الأربعاء، 23 يوليو 2008

دماءٌ مهدرةٌ


كالمعتادِ، حادثٌ مروري ذهبَ بحياةِ العشراتِ، هاجَ الإعلامُ، بحثاً عن التوزيعِ والمنظرةِ قبلَ الحزنِ علي الضحايا، علَت أصواتٌ مطالِبةٌ بالعقابِ وتشديدِ القوانين وكأنها غيرُ موجودةٍ. مأساةٌ ليست في حادثٍ من فرطِ تكرارِه تبلدَت العقولُ والمشاعرُ، لكنها في الاستهتارِ بالقوانينِ والنظامِ العامِ، في التواكلِ وإنكارِ الأخذِ بالأسبابِ، في تصورِ أن الغيبَ لا يخفي المهالكَ، في إغفالِ الحياةِ ذاتِها. القيادةُ في مصر مجردُ ضغطٍ علي بدالِ البنزينِ ثم اتركها لله.
القيادةُ مرآةُ المجتمعِ، حكاماً ومحكومين، نظامٌ حاكمٌ ترَكَ الحبلَ علي الغاربِ لعجزِه عن توفيرِ أساسياتِ الحياةِ من مشربٍ ومأكلٍ ومسكنٍ، من حقوقٍ في التعبيرِ عن الرأي وحريةِ الاعتقادِ وتدولِ السلطةِ. المحكومين غلبَهم اليأسُ وانعدمَت لديهم إرادةُ التغييرِ، يبخون إحباطاتِهم فيما بينهم، يتقاتلون ويتصارعون لأوهي الأسبابِ.
القيادةُ كشَفت عن مجتمعٍ لا قانونَ فيه ولا سلوكيات، لا تخطيطَ فيه ولا تحوطَ لغيبٍ مظلمٍ كاسحٍ. الحياةُ فقدَت معناها، ما أيسرُ التفكيرِ في وأدِها، لا ترتجفُ الجفونُ للقتلِ، لا يتوقفُ العقلُ لمراجعةِ الذاتِ، ثقافةٌ عدميةٌ سادَت وراجَت.
لماذا ينوحُ الإعلامُ بكل تنويعاتِه عندما يُقتلُ من يقتلُ في عدوان إسرائيلي وأمريكي؟! إذا كانت الدماءُ رخيصةً في موطنِها لماذا يُطلبُ من الأجنبي أن يُحافظَ عليها؟! المزايدةُ بالدماءِ تجارةٌ فقدَت مصداقيتَها، تؤكدُ علي ثقافةِ الاستهتارِ بالحياة لأغراضٍ شتي.
إهدارُ الدماءِ مصطلحٌ شاعَ في مفرداتِ كل من يتصورُ في نفسِه داعيةً، شاعَ أيضاً في المفهومِ العامِ لأنظمةٍ تُبعثرُ دماءَ مواطنيها ولشعوبٍ استهترَت بدمائها،،

.. لتشغيل المحجبات


الإعلانات في الصحف ووسائل الإعلام، في المواصلات وعلي الحوائط، عالمٌ عاكسٌ لواقع مجتمع بعينه، مدي تنوعه وتقبله للآخر، صراحته ووضوحه، مقدار أمانته؛ بقدر ما يقل عنصر منها يزداد نقيضه. الإعلانات، أيضاً، تكشف مدي الرقابة الذاتية للمجتمع والدولة علي جزئياتها من مؤسسات وتجمعات وأنشطة عامة وخاصة. متابعة الإعلانات، كما تبعث الأمل تثير القلق والتوتر، ليست إذن مجرد لافتات أو كلمات مختصرة مُسَجعة، إنما هي مبعث سكينة أو غضب مكبوت بانتظار اللحظة.
قرأت إعلاناً احتل أسقف وسائل النقل وحوائطها، شركة إسلامية لتشغيل المحجبات، بجوار تلك الكلمات صورة فنية لملتحِ. إعلان ينتقي من يشغلهن، يستغل حاجتهن ليصبغهن بما قد لا يرِدن، يوقظ فيهن النفاق وإلغاء العقل، يميز بين أفراد المجتمع الواحد، علي أساس من دين وجنس. ما هي طبيعة هذه الشركة؟ ومن هو صاحبها؟ ومن يدفعه؟ وفيما سيشغل المحتاجات البائسات؟ وكم وماذا سيتقاضي منهن؟ من الضرورى أن تتقصي أجهزة الرقابة، التابعة للدولة وللمجتمع المدني، الأمر ليس بيسر نشر الإعلان في كل مكان.
ترك الأمور علي أعنتها لا يورد إلا التهلكة، كم من المظاهر تنضح بأبلغ الضرر، انسحاب أجهزة الدولة، طواعية أو بغيرها، يفسح الساحة لمن يتوقون لشغلها، أين محاولة توحيد الآذان؟ تراجعت الدولة، علت الميكروفونات بما يتجاوز الإعلان عن ميعاد الصلاة إلي التحدي، إلي إثبات القوة. الشوارع تُغلَق وقت صلاة الجمعة، ماذا لو شب حريق أو احتاجتها سيارة إسعاف؟
أمر طبيعي، كل انسحاب يقابله تقدم مضاد، حتي تمام الاحتلال. ما أكثر عشوائيات حياتنا، إنها تغرقنا، لا تملك إلا البكاء،،

هل تُحملُ المرأة وحدها بالتكليفات؟


المظاهر مرآة المجتمع، منها تتضح خباياه ولو بدا أنها خافية تحت سُتُر سميكة، ما كذبت أبداً إلا عند الغفلاء، فيها التحليل الوافي لأمراض متوارثة أو مستجدة، قد تصيب النفوس والعقول والأخلاق. المجتمعات السوية تقل فيها المساحة بين الظاهر والباطن، تتسق مع نفسها، لا تعرف حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الازدواجية، أفعالها جادة، كلامها بالنهار لا يناقض كلامها بالليل.
مقدمة دفعني لها ما رأيت، لم يستفز القلم أول مرة، لكنه استثاره في الثانية، أكد علي ما نحن فيه من تناقضات ومفاهيم يغيب عنها الفهم، في كل المجالات. في المرة الأولي شاهدت رجلاً يرتدي جلباب أبيض شفاف عن ملابس داخلية دائرية الحدود وجسد عار يصطحب زوجة منقبة تكاد تكون مسحوبة لعجزها عن الرؤية. استغربت إلا أن قلمي آثر البقاء في دفء جيبي. لكن ما رأيت مرة أخري أخرجه منتفضاً مصمماً علي البوح، إننا أمام مجتمع يعاني، ما أري وغيري من أصحاب القلم مظهر لمرض عُضال أصاب كل نواحي حياتنا، يعكس محنتنا في كل شئ. هذه المرة كنت في القطار، شاهدت رجلاً منتشياً ببدلته السوداء وقميصه الأصفر المفتوح حتى منتصف صدره، كان يتجول بطول عربة القطار، لم يجلس كثيراً لمدة ساعتين، لم أتبين صحبته، لكن عند محطة الوصول نزل مع زوجة منقبة، متشبثة به، تتحسس سلالم القطار خشية السقوط.
دارت الأفكار في خاطري، الأمر ليس تمسكاً بالدين بقدر ما هو محاولة لإثبات الذات، إقناع النفس بالسيطرة والتحكم والإخضاع، بالأمر والنهي، ما يتعذر في الحياة اليومية لا يمكن إلا مع المرأة، مع من يفترض أنها شريكة، ازدواجية معيبة في التناول. هل الرجل كاس عار مستحب المنظر؟! هل يأمر زوجته بالحشمة وينساها في نفسه؟! هل النواهي عليها وحدها؟! ما مدي ثقافته العامة ومعلوماته الدينية؟ لا يقرأ ولا يبحث، من غرسها فيه؟ من المؤكد أنه يفتقد الأساسيات، الإدراك، العقل، انفصمت شخصيته، ليس وحده.
لماذا تختفي المرأة وراء الأردية الثقيلة الداكنة في عز الحر، بينما يتخفف الرجل ويعيش علي راحته متحرراً من حرارة لافحة وشمسٍ قائظةٍ؟ ألا تنتمي المرأة لفئة البني أدم الذي يشعر بتغيرات الجو ويعاني منها ويتقألم في ملبسه مع تغيرها؟ هل المرأة وحدها هي محور التكليفات والمعاناة؟ هل القيود عليها وحدها؟ لماذا لا يشاركها فيها الرجل ولو من باب المساندة النفسية؟ هل هي وحدها أساس كل خطأ وسببه الرئيسي؟
إنها ليست حالة رجال تعروا ونساء اكتسين لدرجة الاختفاء، إنها حالة مجتمع بأكمله فقد سلامه النفسي، أخفق طويلاً، من حوله تقدموا وعلوا واكتسحوا، أحس بالعجز، لم يجد ذاته إلا في القشور والسطحيات، اختبأ وراءها وبداخلها، تُغني عن الفهم والتفكير، عن العمل بكد وجد، في شتي نواحي الحياة، الدين أحدها.
نكتب، غالبية عظمي لا تقرأ، أقليه شحيحة تَنتقي وتُؤول وتُهيج. ما خدعت المظاهر أبداً، فاضحة هي لما تحتها، أياً كانت الثياب، شفافة أو داكنة. أيخفي المرض؟ لا، لا، لا، ...

الجمعة، 18 يوليو 2008

مصرُ.. بعضُها يأكلُ بعضَها


قتلي بالعشراتِ في النوباريةِ وبنها، مرتضي منصور يفشلُ في دخول نادي الزمالك بعد معاركٍ ساخنةٍ، مشجعون أهلاوية يسكبون البنزين علي زملكاوي ويُشعلون فيه النيران، مشاحناتٌ بين مسلمين وأقباط بسببٍ وبدونِه، خناقاتٌ بين الجيران، اشتباكاتٌ بين قائدي السياراتِ في الشوارعِ، تلاسُنٌ وكيدياتٌ بين زملاءِ العملِِ. لم يعدْ للصراعِ مكانٌ ولا زمانٌ، تقومُ القيامةُ علي شعرةٍ، كلُه يكرهُ كلَه؛ التطاحنُ ليس حكراً علي الفقراءِ ولا الجهلاءِ، تمادي فيه أصحابُ السلطةِ والمالِ والشهاداتِ وبرَعوا، شهاداتٌ بلا علمٍ ولا ثقافةٍ. المجتمعُ المصري يمرُ بمحنةٍ تقتلعُه، تهددُ وجودَه كلَه، لا سماحةَ ولا تعقلَ، منتهي الفُجرِ في الخصوماتِ؛ الحوارُ غائبٌ، التشنجُ والعصبيةُ والانفعالاتُ غالبةٌ، مصرُ كلُها تختنقُ. لماذا؟
المسئوليةُ مشتركةُ بين الحكامِ ومعارضيهم والشعبِ، علي حدٍ سواءٍ، ولي إلي غيرِ رجعةٍ زمنُ إلقاءِ التهمِ علي فئةٍ بعينِها. مصرُ تعاني وضعاً سياسياً متردياً طالَ به الأمدُ لأكثرِ مما تحتملُ الطبيعةُ البشريةُ الملولةُ، لم ينجحْ في النهوضِ بالبلدِ اجتماعياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً، وجوهُ ممثليه مكروهةٌ لجموحِ تصرفاتِها وفلتانِ ألسنتِها وتجاوزاتِها علي المالِ العامِ. ضاعَت الفرصُ والأرزاقُ واقتصرَت علي الجالسين علي السلطةِ وأهليهم وأدواتِهم من مسئولين علي درجاتٍ شتي. الكلُ مسخرٌ لخدمةِ أهلِ الحكمِ، مواردٌ وأشخاصٌ، هم في نعيمٍ من أسفارٍ وملابسٍ وما لا حدودَ له والشعبُ في نارِ الغلاءِ والتفرقةِ. قدمَ الجالسون علي كراسي الحكمِ المثلَ في كرهِ المعارضين واحتقارِ آرائهم، كرسوا في الشعبِ عدم الانتماءِ بنظامٍ تعليمي فاشلٍ بلا سياساتٍ حقيقيةٍ ولا مساواةٍ، بأشخاصٍ يوضعون في مناصبٍ لمجردِ أنهم بلا رأيٍ ولا فكرٍ ولا إرادةٍ، بإعلامٍ لا يبغبغُ إلا عن الحكمةِ والريادةِ والعدالةِ والمساواةِ، بينما الواقعُ ظلمٌ وقهرٌ وإخفاقٌ؛ خرجت مصرُ بأصفارٍ قياسيةٍ ومرشحةٌ عن جدارةٍ لغيرها.
أما المعارضون، فحالُهم حالٌ، يرفعون شعاراتٍ دينيةٍ للاستيلاءِ علي مشاعرِ شعبٍ مطحونٍ مسحوقٍ مسجونٍ مقهورٍ تعيسٍ، بيئتُهم المثاليةُ للحركةِ، هم نصراءُ المستضعفون، هكذا يصرخون. سقطَت شعاراتُهم ودعاواهم منذ مئات السنين، تردي واقعُ من حكمَ بها، يعيدون أنفسَهم، يكررون وكأن الشعبَ بلا ذاكرةٍ والعالمَ بلا عقلٍ كي يصدقونهم. قضاياهم لا تخرجُ عن تقييدِ المرأةِ باعتبارِها أُس البلاءِ، عن ضربِ الإنسانِ بالكرباجِ والعصا والسيفِِ وكأنه خطاءٌ بلا عقلٍ، عن وأدِ أيةِ اختلافاتٍ في الدينِ والعقيدةِ والرأي. المساواةُ عندهم مشروطةٌ بطاعتِهم والانقيادِ في ركبِهم، أما الفرصُ فهي فقطُ لأهلِ حزبِهم. حروبُهم مع طواحين الهواءِ لن يكون لها من وقودٍ إلا الشعبُ، لن يحترقَ ويذهبَ مع الرياحِ سواهُ. يتباكون علي غيابِ الحريةِ وهم ألدُ أعدائها، يهاجمون نظامَ الحكمِ لممارساتِه وهم يفوقونه قهراً وظلماً وتمييزاً وعنصريةً. دعاواهم ذرعَت الكرهَ في شعبٍ يغلي من سوءِ أوضاعِه، كرسَت النفورَ من أي اختلافٍ، في العقيدةِ، في الدينِ، في الملبسِ، حتي في التشجيعِ الكروي.
أما الشعبُ، الشريكُ الأصيلُ فيما تردَت إليه مصرُ، فقد تشوه فكرُه وتشوشَ، اختلطَ عنده الحقُ بالباطلِ، من فرطِ ما زُرِعَ فيه من رفضٍ للاختلافِ، من فيضِ ما عاشَ وشاهدَ من ظلمٍ وتمييزٍ وانعدامِ مساواةٍ، بفعلِ من حكموه ومن عارضوهم، بتأثيرِ موروثاتِه الصدِأةِ، لم يعدْ يأنفُ الغشَ، السرقةَ، الكذبَ، الكسلَ، الجبنَ، يمارسُها يومياً، بلا تفكيرٍ. شعبٌ، تدينُه أصبحَ زائفاً فظاً غليظاً، سطحياً؛ شعبٌ، يُسلمُ عقلَه ومالَه لمن يخدعُه. ارتدي الأسودَ القاتمَ والأبيضَ الشفافَ، أطالَ اللحي وعَبِثَ، تذلفاً لثقافةٍ صحراويةٍ لديها المالُ الزائلُ وعقودُ الاستعبادِ وفضائياتُ الكراهيةِ والعنصريةِ والتنفيرِ من الحياةِ والترغيبِ في شظفٍ لا يعيشه من يتربحون منها.كنت عند أحدِ الباعةِ، فإذا به يتمني بحرقةٍ أن تأتي قنبلةٌ ذريةٌ علي الزملكاويةِ!! الصحفُ متخمةٌ بقتلي الطرقِ، الثأرِ، الاغتصابِ، السرقةِ بالإكراهِ. وضعُ اليدِ جريمةٌ مصريةٌ، هي الاستهتارُ بالدولةِ، هي تقنينُ السرقةِ، ما أكثر ضحاياها، هل تستطيعُ الدولةُ استردادَ أرضِها المحتلةِ بوضعِ يدِ من تعتبرُهم مواطنيها؟ مصرُ شديدةُ الهشاشةِ، لموقعِها، لواقعِها، لست متشائماً مع كلِ الأسفِ، أقرأُ حالاً مُراً، الهشاشةُ معروفةُ المآلِ،،

الاثنين، 7 يوليو 2008

دمٌ رخيصٌ


الحياةُ، أغلي القيمِ، للإنسانِ، للحيوانِ والنباتِ، للجمادِ في كثيرِ من الأحيانِ؛ حَضَت علي الحفاظِ عليها وحمايتِها كلُ الشرائعِ السماويةِ ومبادئ الأخلاقِ. شهدَ التاريخُ بحقِِ، أنه مع تدهورِ الأخلاقِ وسوءِ فهمِ المعتقداتِ نتيجة لتردي الأحوالِ السياسيةِ والاجتماعيةِ، تعرضَت الحياةُ لشتي صنوفِ الاعتداءاتِ، الماديةِ والمعنويةِ. مع تطورِ الفكرِ الإنساني علَت مبادئ حقوقِِ الإنسانِ بغرضِ حمايةِ حياتِه، الجسديةِ والمعنويةِ والفكريةِ، من أي انتهاكِ أو تهديدِ، وفي سبيلِ ذلك أُبرِمَت المعاهداتُ والاتفاقاتُ الدوليةُ من خلالِ منظمةِ الأممِ المتحدةِ أو برعايتِها. لكن الحفاظَ علي الحياةِ لم يسر في كلِ أرجاءِ الكرةِ الأرضيةِ بنفسِ الوتيرةِ، فقد علَت قيمتُها في مناطقِ وتدنَت في أخري، ومن أسف وأسي أن الدول الإسلامية والعربية تشهدُ أدني قيمة لها.
إذا أردنا التعرفَ علي قيمةِ الحياةِ في منطقتِنا التعيسةِ فالشواهدُ كثيرةٌ، حديثةٌ، واضحةُ الدلالةِ، بلا كَدِ ولا تعبِ ستَدُلُنا إلي الخلاصةِ المؤكدة، أنها حياةُ بلا قيمةِ ولا اعتبارِ. غرقُ العبارةِ الذي أودى، كالعادةِ، بحياةِ المئاتِ من المصريين، آخرُ الشواهدِ وأحدثُها؛ اِبتلعَهم بحرُ من الإهمالِ والاستهتارِ والتواكلِ والتخاذلِ. قبلَه بيومين فَنِي حوالي أربعين من المصريين والأجانبِ في حادثتي طرقِِ عكستا قدرَ إهدارِ قيمةِ الحياةِ. المسئوليةُ شاعَت، علي الدولةِ والشعبِ، علي المجتمعِ بأكملِه، يُدهَسُ الإنسانُ مثل قطةِ في الطريقِ، بنفسِ البساطةِ. الدولةُ تستخدمُ القوةَ حيث لا يجوزُ، فضاً للغضبِ الشعبي، من تزويرِ الانتخاباتِ، من منعِ التعبيرِ عن الرأي، لا تُطبقُ القوانينَ التي تنصُ علي السلامةِ في البناءِ، في الطُرُقِِِ، في الطعامِ، في أماكن العمل واللهو والرياضة. المواطنُ يموتُ في أثناءِ العلاجِ، وهو في رحلةِ، في الطريقِ لعملِه أو مسكنِه، تقتلُه مشاجرةُ ليس طرفاً فيها، ثأرٌ لا يدَ له فيه، الخطرُ يتربصُ به في أبسط أمورِ حياتِه. الحكومةُ والشعبُ شركاءُ، عبثٌ في عبثِ، فهلوةُ، عنتريةُ، عشوائيةُ، سوءُ تدبيرِ، عدَمُ تدَبُرِ، تصورُ واهمُ للذكاءِِ والألمعيةِ.
في الدولِ الإسلاميةِ والعربيةِ تفقدُ الحياةُ قيمتَها، بفعلِ المعتقداتِ والأعرافِ، حتي الأعياد لم تسلمُ من دماءِ تجري أنهاراً في الشوارعِ. ما أيسرَ أن تُسلَبَ حياةُ الإنسانِ، تنفيذاً لعقوبةِ، نتيجةً للتفجيراتِ المُعتبرةِ بطولةُ، الموتُ شهادةُ وعقوبةُ، في آنِ واحدِ. ضحايا العنفِ في العراقِ من أبنائه بـأياديهم يفوقون ما سبَبَه الأمريكان والإنجليز، كذلك ضحايا طالبان في أفغانستان. الإنسانُ مجردُ رقمِ، في كشف الأحياءِ أو في كشفِ الأمواتِ، وجودُه لا يَهِمُ، إنه أداةُ تستهلكُها الشعاراتُ، شعاراتٌ ابتدعَتَها الأنظمةُ لتستمرَ في البقاءِ، أنظمةُ تحاربُ طواحينَ الهواءِ في إيران، في ليبيا، في السودان، الشعوبُ تدفعُ الثمنَ من حياتِِها.
تركُ الأمورِ علي أعنتِها لا يوردُ إلا التهلكة، كم من المظاهرِ تنضِحُ بأبلغِ الضررِ، أصبحَت معتادةَ من فرطِ تكرارِها، انسحابُ أجهزةِ الدولةِ، طواعيةً أو بغيرِها، يفسحُ الساحةَ لمن يتوقون لشغلِها، بالفوضى والعشوائيةِ والأمرِ الواقعِ. سَلبٌ الحياةِ أصبحَ عادةً، من فرطِ تكرارِهِ، لا يُعتذرُ عنه، ليست عليه عقوبةُ، في أحيانِ كثيرةِ.
الحشراتُ والقوارضُ تتوالدُ بكثرةِ، ظاهرةٌ طبيعيةٌ لتعويض الهالكين منها بلا حسابِ، كالإنسانِ في الدولِِ الإسلاميةِ والعربيةِ،،

بوش يبوس


بوش زار المنطقة العربية، الدنيا قامت علي رِجل، مظاهرُ فرحٍ هناك وغضبٌ هنا، زغاريدٌ في مقابلِ حرقُ صورٍ ودمي وأعلامٍ. المنطقةُ في حالةِ استنفارٍ، سياسي وأمني. زيارةٌ ليست عادية، زعيمُ أقوي دولة عسكرياً يَدُبُ كما يُحبُ. ماذا يريدُ؟ كلٌ يفسرُ حسب مفهومِه، يتآمرُ ضد إيران، يساندُ إسرائيل، يدعمُ السلام، يودعُ المنطقةَ بمنظرين قبل أن تنتهي مدتُه.
فرصةٌ للظهورِ بمظهرِ الضيوفِ الكرامِ والقادة المؤثرين، استقبالاتٌ حافلةٌ، ولائمٌ، رقصاتٌ، هدايا، سيوفٌ وقلادات. المعارضون أيضاً في الصورةِ، حناجرُهم عاليةٌ ومنشوراتُهم مرفوعةٌ، ماذا يقولون، لا جديد. زيارةُ صفقاتٍ بالملياراتِ، أسلحةٌ وعتادٌ، العربُ يدفعون لأمريكا، كالعادةِ. هل هي في مصلحتهم؟ الإجابةُ ليست عندهم، عند مخططي السياسة الأمريكية وغيرِهم.
بوش يتعامل مع العربِ بأسلوبِهم، يبوسُ علي الخدين، لو فعلها في أمريكا لفضحوه. العربُ لم يبرموه، لم يأكلوه، هو الذي حضنهم وباسهم،،

الفقرُ قلةُ قيمةِ.. للدولِ كما هو للبشرِ


لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته، رأيتُ ذا الغني مهيباً وذا الفقرِ مهيضاً، قالها سلفُنا منذ ما يزيدُ علي الألفِ عامٍ، خبرةُ الأيامِ. شخصٌ ضخمٌ مترهلٌ، رثُ الثيابِ، جائعٌ، ثقيلُ الحركةِ، من الطبيعي أن ينعدمُ تأثيرهُ وإنتاجُه الفكري والجسدي، لا ابتكارَ عنده، ما هو بقادرٍ علي التأثيرِ ولا علي مجاراةِ من حوله، الأصحاءُ، القادرون علي العطاءِ. أنها سنةُ الحياةِ، البقاءُ للأصلحِ، القابلُ للتأقلمِ، للتعلمِ، للعيشِ في جماعةٍ، للأخذِ والعطاءِ، لا الأخذِ فقط ومدِ اليدِ.
الدولُ مثلُ البشرِ، إنها تتكونُ منهم، يكونُ تأثيرُها بقدرِ ما تقدم للإنسانيةِ من علمٍ وصناعةٍ وزراعةٍ واقتصادٍ وأدبٍ وفنٍ؛ تأثيرٌ لا يأتي إلا بالكدِ والعملِ، بانتهاجِ مبادئ الديمقراطيةِ الحقيقيةِ، باحترامِ حقوقِِ الإنسانِ والمواطنةِ، بتقبلِ الرأي الآخرِ. يستحيلُ أن يكون للديكتاتوريةِ والاستبدادِ والقهرِ مكانٌ في عالمِ اليومِ، لا تقومُ دولةٌ عليهم، الشعوبُ المكبلةُ المُهمشةُ لا تنتجُ، لا تبتكرُ، لا تتجاوبُ؛ إنها تلاوعُ، تخادعُ، تغشُ، مثل حكامِها، علاقةٌ تبادليةٌ أساسُها عدمُ الاحترامِ.
عالمُ اليومِ به من الدولِ الخفيةِ ما يفضحُ نظمَها الحاكمةَ ومعارضيها وشعوبَها علي قدرٍ سواءٍ، إعلامٌ عالي الصوتِ، عديمُ الرؤيةِ، مناصبٌ للمنافقين، أموالٌ مبعثرةٌ علي المظاهرِ، معارضةٌ ما وراءَ حلولِها غيرُ محاربةِ طواحينِ الهواءِ والعويلِ والاندثارِ، الجوهرُ شديدُ البؤسِ. دولٌ تقدمُ من إخفاقِها وقلةِ حيلتِها العظاتِ لمن اعتبرَ ويعتبرُ، لكل من يتحاشى مآلَها.
طفيلياتُ العالمِ، تسحبُه للوراءِ، لو أُتيحت لها الفرصةُ، كم من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ فيها، لن أسميها، معروفةٌ بالاسمِ، مهما توهمَ حكامُها الحكمةَ والعقلَ، مهما تحدثوا باسمِ شعوبٍ تتبرأ منهم، مهما صرخَ وادعي معارضوهم. لا يسودُ جائعٌ، ولا بردانٌ، ولا جاهلٌ، يستحيلُ أن يكون له من الاعتبارِ ذرةٌ، فرداً كان أو دولةً، الغُصةُ شديدةُ المرارةِ،،