الاثنين، 7 يوليو 2008

دمٌ رخيصٌ


الحياةُ، أغلي القيمِ، للإنسانِ، للحيوانِ والنباتِ، للجمادِ في كثيرِ من الأحيانِ؛ حَضَت علي الحفاظِ عليها وحمايتِها كلُ الشرائعِ السماويةِ ومبادئ الأخلاقِ. شهدَ التاريخُ بحقِِ، أنه مع تدهورِ الأخلاقِ وسوءِ فهمِ المعتقداتِ نتيجة لتردي الأحوالِ السياسيةِ والاجتماعيةِ، تعرضَت الحياةُ لشتي صنوفِ الاعتداءاتِ، الماديةِ والمعنويةِ. مع تطورِ الفكرِ الإنساني علَت مبادئ حقوقِِ الإنسانِ بغرضِ حمايةِ حياتِه، الجسديةِ والمعنويةِ والفكريةِ، من أي انتهاكِ أو تهديدِ، وفي سبيلِ ذلك أُبرِمَت المعاهداتُ والاتفاقاتُ الدوليةُ من خلالِ منظمةِ الأممِ المتحدةِ أو برعايتِها. لكن الحفاظَ علي الحياةِ لم يسر في كلِ أرجاءِ الكرةِ الأرضيةِ بنفسِ الوتيرةِ، فقد علَت قيمتُها في مناطقِ وتدنَت في أخري، ومن أسف وأسي أن الدول الإسلامية والعربية تشهدُ أدني قيمة لها.
إذا أردنا التعرفَ علي قيمةِ الحياةِ في منطقتِنا التعيسةِ فالشواهدُ كثيرةٌ، حديثةٌ، واضحةُ الدلالةِ، بلا كَدِ ولا تعبِ ستَدُلُنا إلي الخلاصةِ المؤكدة، أنها حياةُ بلا قيمةِ ولا اعتبارِ. غرقُ العبارةِ الذي أودى، كالعادةِ، بحياةِ المئاتِ من المصريين، آخرُ الشواهدِ وأحدثُها؛ اِبتلعَهم بحرُ من الإهمالِ والاستهتارِ والتواكلِ والتخاذلِ. قبلَه بيومين فَنِي حوالي أربعين من المصريين والأجانبِ في حادثتي طرقِِ عكستا قدرَ إهدارِ قيمةِ الحياةِ. المسئوليةُ شاعَت، علي الدولةِ والشعبِ، علي المجتمعِ بأكملِه، يُدهَسُ الإنسانُ مثل قطةِ في الطريقِ، بنفسِ البساطةِ. الدولةُ تستخدمُ القوةَ حيث لا يجوزُ، فضاً للغضبِ الشعبي، من تزويرِ الانتخاباتِ، من منعِ التعبيرِ عن الرأي، لا تُطبقُ القوانينَ التي تنصُ علي السلامةِ في البناءِ، في الطُرُقِِِ، في الطعامِ، في أماكن العمل واللهو والرياضة. المواطنُ يموتُ في أثناءِ العلاجِ، وهو في رحلةِ، في الطريقِ لعملِه أو مسكنِه، تقتلُه مشاجرةُ ليس طرفاً فيها، ثأرٌ لا يدَ له فيه، الخطرُ يتربصُ به في أبسط أمورِ حياتِه. الحكومةُ والشعبُ شركاءُ، عبثٌ في عبثِ، فهلوةُ، عنتريةُ، عشوائيةُ، سوءُ تدبيرِ، عدَمُ تدَبُرِ، تصورُ واهمُ للذكاءِِ والألمعيةِ.
في الدولِ الإسلاميةِ والعربيةِ تفقدُ الحياةُ قيمتَها، بفعلِ المعتقداتِ والأعرافِ، حتي الأعياد لم تسلمُ من دماءِ تجري أنهاراً في الشوارعِ. ما أيسرَ أن تُسلَبَ حياةُ الإنسانِ، تنفيذاً لعقوبةِ، نتيجةً للتفجيراتِ المُعتبرةِ بطولةُ، الموتُ شهادةُ وعقوبةُ، في آنِ واحدِ. ضحايا العنفِ في العراقِ من أبنائه بـأياديهم يفوقون ما سبَبَه الأمريكان والإنجليز، كذلك ضحايا طالبان في أفغانستان. الإنسانُ مجردُ رقمِ، في كشف الأحياءِ أو في كشفِ الأمواتِ، وجودُه لا يَهِمُ، إنه أداةُ تستهلكُها الشعاراتُ، شعاراتٌ ابتدعَتَها الأنظمةُ لتستمرَ في البقاءِ، أنظمةُ تحاربُ طواحينَ الهواءِ في إيران، في ليبيا، في السودان، الشعوبُ تدفعُ الثمنَ من حياتِِها.
تركُ الأمورِ علي أعنتِها لا يوردُ إلا التهلكة، كم من المظاهرِ تنضِحُ بأبلغِ الضررِ، أصبحَت معتادةَ من فرطِ تكرارِها، انسحابُ أجهزةِ الدولةِ، طواعيةً أو بغيرِها، يفسحُ الساحةَ لمن يتوقون لشغلِها، بالفوضى والعشوائيةِ والأمرِ الواقعِ. سَلبٌ الحياةِ أصبحَ عادةً، من فرطِ تكرارِهِ، لا يُعتذرُ عنه، ليست عليه عقوبةُ، في أحيانِ كثيرةِ.
الحشراتُ والقوارضُ تتوالدُ بكثرةِ، ظاهرةٌ طبيعيةٌ لتعويض الهالكين منها بلا حسابِ، كالإنسانِ في الدولِِ الإسلاميةِ والعربيةِ،،

ليست هناك تعليقات: