السبت، 7 يونيو 2008

هل تصبحُ مصرُ خليجيةً؟



أزياءٌ جدَت، لونُها أسودٌ قاتمٌ، رمادي كالحٌ، بني داكنٌ، ولو في عز الحر؛ سراويلٌ قصيرةٌ واسعةٌ تعلوها قمصانٌ تطولُ الركبةِ، طواقي أشكالُها جافةٌ، لحي كثةٌ، شباشبٌ وصنادلٌ ولو في عز البرد. نظراتٌ متربصةٌ متحفزةٌ، شفاهٌ ممطوطةٌ مضمومةٌ، أصواتٌ زاعقةٌ صارخةٌ، عروقٌ نافرةٌ متصلبةٌ. مصرُ ليست مصرَ.
مصرُ اليومَ، يغيبُ عنها التنوعُ والتعددُ، الألوانُ والألحانُ، التسامحُ والتآخي والتآلفُ. ماذا حدث؟ لماذا؟ الاجتهادُ واجبٌ، حتي لا يكون ما يُخشي مفاجئاَ، حتي يكون المجهولُ معلوماً واضحاً بيناً.
قلةُ العيشِ دفعت الكثيرين إلي دولٍ خليجيةٍ لها طباعُها وعاداتُها، صحاري ولو ارتفعت فيها ناطحاتُ السحابِ وعُبِدت الطرقُ، بداوةٌ تتسابقُ فيها السياراتُ الفارهةُ مع قطعانِ الجمالِ، الفاظٌ جافةٌ وتعاملاتٌ خشنةٌ تماماً كقيظِ أجوائها وخشونتِها. إعلامٌ اشتري الفضائياتِ وصحافةَ الورقِ والإنترنتِ، يقدسُ حاكمَه، لا تعددَ آراءٍ فيه إلا عما وراءَ حدودِه، رفضٌ واحتقارٌ للغيرِ، انكارٌ لفضلِ حضارةٍ غربيةٍ رفعتهم، بها يعيشون، وأيضاً يلعنون ويُخَطِئون. ماذا يستطيعُ غريبٌ جائعٌ ضعيفٌ في مجتمعٍ كهذا اشتراه، بعقودِ عملٍ هي الرقِ والعبوديةِ؟ماذا يمكنُه إلا الانصياعَ والانقيادَ في المظهرِ، الكلامِ، العاداتِ؟ ينجرفُ فيما توهمَ أنه الصوابُ، يتناسي أنهم بالمالِ اشتروه، ينقلبُ علي بلدِه الذي لم يقدم له الرخاءَ، لم يقدرُه؛ لما لا يجربُ نهجاً أخراً، نهجُ من بأموالِهم سبوه؟ لماذا لا ينتقمُ من بلدِه الذي إلي المذلةِ رماه؟
وضعٌ طبيعي، عجزُ الدولةِ عن زرعِ الأملِ في مواطنيها يدفعُهم للانقلابِ، استمرارُ سلطةٍ مع قلةِ حيلتِها يدفعُ للهروبِ الجماعي، لخارجِ الحدودِ، للبحارِ، أياً كانت العواقبُ، من ينجو يتحولُ لكارِهٍ حاقدٍ علي من أجبروه علي بيعِ نفسِه لكفيلٍ لا يرحمُ ولسمسارِ إغراقٍ في أعماقِ بحارٍ أو أغوارِ حياةٍ شظفُها عجزَ بلدُه عن تحقيقِه.
مصرُ ليست مصرَ، مهزومةٌ، من الداخلِ، بالفقرِ، بالجوعِ، بالعطشِ، بالظلمِ، بالقهرِ، بانعدامِ الخياراتِ والفرصِ والبدائلِ، المهزومُ تابعٌ، في المظهرِ، في العاداتِ، في الفكرِ، لا شخصيةَ له. كان الاستعمارُ يعيدُ صياغةََ الشعوبِ المحتلةِ، الآن الفعلُ للغضبِ، لرفضِ الحالِ مع العجزِ عن تغييرِه. مصرُ ترتمي في أحضانِ الماضي، الوهمِ، لعلها تجدُ الخلاصَ؛ خداعٌ للذاتِ ضاعَت فيه الحقيقةُ، عظاتُ التاريخِ. لكلِ مجتمعٍ عاداتُه، لكلِ عصرٍ أدواتُه، يستحيلُ نقلُ حياةِ القيظِِ والجفافِ إلي مجتمعٍ له جذورُه، الثمنُ لا بدَ وأن يكونَ انفصاماً في الشخصيةِ مآلُه الانهيارُ، التفتتُ.
مصرُ ليست مصرَ، إنها تتخبطُ، يستحيلُ أن تكونَ خليجيةً، إلا إذا أرادت الانتحارَ، وقتها سيجفُ الخليجُ، أيضاً،،

ليست هناك تعليقات: