الأربعاء، 25 يونيو 2008

المهنةُ: مُفتي فضائياتٍ


الوظائفُ في العالمِ العربي شحيحةٌ، لكي تعلو لا بدَ أن تكونَ مسنوداً، إلا إذا كنت من أعضاءِ الفئةِ الجديدةِ، مفتي فضائيات. مفتي الفضائياتِ، وظيفةٌ تتواكبُ مع عصرِ المعلوماتِ والاتصالاتِ، شأنُها شأنُ مطربي الكليباتِ، مكملةٌ لها، الفرقُ في الصنعةِ، في طبيعةِ العملِ، في النكهةِ.
مفتي الفضائياتُ، ليس رجلاً فقط، هناك من النساءِ من اجتزن الحدودَ، طلعن لفوقِ. لا يُشترطَ في مفتي الفضائياتِ شهادةٌ بعينِها، كثيرون تركوا وظائفَهم الأصليةَ لما شحَ دخلُها، غيروا جلدَهم. فناناتٌ تركن الفنَ وتركَهن، تحولن إلي تلك الوظيفةِ الجديدةِ، ربحُها أكثرُ، ولو قلَ علمُهن، ولو كانت لغتُهن العربيةُ تحت الصفرِ.
الشرطُ الأساسي في مفتي الفضائياتِ أن يطرحَ القضايا الجدليةَ، في الزواجِ والطلاقِ، فيما يتعلقُ بالمرأةِ علي وجهِ الخصوصِ، في توظيفِ الأموالِ، باقي الأمورِ شعبيتُها أقلُ، مرتبتُها متأخرةٌ. يتراوحَ أسلوبُ العرضِ ما بين التجهمِ والعبوسِ إلي رسمِ السماحةِ والدعةِ وطولِ البالِ، كلُها أدواتِ المهنةِ. أما الزي فحسبِ الحاجةِ، هناك المفتي المودرن، الإفرنجي، وهناك أيضاً المفتي ذو الزي التقليدى الأبيضِ واللحيةِ الكثيفةِ. هادئون أو ثائرون، كلُهم يُلعِبون حواجبَهم، يُشوحون بأياديهِم، يهرشون جباهَهم، علاماتُ الصدقِ والتمعنِ، من وجهةِ نظرِهم وبتعليماتِ المخرجِ.
مفتيوا الفضائياتِ، أخرجوا من الكتبِ الصفراءِ ما لا يقبلُه منطقٌ سليمٌ، جعلوا الدين عسراً ما بعده عسرٌ، أشاعوا الكراهيةَ والفرقةَ، تعارضَت فتاواهم، كَثُرَ مجاذيبُهم في مجتمعاتٍ ترفضُ التفكيرَ، تلغي عقولَها، يَقلُ عَمَلُها. الفتاوي في الخمسِ سنواتِ الأخيرةِ تفوقُ في عددِها ما أُطلِقَ خلال مئات السنين. الفضائياتُ الاستثماريةُ تُصنَعُهم، تفهمُ السوقَ، تعرفُ طبيعةَ المجتمعاتِ المتكاسلةِ خصوصاً في إعمالِ العقلِ. اندثرَت برامجَ الثقافةِ وانزوي المفكرون، ليسَ زمانَهم، لو تحولوا للفتاوي لأصبحوا مليونيرات، عندهم العقلُ والقدرةُ علي استخدامِه، علي تطويِعِه لو أرادوا، ضميرُهم لا يسمحُ لهم بالتلونِ، مشكلتُهم.
أغرَت الأضواءُ نجومَ الفتاوي، زغللَت عيونَهم، لعبَت الشهرةُ بأدمغتِهم، يُبشرون الناسَ بالجنةِ في الأخرةِ ويستعجلونها لأنفسِهم في الدنيا، يُمنونهم بالحورِ الحسانِ وفي الحالِ يحوزون منهن ثلاثاً وأربعاً وأكثرَ، اِنهمرَ رزقُهم وفاضَ، فتاواهم علي كلِ لونٍ، مُمكنةٌُ بالطلبِ. عابوا الفنَ والفنانين وعاشوا حياتَهم وأكثرَ، حللوا لأنفسِهم بفتاويهم ما سبقَ أن حرموه، بها أيضاً.
التكنولوجيا أوصلَت العالمَ المتقدمَ إلي المريخِ، بكلِ الوضوحِ والنقاءِ، بعلماءٍ يقودون للأمامِ، أما في المنطقةِ العربيةِ، فالصراخُ والتهديدُ والوعيدُ والمنعُ، بمفتيي فضائياتٍ يسحبون للخلفِ ولتحتِ، لقاعِ القاعِ،،

الأحد، 22 يونيو 2008

القاهرة اليوم00 فقط !؟


القاهرةُ، زاخرةٌ بالأحداثِ، بالضجيجِ، بالصخبِ، لا يخلو الإعلامُ من سيرتِها، لا يستطيعُ. القاهرةُ هي مصر، دولة عشراتِ الملايين وكذلك التاريخِ، شهدَت الفكرَ واضمحلالَه، استمتعَت بالفنِ وتعذَبّت من فرطِ ما حورِبَ، فيها المفكرون والمبدعون من كل الاتجاهاتِ، صوتُهم مسموعٌ ولو جارَ عليهم الزمنُ. موضوعٌ هي في كلِ الصحفِ الورقيةِ وصحافةِ الإنترنت، الفضائياتُ تعيشُ علي فنِها، وعلي الكلامِ في سيرتِها، مصدرٌ هي لرزقِهم، لملايينهم.
الفضائياتُ، لا تقومُ إلا بالمالِ، موجودٌ بكثرةٍ عند أصحابِ البترولِ، منه يغترفون ويستثمرون، القاهرةُ منجمُهم، عليها يتعيشون، أصبحت حرفةَ عشراتِ الفضائياتِ البتروليةِ، من كل مكانٍ حتي من القاهرةِ نفسِها. برنامجُ القاهرة اليوم أحدُها، استوطن الاستوديوهات المصريةَ، انطلقَ بجرأةٍ عن كلِ ما تعاني منه مصر، لا عيبَ في ذلك، مرآةٌ هو لكل ما تخفيه الصحافةُ الحكوميةُ المكبلةُ المُكممةُ المُتعيشةُ، الحريةُ الإعلاميةُ حقٌ للمواطنِ قبل أي مستثمرٍ.
برنامجُ القاهرة اليوم ليسَ فوقَ النقدِ، كما يَنتقدُ يُنتقَدُ، يقومُ علي مذيعٍ وحيدٍ متوحدٍ، احتكرَ لنفسِه الألمعيةَ والذكاءّ وخفةَ الظلِ، يفتعلُ القضايا والمواقفَ، يعيدُ ويكررُ، يلبسُ ثيابَ الثوري المناضلِ صاحبِ المواقفِ، حوارتُه مفبركةُ وكذلك ضيوفِه، يهاجمُ أشخاصاً بعينِهم، بكلِ الفجاجةِ والسماجةِ، بكلِ الغرضِ والهوي. كلُ من حولِه سنيدةٌ ، منبهرون بظرفِه ولطفِه وفكرِه، كلُه يهون من أجل دولاراتِ الخليجِ. الحرفيةُ الإعلاميةُ مُفتقدةٌ، غابَت المصداقيةُ، أساسُ الإعلامِ، لا يهمُ طالما أن القاهرةَ هي محورُ التناولِ.
ليس هجوماً علي برنامجِ القاهرة اليوم، توقيتُه الأفضلُ، يجمعُ يومَ القاهرة كلَه في ساعاتٍ ثلاث، لا مفرَ من مشاهدتِه لمتابعةِِ ما لن تنشرُه الصحفُ الحكوميةُ، لا مفرَ أيضاً من البحثِ عن قنواتٍ أخري ما أن تبدأ حوارات المذيعِ المتفردِ بكلِ فبركتِها. القاهرة اليوم، نموذجٌ للفكرِ في هذه المنطقةِ، فكرُ التحاذُق، تصورُ الذكاءِ في الذاتِ وانعدامِه عند الآخرين، الروؤيةُ بعينٍ واحدةٍ مُغمضةٍ، التركيزُ علي عيوبِ الغيرِ.
القاهرة اليوم ركزَ علي مصر، وعيون بيروت رأي لبنان، هل انتهَت عندهما الأخبارُ؟! أين مكة اليوم وعيون جدة؟! هل فيهما الفضائلُ كلُها؟ هل انعدَمَ فيهما ظلمُ الكُفلاءِ والعنصريةُ ورفضُ الآخرين؟ ألا يوجدُ بهما من الخطايا ما لا يصحُ ذكرُه تعففاً وخجلاً؟ بالمالِ اشتروا الفضائياتِ، لجني المزيدِ منه، لإخفاءِ خطاياهم، لا للحقيقةِ، ولو ولو، نراها جميعاً، هنيئاً لهم القاهرة اليوم ومذيعهم الخَفافة واللَطافة والظرافة،،

شاهدت في السينما



الرجل الحديدي Iron Man شخصية جديدة من مارفل كوميكس الذي قدم لنا من قبل شخصيات الرجل العنكبوت Spiderman والمارد الأخضر Hulk و الشبح الراكب Ghost Rider. هذه المرة اقتصر الجديد على اسم و شكل الشخصية وعلي بعض المؤثرات البصرية الملفتة. الفيلم يحقق حالياً ايرادات عالية و لكنه لم يمتعنى كثيراً. درجة الفيلم 6 من عشرة.


إنديانا جونز و مملكة الجمجمة الكريستالIndiana Jones and the kingdom of the crystal skullأخيراً، جزءٌ جديدٌ من سلسلة افلام انديانا جونزالناجحة . الفيلم مسلى الى حد كبير و يحتوى على احداث مثيرة، أمتعها فى نظرى تلك التى جرت فى الأدغال و شملت مبارزة بشكل جديد وفريد. هاريسون فورد ما زال يتمتع بحضور قوى رغم سنه المتقدم (الفيلم تعامل بذكاء مع سن الشخصية). هناك أيضاً القديرة كيت بلانشيت و الواعد شييا لاباف (Disturbia , Transformers). عندما يلتقى جورج لوكاس المشارك فى قصة الفيلم مع ستيفن سبيلبرج مخرج الفيلم لا بد أن نتوقع لقاءاً من النوع الثالث. درجه الفيلم 7 من عشرة.


بلا أثر Untraceable فيلم بوليسى يواكب العصر. المقصود هنا عصرالكمبيوتر و الإنترنت و برامج التلفزيون الواقعية، فنرى هذه المرة جرائم على الهواء مباشرة. و سواء كان هناك أثراً أم لا، فالمهم عدد المشاهدين. الفيلم قد يصدم بعض الشئ لعنفه إلا إذا استثنينا معتادى مشاهدة أفلامٍ من نوعية منشار Saw . ديان لين تؤدى المطلوب وهو ليس بالكثير. درجة الفيلم 6 من عشرة.


الترحيل Rendition الفيلم يتناول موضوعاً تكرر كثيراً فى الفتره الأخيرة وهو الإرهاب . إلا أن مخرج الفيلم جافن هود الجنوب أفريقى وهو مخرج فيلم تسوتسى Tsotsi الحائز على أوسكار أحسن فيلم أجنبى عام 2005 يقدم لنا فيلماً متميزاً معتمداً على سيناريو ذكى وممثلين جيدين خاصة ميريل ستريب الرائعة فى مشاهدها . هناك أيضاً ممثل مصرى الأصل هو عمر متولى الذى شارك من قبل فى فيلم ميونيخ Munich. الفيلم فاجأني. درجة الفيلم 7,5 من عشرة.


مهندس / دانيال تانيليان - سكندرى عاشق للسينما ومحب للفنون

السبت، 21 يونيو 2008

عندما يُحرَضُ الطالبُ علي المؤسسةِ التعليميةِ



التعليمُ تربيةٌ، ليس مجرد كتبٍ يُحشرُ بها عقلُ الطالبِ، في مرحلة المدرسة أو الجامعة. التربية أساسُها احترام المؤسسة التعليمية، القائمين عليها، نظمها، قيودها، ممنوعاتها. بقدر ما يحترم الطالب المؤسسة التعليمية تسمو أخلاق المجتمع. مقدمة تقليدية يفترض أنها من البديهيات، لكن أين ومتي؟
في مجتمع فقد هويته، وفي زمن ساد فيه من لا يؤتمنون، تكون البديهيات التربوية مما يجهل في معظمه وينكر أغلبه. الطالب يتعدي علي أساتذته بمباركة من بيئة محيطة في الأسرة والمجتمع والنظام ولو كان العكس هو ما يدعي، ولو كان التباكي علي الأخلاق بدموع التماسيح يُسيُلها أنهاراً. الطالب يتعدي علي المؤسسة التعليمية بما ترمز له من احترام للأكبر وتوافق مع النظام العام، التشاتم والتشاجر يصيرا اللغة الرسمية في التعاملات، في السياسة، التجارة، الإعلام، الرياضة، المدارس والجامعات.
الطالب يُحرم من ممارسة حقوقه السياسية، من التعبير عن رأيه، يُقمع، لكن في المقابل يكون التزلف إليه، كسب وده، علي حساب الأخلاقيات الواجبة في المؤسسات التعليمية، خطأه يكون طيشاً ولا بد من مراعاة سنه، نفس السن التي يبطش به فيها لو تجرأ في السياسة، علي أهل السلطة والحكم!! ومع شغل الكراسي بمن يبدون الولاء ولو كان زائفاً ومن ينافقون بكل نفس فيهم، تهون كثيرٌ من الأخلاقيات، هم يقفون مع الطالب ومن يساندونه علي المؤسسة التعليمية، مصلحتهم الهم الأعظم، الأخلاقيات ليست شاغلهم، هدم المجتمع لا مكان له في مساحة همومهم.
يستحيل أن يتقدم مجتمع والبقاء علي الكراسي بكل السبل هوالشغل الشاغل، في كل المجالات، علي كل المستويات؛ من يستحوذ عليه الكرسي لا تشغله أخلاقيات. نظامٌ يريدُ إدامةَ الاستمرارِ لن ينتقي إلا من يحققون غاياته، أياً كانت خلفياتهم وسوابقهم، ولو داسوا علي اساسيات التربية في المؤسسات التعليمية، ولو حرضوا علي انتهاكها وتباهوا،،

هل تنجسُ المرآةُ المسبحَ؟



أحد عناوين الصفحة الدينية بمجلة أكتوبر الأسبوعية، سؤال يطلب الفتوي، من نوعية الأسئلة التي جدت، والفتوي قطعاً جاهزة، والستر من ربنا إذا شطحت وجمحت وشطت. الحضارةُ الحديثةُ يسرت الاتصال، أخذَ عنها العالمُ العربي والإسلامي كيف يسألُ وكيف يُروجُ الفتاوي، لم يجاريها، انغمسَ في بركِ السفسطةِ والجدلِ، بكلِ السخونةِ والحرارةِ.
تحيا المنطقةُ العربيةُ والإسلاميةُ صراعاتٍ عاشَتها منذ مئات السنين، كأنَ الحياةُ توقفَت عقاربُها عندَ زمنٍ فاتَ ومضي لكنها لم تتخطاه، نفسُ النزاعاتِ، نفسُ الجدلِ، نفسُ أسلوبِ الحياةِ، زياً ومظهراً ومأكلاً وتحركاً؛ أصبحَ الماضي ملجأً ونموذجاً، موضوعاً للخطبِ الناريةِ في الزوايا وعلي المنابرِ. الحياةُ الحديثةُ مرفوضةٌ مكروهةٌ إلا فيما يُوفي مصالحاً محددةً ضيقةً، السلاحُ المتطورُ للقتالِ، الفضائياتُ للترويجِ، الإنترنت لإذاعةِ البياناتِ الناريةِ. الدعاءُ في معظمِه استجداءٌ للسحقِ والمحقِ، نادراً ما يكونُ طلباً للرزقِ والمغفرةِ والسدادِ، كأن اللهُ برحمتِه قد خلقَ الكونَ والبشرَ ليدمرُهم وأنزلَ دياناتِ ليلغيها بدلاً من أن تتكاملَ.
لم يَعُد ممكناً تمييزُ الجاهلِ من المثقفِ، من فرطِ التسطيحِ في طرحِ القضايا وإهمالِ الآراءِ، أُلغيت العقولُ وحلَ محلَها ما يراه أهلُ الفتاوي، اِحتكروا الحقَ في التفكيرِ، لما يبثونه آذانٌ ولو جافي المنطقَ القويمَ، من يُفكرُ مرزولٌ، مُهددٌ، مشتومٌ. في أيامِ الجمعةِ تُفرشُ الحصرُ علي الطرقِ العامةِ، تسُدَها، توقفٌ تامٌ، ماذا عن حياةٍ تعجزُ عن اللحاقِ بها سيارةُ إسعافٍ أو مطافئ؟ هل بعلمِ الهيئةِ المسئولةِ تتوقفُ بعضُ مركباتِ النقلِ العامِ؟ أم أنه فرضٌ لأمرٍ واقعٍ لا نقاشَ فيه؟ هل من الإيمانِ أن تُشلُ الحياةُ تماماً؟
أمةٌ كَبُرَ حجمُها وصَغُرَ عقلُها واضمَحَلَ، ثَقُلَت حركتُها، ترهلَت، بَرَكت، تلاشَت إِسهاماتُها في الحضارةِ الحديثةِ، الأخطارُ حولَها، لا تراها، لا تشعرُ بها، كأن الماضي لا يحملُ دروساً وعظاتٍ. فاتَ زمنُ تعويضِ ما فاتَ، من فرطِ التخلفِ، من إدمانِه، من الرغبةِ فيه.
أصحابُ الفتاوي، وحدُهم أصحابُ المعرفةِ، ولو جَهِلوا، علي الجميعِ السمعِ والطاعةِ، ولو كان التقدمُ للخلفِ، ولو توقفَت الحياةُ،،

المدير الزغنن




مديرٌ في منتصفِ الأربعينات، العينُ عليه، أُجلسَ علي كرسي كبير، القيادةُ للشبابِ، بعضُهم، لا بدَ أن تسلطَ عليهم الأضواءُ، دليلٌ علي فترةٍ زمنيةٍ، انجازُهم خارجَ الضرورياتِ. هكذا بمنتهي البساطةِ وضعَ كثيرٌ من الزغننين في العلالي، بأكثرِ مما تستوعبُ امكاناتُهم الإداريةُ والشخصيةُ والنفسيةُ. بكشفِ ما قدموا، لم تتحققَ علي أياديهم الناعمةِ ما أخفقَ فيه من هم أكبر سناً. المراجعةُ تؤكدُ أنهم مجردُ واجهاتٍ، لافتاتٌ لا تستهدفُهم إنما غرضُها الأوحدُ الدعايةُ لحالٍ سياسي طالَ أمدُه بأكثرِ مما يمكنُ تحملُه، الإيحاءُ بأنه قادرٌ علي التجددِ، صراعٌ مع سنةِ الحياةٍ، مع التغييرِ، نظامٌ يفردُ وجهَه بعملياتٍ تجميليةٍ، بالشدِ والفردِ والمساحيقِ، بالمديرين الزغننين.
المديرُ الزغنن، طفا علي السطحِ، علي حسابِ من هم أكبر سناً، من أضاعَت عملياتُ التجميلِ السياسيةِ فرصتَهم الطبيعيةَ في إثباتِ كفاءتِهم، اختفَت أجيالٌ بسببِ طولِ فترةِ بقاءِ النظامِ السياسي، باحتكارِه كلِ المناصبِ وبوضعِ الأصغر سناً علي الكراسي الكبيرةِ. في الدولِ الديمقراطيةِ تولي الأصغرُ سناً كراسي رئاسةِ الوزارةِ والوزراتِ باختيارِ الشعبِ، لم يحتلوها عنوةً، لم تختف أجيالٌ، لم تضع حياتُها هباءً، الفرصُ متاحةٌ للجميعِ، الكلُ شركاءٌ في المسئوليةِ، الاحترامُ للجميعِ.
المديرُ الزغنن، عندنا، لا بدَ أن يظهرَ العينَ الحمراءَ، لا بدَ أن يشخطَ، أن يبطشَ، وإلا لن يكون مديراً، و لا زغنوناً. إذا كان من الممكنِ تعيينُ مديرٍ زغنن في القطاعِ الخاصِ الذي تحكمُه اعتباراتُ سيطرةِ صاحبِ المالِ، فإنه من المستحيلِ أن تقبلَه علاقاتُ العملِ في الجامعاتِ والشركاتِ العامةِِ، يستحيلُ فيها أن يقومَ عملٌ يترأسُ فيه التلميدُ أستاذَه ما دامَ في الخدمةِ. المديرُ الزغنن في هذه الأماكن لن يعني إلا أننا في مجتمعٍ لا يحترمُ كبارَه، لا جدوي إذاً من خلقِ مدارسٍ علميةٍ، و لا حتي من تنشئةِ الطلابِ علي تبجيلِ الأكبرِ؛ النظامُ يمعنُ في إجلاسِ المديرين الزغننين لأغراضِه، لا للتعليمِ ولا للتربيةِ ولا للأخلاقِ.
الغايةُ تبررُ الوسيلةَ، الجلوسُ لأكبرِ فترةٍ ممكنةٍ رغبةٌ جامحةٌ، بادعاءِ الشبابِ، بعمليةٍ تجميليةٍ تُسمي المديرَ الزغنن. أخشي أن يستمرَ مسلسلُ المديرِ الزغنن حتي يصلُ إلي المديرِ الكتكوتِ، المديرِ الطفلِ، المديرِ في اللفةِ، حلقاتك برجالاتك، ماما زمانها جاية، من يرفض فالبحرُ واسعٌ، في انتظارِ المزيدِ،،



نُشِرَت بجريدة المصري اليوم يوم الثلاثاء ٥ فبراير ٢٠٠٨

لو لم يكن في مصر قضاءٌ



تعرَضَ القضاءُ لطعناتٍ بظهرِه بهدفِ التأثيرِ علي صورتِه وعلي مصداقيتِه، مطالبُ القضاةِ بالعدالةِ فيما يخصُهم ويخصُ مجتمعِهم رُدَت إليهم بما أدماهم، لكن القضاءَ رسالةٌ قبل أن يكون سبوبةً، أمانةٌ قبل أن يكونَ وظيفةً، يحملُها حراسٌ للعدالةِ ولو كانت قلوبُهم باكيةً. أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ لا يقلون عنهم حسرةً لما آلَ إليه الحالُ، تردَت أوضاعُهم بما لم يحدثُ قبلاً، الكلمةُ أصبحت لمن هم دونهم خلقاً وعلماً ومكانةً. أقولُ هذا قبل أن أعرضُ تجربةً توضحُ كمَ التردي الذي آل إليه مجتمعُنا، كمَ الإنهيارِ الذي أصابَه وضربَ المؤسسةَ التعليميةَ في العمقِ.
أُعلِنت نتيجةُ المادةِ التي أتولي تدريسَها، وكالعادةِ لا بدَ وأن يكون هناك ناجحون وراسبون، وكانت نسبةُ النجاحِ حوالي 89%، مئاتُ النتائجِ أقلُ منها في مختلفِ المراحلِ والكلياتِ والمدارسِ. أين التجربةُ إذن؟ حالاً، إن فيها الردُُ علي بعضِ المذيعين وأهلِ الإعلامِ الذي يُنصِبون أنفسَهم أوصياءً علي المجتمعِ، يدَعون الدفاعَ عنه بالتهجمِ علي أعضاءِ هيئاتِ التدريس بالجامعاتِ باعتبارِهم الحائطَ المائلَ في مجتمعٍ فقدَ تماماً احترامَه للأكبرِ، للعلمِ، يسعون للشهرةِ علي حسابِ أخلاقياتِ فُقدِت وذهبت إلي غيرِ رجعةٍ ومانشاهده من انفلاتٍ في كلِ مجالٍ خيرِ شاهدٍ. إن في هذه التجربةِ الإجابةُ علي من طرحوا بجهلٍ أو بِغِلٍ لماذا لا تُرفعُ الدعوة المباشرةُ من الطلابِ علي أعضاء هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ.
فوجئت يوماً بإدارةِ الكليةِ تخبرني منزعجةً بأن هناك قضيةً مرفوعةٌ من أحد الطلابِ الراسبين بالمادةِ التي أشرت إليها وأنه يتضرر من نتيجتِها، وأن بها خطأً في التصحيحِ أدي إلي رسوبِه، وأن تقريرَ الخبيرِ المرفقِ مع أوراقِ الدعوي يؤكدُ حصولَه علي 80% من مجموعِ الدرجاتِ بينما تصحيحي لورقتِه لم يعطه أكثر من 16%!! اطلعت علي الأوراقِ ووجدت أن محامي الطالبِ حصلَ علي صورةٍ من كراسةِ الإجابةِ من كنترول الكليةِ بأمرِ المحكمةِ وأعطاها لمعيدِ المادةِ ليصحُحها، وأنه هو الذي قدر له 80% ادخالاً للشكِ في عقيدةِ المحكمةِ حتي تأمر بإعادةِ التصحيحِ!! لم تنطل الحيلةِ علي قاضٍ واعٍ، فالمعيدُ ليس من ذوي الخبرةِ حتي يصححُ كراسةِ الإجابةِ، كما أن ركن السريةِ انتفي بتصحيحه إجابةِ طالبٍ اتضحت له شخصيتُه وكذلك نواياه.
لكن ماذا لو لا قدرَ الله كانت القضيةُ لمصلحةِ الطالبِ؟ ستكونُ السابقةُ القانونيةُ التي تهِدُ أركانَ العمليةِ التعليميةِ وسيستغلُها كلُ ضعافِ النفوسِ للكيدِ لأساتذتِهم علي كافة المستوياتِ، من الابتدائيةِ وحتي الدكتوراة. التجربةُ لا تقفُ عندَ حدودِ السابقةِ القانونيةِ التي بحمدِ اللهِ ما كانت، لكنها تمتدُ إلي المعيدِ الذي شهدَ زوراً باتفاقِه مع الطالبِ وادعائه حصولِه علي 80% ، وإلي أسرةِ الطالبِ التي لم تتابعه ولم تراجعه بل شجعته وسلمته للمجتمعِ مليئاً بالحقدِ والكراهيةِ. تخيلوا من حسنِ نيتي طلبتُ من المعيدِ أن يستمر معي في تدريسِ المادةِ، لكنه اعتذرَ، سالته لماذا؟ أريدُ مادةً أخري، لم يخطر ببالي أنه غدرَ وخانَ وكذبَ.
واقعةٌ لم تشهد لها جامعاتُ ومحاكمُ مصر نظيراً، فيها كل ما يُعري مجتمعاً ضاعت فيه الأخلاقُ في الأسرةِ أولاً، ولولا القضاءُ لاختفي الشرفاءُ والمدافعون عن الحقِ، إيثاراً للسلامةِ، إنها أمام عقلِ كلِ أمينٍ علي هذا البلدِ في كلِ مجالٍ، فيها أوضحُ مثالٍ علي كمِ المعاناةِ التي يُقاسيها أعضاءُ هيئاتِ التدريسِ بالجامعاتِ ومع ذلك لا يلقون إلا التجاهلَ والتهجمَ أولاً ممن يُحسبون عليهم ومنهم.
قضاءُ مصر، شكراً شكراً شكراً، لا تضعفوا، نحن في مركبِ واحدٍ،،