الأربعاء، 25 يونيو 2008

المهنةُ: مُفتي فضائياتٍ


الوظائفُ في العالمِ العربي شحيحةٌ، لكي تعلو لا بدَ أن تكونَ مسنوداً، إلا إذا كنت من أعضاءِ الفئةِ الجديدةِ، مفتي فضائيات. مفتي الفضائياتِ، وظيفةٌ تتواكبُ مع عصرِ المعلوماتِ والاتصالاتِ، شأنُها شأنُ مطربي الكليباتِ، مكملةٌ لها، الفرقُ في الصنعةِ، في طبيعةِ العملِ، في النكهةِ.
مفتي الفضائياتُ، ليس رجلاً فقط، هناك من النساءِ من اجتزن الحدودَ، طلعن لفوقِ. لا يُشترطَ في مفتي الفضائياتِ شهادةٌ بعينِها، كثيرون تركوا وظائفَهم الأصليةَ لما شحَ دخلُها، غيروا جلدَهم. فناناتٌ تركن الفنَ وتركَهن، تحولن إلي تلك الوظيفةِ الجديدةِ، ربحُها أكثرُ، ولو قلَ علمُهن، ولو كانت لغتُهن العربيةُ تحت الصفرِ.
الشرطُ الأساسي في مفتي الفضائياتِ أن يطرحَ القضايا الجدليةَ، في الزواجِ والطلاقِ، فيما يتعلقُ بالمرأةِ علي وجهِ الخصوصِ، في توظيفِ الأموالِ، باقي الأمورِ شعبيتُها أقلُ، مرتبتُها متأخرةٌ. يتراوحَ أسلوبُ العرضِ ما بين التجهمِ والعبوسِ إلي رسمِ السماحةِ والدعةِ وطولِ البالِ، كلُها أدواتِ المهنةِ. أما الزي فحسبِ الحاجةِ، هناك المفتي المودرن، الإفرنجي، وهناك أيضاً المفتي ذو الزي التقليدى الأبيضِ واللحيةِ الكثيفةِ. هادئون أو ثائرون، كلُهم يُلعِبون حواجبَهم، يُشوحون بأياديهِم، يهرشون جباهَهم، علاماتُ الصدقِ والتمعنِ، من وجهةِ نظرِهم وبتعليماتِ المخرجِ.
مفتيوا الفضائياتِ، أخرجوا من الكتبِ الصفراءِ ما لا يقبلُه منطقٌ سليمٌ، جعلوا الدين عسراً ما بعده عسرٌ، أشاعوا الكراهيةَ والفرقةَ، تعارضَت فتاواهم، كَثُرَ مجاذيبُهم في مجتمعاتٍ ترفضُ التفكيرَ، تلغي عقولَها، يَقلُ عَمَلُها. الفتاوي في الخمسِ سنواتِ الأخيرةِ تفوقُ في عددِها ما أُطلِقَ خلال مئات السنين. الفضائياتُ الاستثماريةُ تُصنَعُهم، تفهمُ السوقَ، تعرفُ طبيعةَ المجتمعاتِ المتكاسلةِ خصوصاً في إعمالِ العقلِ. اندثرَت برامجَ الثقافةِ وانزوي المفكرون، ليسَ زمانَهم، لو تحولوا للفتاوي لأصبحوا مليونيرات، عندهم العقلُ والقدرةُ علي استخدامِه، علي تطويِعِه لو أرادوا، ضميرُهم لا يسمحُ لهم بالتلونِ، مشكلتُهم.
أغرَت الأضواءُ نجومَ الفتاوي، زغللَت عيونَهم، لعبَت الشهرةُ بأدمغتِهم، يُبشرون الناسَ بالجنةِ في الأخرةِ ويستعجلونها لأنفسِهم في الدنيا، يُمنونهم بالحورِ الحسانِ وفي الحالِ يحوزون منهن ثلاثاً وأربعاً وأكثرَ، اِنهمرَ رزقُهم وفاضَ، فتاواهم علي كلِ لونٍ، مُمكنةٌُ بالطلبِ. عابوا الفنَ والفنانين وعاشوا حياتَهم وأكثرَ، حللوا لأنفسِهم بفتاويهم ما سبقَ أن حرموه، بها أيضاً.
التكنولوجيا أوصلَت العالمَ المتقدمَ إلي المريخِ، بكلِ الوضوحِ والنقاءِ، بعلماءٍ يقودون للأمامِ، أما في المنطقةِ العربيةِ، فالصراخُ والتهديدُ والوعيدُ والمنعُ، بمفتيي فضائياتٍ يسحبون للخلفِ ولتحتِ، لقاعِ القاعِ،،

ليست هناك تعليقات: