة.
في سيناء الآن، كمائنٌ تُنصب للشرطةِ والجيشِ، هجماتٌٍ إرهابيةٌ على ما يمثلُ سلطةَ الدولةِ، قتلى برصاصاتٍ في الرأس ومختطفون، أعلامٌ سوداءٌ تُرفعُ مع منشوراتِ التهديدِ بالقضاءِ على وجودِ الدولةِ المصريةِ؛ التحد طالَ سائحين ولم تسلمْ منه قواتُ حفظ السلامِ الدوليةِ. أخبار سيناء متواريةٌ خجولةٌ، الكلُ أُصيب بالبلادةُ، لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، مصالحهم أهم، لا تهمهم سيناء ولا مصر كلَها، ولو ادعوا غير ذلك.
وبينما المصريون على هذا الحالِ الخاسرِ، وبينما مصرُ بهم تعيسةٌ، فإن من حولَها يُخططون ويُدبرون ويَتَحَسَبون، يستحيلُ آن تقومَ للقاعدةِ دولةٌ في سيناء، ستُمنعُ بالقوةِ، ولو باحتلالِ أجزاءٍ من سيناء لإقامةِ مناطقٍ عازلةٍ على الحدودِ مع اسرائيل. انفلَتت الأوضاعُ في سيناء كما تنفلتُ في بعض مدن اليمن ومالي، وما ببعيدٍ ما يحدثُ على حدود باكستان مع أفغانستان والهند، وما آلَت إليه الصومال. الجماعاتُ المسلحةُ باسم الدين تَتَبِعُ نهجًا لا يتغيرُ، السيطرةُ على أي أرضٍ، ولو كانت خرابةً، المهمُ أن يرفعوا عليها أعلامَهم السوداءَ ويطبقوا شريعتَهم، لن يتغيروا أبدًا، كُمون ثم انقضاض ولو مع أقلِ فرصةٍ.
كان الله في عونِك يا جيش مصر، يُشتتونك، يتهمونك، يُرهقونك، بالجهلِ وسؤ النيةِ، هل فكروا في سيناء؟ هل خطرَت على بالِهم؟ هل استجوبوا الحكومةَ من أجلِها؟ أليست أولى من منع الإنترنت؟ ألا تسبقُ القضايا ضد الفضائيات والمُبدعين؟ أليست أهم من عروضِ مجلسِ الشعبِ المتعددةِ المُتكررةِ السخيفةِ المُملةِ؟ ماذا سيفعلون لو لا قدَرَ الله ضاعَت سيناء؟ هل سيَجُرون مصر إلى مغامراتٍ مُهلِكَةٍ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق