السبت، 6 أبريل 2019

البرامجُ المدفوعةُ والجودةُ في جامعاتِ الحكومةِ

تناقلَت الصحفُ خبرَ تلقي عميدِ كليةٍ حكوميةٍ رشوةً مقابل السماحِ لمدرسِ وزوجتِه بالتدريسِ في البرامجِ الخاصةِ بالكليةِ. البرامجُ الدراسِيةُ بمقابلِ في جامعاتِ الحكومةِ كَرَسَت لدى الطلابِ مُمارسةَ وأخلاقياتَ "بفلوسك دَلَع ضروسك"، أى إدفع وانجح وعِش حياتك بتناكة طوال فترة دراستك، ولمن يسعى للتدريسِ بها "قرش داخل جيبك اِفرش له دماغك". 

كلياتُ الجامعاتِ الحكوميةِ تنازَلت كثيرًا عن مبادئ التربيةِ والتعليمِ حتى تحصلُ على فلوسِ من الطالبِ في البرامجِ المدفوعةِ، وفهمَ الطلابُ اللعبةَ ومارسوا أقصى درجاتِ التناكة الفارغة، وعلى قلبِ الإداراتِ أحلى من العسل؛ نسبُ النجاحِ لا تنزلُ عن حدٍ أدنى وإلا إبعادُ عضو هيئةِ التدريسِ عن جنتِها الموعودةِ. استبياناتٌ تُوزعُ على الطلابِ وكأنها مواقعُ فيسبوك، تجاوزاتٌ لفظيةٌ وأسئلةٌ على غرار أوعى حد يزعلك يا نَنوس عين ماما ويا كوتوموتو. خضعَ عديدون من أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ،  تحت ضغطِ الحاجةِ والطمعِ، لشروطِ ومواصفاتِ التدريسِ في هذه البرامج. أصبَحَ التدريسُ المائلُ للسطحيةِ والامتحاناتُ السهلةُ عنوانًا مُعبرًا، عاشُ كثيرون أدوارَ الجديةِ وصدقوا أنفسَهم؛ وابتعَدَ أعضاءُ هيئةِ التدريسِ الذين رفضوا الإنضواءَ تحت هذه الأجواءِ. إداراتُ الكلياتُ تطبقُ سياسةَ الإغداقِ والمنعِ على الراغبين في هذه البرامجِ، فظهرَت طائفةٌ من إعضاءِ هيئاتِ التدريسِ شعارُها تفتيحُ المخِ.


من أجلِ تحليلِ البرامجِ المدفوعةِ، لجأت إداراتٌ لتعميمِ ممارساتِها على التعليم المجاني؛ ظهَرَ مُسَمى مُراوغٍ، الجودةُ، مجردُ استماراتٍ واستبياناتٍ وإحصاءاتٌ مصنوعةٌ عن إنجازاتٍ ورضاءٍ وظيفي كاسحٍ. ثم استبياناتٌ يملأُها طلابٌ لا يحضرون محاضراتٍ، تخويفٌ لأعضاء هيئةِ التدريسِ، فانكفأ بعضهُم على التنازلِ والتغاضي، ومنهم من يسمحون بتسجيل محاضراتِهم على يوتيوب عِوضًا عن الحضور؛ تخَلَت إداراتُ عن التعليمِ الحقيقي وركَنَت إلى المظهرياتِ. تعليمٌ حقيقيٌ خَفَتَ في جامعاتِ الحكومةِ وكأن من تخرجوا منها ونجحوا وبَرَعوا وأبدعوا مجردُ أوهامٍ

سَمَمَت الجودةُ المُراوِغةُ أجواءَ العملَ الجامعي. سَمَمَت العلاقةَ بين أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ والطلابِ بالسماحِ بتجاوزاتِ الطلابِ، وغلَبَ على أعضاءِ هيئاتِ التدريسِ الإحساسِ بالجحودِ والنكرانِ. سَمَمَت العلاقةَ بين إداراتِ الكلياتِ وأعضاءِ هيئاتِ التدريسِ بعد أن وجدوا أن ممارساتِ الإداراتِ لا تحققُ نفعًا عامًا وحقيقيًا. ثم، سَمَمَت هذه الجودةُ علاقةَ الطلابِ بالمجتمعِ ومؤسساتِ الدولةِ وجهاتِ العملِ لما غَرَسَت فيهم سلوكياتِ الشكوى والتمردِ والتبَرُمِ والتواكلِ والاستسهالِ


المالُ أولًا في الجامعاتِ الخاصةِ، والآن المالُ والمَنظرةُ في جامعاتِ الحكومةِ. جامعاتُ الحكومةُ قدَمت المثالَ الذي لا يُحتذى، قلَدَت  تقليدًا ممسوخًا في البرامجِ المدفوعةِ، الجامعاتِ الخاصةِ الأحدثِ بعقودٍ، بدلًا من أن تكونَ لها مثالًا. الطلابُ ينضمون للجامعاتِ الخاصةِ وللبرامجِ الحكوميةِ المدفوعةِ حتى يشعرون بالتَميُّزِ الطبقي، لا علمَ ولا غيرَه. مجتمعٌ تمييزيٌ في كلِ نواحيه، انقَسَمَت جامعاتُه الحكوميةُ للمجاني وللمدفوعِ

أما الجودةُ فتستهلكُ ميزانياتٍ ومكافآتٍ، بلا عائدٍ حقيقي على العمليةِ التربويةِ والتعليميةِ، لا رقابةَ ولا محاسبةَ، بل سِكةُ جوائزٍ وتصعيداتٍ. حوادثُ القطاراتِ تفضحُ فورًا، لأن خسائرَها عاجلةٌ، بينما خسائرُ الجودةِ السامةِ لا تظهرُ مباشرةً، إلا أن ضررَها يمتدُ لكلِ ما يُشهدُ من سوءِ أداءٍ وسطحيةٍ وزَيفٍ وإدعاءٍ واستسهالٍ وفهلوةٍ ونفاقٍ وتَسَلُقٍ وانتهازيةٍ، نتيجتُها الحَتميةُ حوادثُ قطاراتٍ وانهياراتُ مبانٍ وطُرُقٍ و...و... . 

احترامُ الإدارةِ في احترامِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ، احترامً الدولةِ في احترامِ المؤسسات التعليميةِ؛ هل يَعون؟


اللهم اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،


Twitter: @albahary

ليست هناك تعليقات: