الأحد، 16 نوفمبر 2008

هيا نبلطج.. هيا نتحرش


التحرشُ بالإناثِ طفا علي سطحِ الأعيادِِ، طغَت أحداثُه علي أي أخبارٍ سياسيةٍ وغيرِ سياسيةٍ، أصبحَ هدفاً في حدِ ذاتِه، يَخرجون خصيصاً له، يُعدون ألفاظَه ومصطلحاتِه، يتدربون علي تصرفاتِه. مجاميعٌ تتساندُ، تجدُ في كثرتِها قوةً وشجاعةً، يتبارون في الانحطاطِ والسفالةِ، يرون في أفعالِهم شطارةً ومهارةً وخفةِ دمٍ، يُعبرون عن واقعِ مجتمعٍ، غرسَ فيهم هذه السلوكياتِ، علي كلِ مستوياتِه. التحرشُ فعلٌ يومي، لا يرتبطُ بملبسِ الضحيةِ ولا شكلَها ولا عمرَها، لكن بالنظرةِ للمرأةِ عموماً، إنها كائنٌ أقلُ من الرجلِ، لا يعلو لمستوي فهمِه وإدراكِه، مستباحٌ باعتبارِه مُسخرٌ بالطبيعةِ لخدمتِه ومزاجِه.
التحرشُ إن كان وليدَ بيئةٍ محرومةٍ بدرجةٍ فهو بدرجاتٍ نتاجُ ثقافةٍ تَعتبرُ المرأةَ تابعاً للرجلِ، حقوقُها محصورةٌ في القدرِ الذي تخدمُه به، وجودُها في الحياةِ تُقاسُ أهميتُه بما قدمَت له، يجب أن يذوبَ كيانُها فيه، أن تكون ملكَه، لا غرابةَ إذن إذا تطاولَ عليها بفعلٍ أو قولٍ، ومع ضياعِ الخطوطِ الفاصلةِ امتدَ التطاولُ من الأقربين إلي الغرباءِِ. مجتمعاتٌ لا تَري قوتَها إلا في الشطارةِ علي النساءِ، كلُ همِها في إخضاعِها وتأديبِها وتكتيفِها، ولو خابَ الرجالُ ونالوا من التلطيشِ ما لا يملكون له رداً ولا صداً. التحرشُ ليس رزيلةً مصريةً فقط لكنه زادَ فيها لانفلاتِ المجتمعِ ككلٍ، لغيابِ القانونِ، لعجزِه.
التحرشُ هو البلطجةُ، عملةٌ واحدةٌ، البلطجةُ سلوكٌ عام، يمارسُه المجتمعُ علي كافةِ مستوياتِه، السياسيةِ والدينيةِ والاجتماعيةِ. أهلُ الحكمِ يقمعون المعارضين، قبل المعارضةِ الحزبيةِ، يحتلون الشوارعَ بالتشريفاتِ، تصرفاتُهم فوقَ المساءلةِ، البلدُ ملكُهم، الإعلامُ، الفرصُ، الأكلُ والشربُ والسكنُ، لما لا يسيرُ علي مسلكِهم من يقدرُ؟ ميكروفوناتُ المساجدِ تقتحمُ البيوتِ، تغزوها، لا اعتبارَ لمريضٍ أو متعبِ أو طالبِ علمٍ، الشوارعُ تُحتلُ أيامَ الجمعِ لا اعتبارَ لسيارةِ اسعافٍ أو حريقٍ أو مُتجهٍ للمطارِ أو سكةِ حديدٍ، مركباتُ النقلِ العامِ تتوقفُ في وسطِ الطريقِ وكأنها ملكٌ شخصيٌ، الأموالُ تنهبُها شركاتٌ تزعمُ توظيفَها، ذبحُ الأضاحي في الطرقاتِ وكأن الأمراضَ والمشاعرَ خارجَ المراعاةِ، كلُ ما يُنسبُ لدينٍ يُقصدُ به في المقامِ الأولِ فرضُ أمرٍ كَرهاً. أما السلوكُ العامُ فمن فرطِ ما شاهدَ من المنتسبين للسياسةِ والدينِ تألفَ مع البلطجةِ، اعتادَها، امتهنَها، في القيادةِ، في البيعِ والشراءِ، البناءِ، في كل المعاملاتِ، لا احترامَ لكلمةٍ أو اتفاقٍ.
ليس تحرشاً فحسب، إنها بلطجةٌ متعددةُ المظاهرِ، تحرشٌ، سرقةٌ، قيادةٌ في الممنوعِ، تزييفٌ لكلِ الحقائقِ، احتقارٌ للقوانينِ، تارةً لأنها من صنعِ البشرِ وتارةً لأن هناك بشراً أعلي منها!!

ليست هناك تعليقات: