الأربعاء، 23 يوليو 2008

هل تُحملُ المرأة وحدها بالتكليفات؟


المظاهر مرآة المجتمع، منها تتضح خباياه ولو بدا أنها خافية تحت سُتُر سميكة، ما كذبت أبداً إلا عند الغفلاء، فيها التحليل الوافي لأمراض متوارثة أو مستجدة، قد تصيب النفوس والعقول والأخلاق. المجتمعات السوية تقل فيها المساحة بين الظاهر والباطن، تتسق مع نفسها، لا تعرف حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الازدواجية، أفعالها جادة، كلامها بالنهار لا يناقض كلامها بالليل.
مقدمة دفعني لها ما رأيت، لم يستفز القلم أول مرة، لكنه استثاره في الثانية، أكد علي ما نحن فيه من تناقضات ومفاهيم يغيب عنها الفهم، في كل المجالات. في المرة الأولي شاهدت رجلاً يرتدي جلباب أبيض شفاف عن ملابس داخلية دائرية الحدود وجسد عار يصطحب زوجة منقبة تكاد تكون مسحوبة لعجزها عن الرؤية. استغربت إلا أن قلمي آثر البقاء في دفء جيبي. لكن ما رأيت مرة أخري أخرجه منتفضاً مصمماً علي البوح، إننا أمام مجتمع يعاني، ما أري وغيري من أصحاب القلم مظهر لمرض عُضال أصاب كل نواحي حياتنا، يعكس محنتنا في كل شئ. هذه المرة كنت في القطار، شاهدت رجلاً منتشياً ببدلته السوداء وقميصه الأصفر المفتوح حتى منتصف صدره، كان يتجول بطول عربة القطار، لم يجلس كثيراً لمدة ساعتين، لم أتبين صحبته، لكن عند محطة الوصول نزل مع زوجة منقبة، متشبثة به، تتحسس سلالم القطار خشية السقوط.
دارت الأفكار في خاطري، الأمر ليس تمسكاً بالدين بقدر ما هو محاولة لإثبات الذات، إقناع النفس بالسيطرة والتحكم والإخضاع، بالأمر والنهي، ما يتعذر في الحياة اليومية لا يمكن إلا مع المرأة، مع من يفترض أنها شريكة، ازدواجية معيبة في التناول. هل الرجل كاس عار مستحب المنظر؟! هل يأمر زوجته بالحشمة وينساها في نفسه؟! هل النواهي عليها وحدها؟! ما مدي ثقافته العامة ومعلوماته الدينية؟ لا يقرأ ولا يبحث، من غرسها فيه؟ من المؤكد أنه يفتقد الأساسيات، الإدراك، العقل، انفصمت شخصيته، ليس وحده.
لماذا تختفي المرأة وراء الأردية الثقيلة الداكنة في عز الحر، بينما يتخفف الرجل ويعيش علي راحته متحرراً من حرارة لافحة وشمسٍ قائظةٍ؟ ألا تنتمي المرأة لفئة البني أدم الذي يشعر بتغيرات الجو ويعاني منها ويتقألم في ملبسه مع تغيرها؟ هل المرأة وحدها هي محور التكليفات والمعاناة؟ هل القيود عليها وحدها؟ لماذا لا يشاركها فيها الرجل ولو من باب المساندة النفسية؟ هل هي وحدها أساس كل خطأ وسببه الرئيسي؟
إنها ليست حالة رجال تعروا ونساء اكتسين لدرجة الاختفاء، إنها حالة مجتمع بأكمله فقد سلامه النفسي، أخفق طويلاً، من حوله تقدموا وعلوا واكتسحوا، أحس بالعجز، لم يجد ذاته إلا في القشور والسطحيات، اختبأ وراءها وبداخلها، تُغني عن الفهم والتفكير، عن العمل بكد وجد، في شتي نواحي الحياة، الدين أحدها.
نكتب، غالبية عظمي لا تقرأ، أقليه شحيحة تَنتقي وتُؤول وتُهيج. ما خدعت المظاهر أبداً، فاضحة هي لما تحتها، أياً كانت الثياب، شفافة أو داكنة. أيخفي المرض؟ لا، لا، لا، ...

ليست هناك تعليقات: